Logo
طباعة
  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم

سلسلة أجوبة العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير
على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك "فقهي"

جواب سؤال

قاعدة "أهون الشرَّين أو أخف الضررين"
إلى Walid Elmi‎

 


السؤال:


السلام عليكم شيخنا، لي سؤال يتعلق بقاعدتي "أخف الضررين" أو "أهون الشرين" التي يتذرع بها العديد من الدعاة والحركات الإسلامية للمشاركة في الانتخابات التشريعية والرئاسية. هل هما من القواعد الشرعية؟ وهل قال بها بعض الفقهاء؟ وما هي أدلتهم وما هو الرد عليها؟ بارك الله بك.

 

الجواب:


وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،


بالنسبة لهذه القاعدة فقد أجبنا عليها في 2010/8/29، وأنقل لك ما جاء في جوابنا المشار إليه:


[القاعدة "أهون الشرَّين أو أخف الضررين".


هذه قاعدة شرعية عند عدد من الفقهاء، وهي عند العلماء الذين يأخذون بها، ترجع إلى معنى واحد، وهو جواز الإقدام على أحد الفعلين المحرّمين، وهو الفعل الأقل حرمة منهما إذا كان المكلَّف لا يسعه إلا القيام بأحد الحرامين، ولا يمكنه أن يترك الاثنين معاً؛ لأن ذلك متعذر أي خارج عن الوسع من كل وجه.


قال تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا﴾، وقال سبحانه: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾.


أي أن هذه القاعدة عند الذين قالوا بها لا تطبق إلا إذا تعذر الكف عن الحرامين، بحيث لا يمكن الانتهاء عن الحرامين معاً إلا بحدوث حرام أكبر، فعندها يؤخذ بأخف الضررين. كما أن هؤلاء العلماء لا يجعلون تعيين أخف الضررين وفق الهوى بل وفق الأحكام الشرعية، فحفظ نفسين أولى من حفظ نفسٍ واحدة والثلاثة أولى وهكذا، وحفظ النفس مقدم على حفظ المال، وحفظ دار الإسلام داخل في حفظ الدين وهو أَوْلى من حفظ النفس والمال، وكذلك الجهاد والإمامة العظمى فهما داخلان في حفظ الدين من أوَّل وأَوْلى الضرورات. قال العالم الشاطبي في الموافقات: "إن النفوس محترمة محفوظة ومطلوبة الإحياء بحيث إذا دار الأمر بين إحيائها وإتلاف المال عليها، أو إتلافها وإحياء المال، كان إحياؤها أَوْلى...".


ومن الأمثلة التي ذكرها هؤلاء العلماء تطبيقاً للقاعدة:


1- إذا تعسَّرت ولادة الأم ووقع العجز عن إنقاذ الأم والجنين معاً، واحتاج الأمر إلى قرار سريع: إما إنقاذ الأم وهذا يقتضي موت الجنين، وإما إنقاذ الجنين وهذا يقتضي موت الأم. وإذا تُرك الأمر ولم يُعمل على موت أحدهما لإنقاذ الآخر، أو إحياء أحدهما بموت الآخر، فقد يؤدي إلى موت الاثنين. ففي مثل هذه الحالة يُقال بأهون الشرين، أو أقل الحرامين، أو أخف المفسدتين، وهو أن يقدم على الفعل الذي ينقذ المطلوب إنقاذه وهو الأم، ولو كان هذا الفعل نفسه قتلاً للآخر.


2- أن يتعرض شخص للهلاك غرقاً أو قتلاً من قِبَلِ شخص آخر، أو للإصابة بأذىً بليغٍ في بدنه وأعضائه، أو أن يُعتدى على امرأة بالزنا، بحضور مكلَّف يستطيع منع هذه المنكرات وعليه صلاة مفروضة قد يفوت وقتها، فإما أن يمنع ذلك الحرام فيفوته أداء الواجب، وإما أن يؤدي الواجب في وقته فيقع ذلك الحرام، والوقت لا يتسع لفعل الأمرين معاً. فهنا يأتي تطبيق القاعدة، وتكون الموازنة أيضاً من قِبَلِ الشرع الذي جعل رفع تلك المحرمات المذكورة آكد من أداء الواجب المذكور، ولو أمكن فعل الواجبين معاً لوجبا.


3- وهذه أمثلة أخرى ذكرها الإمامان الغزالي وعز الدين بن عبد السلام، رحمهما الله، يظهر فيها كيفية إعمال قاعدة أهون الشرين عندهما، ويظهر فيها أيضاً موازنات بين الأحكام. قال العز في كتابه قواعد الأحكام في مصالح الأنام: "إذا اجتمعت المفاسد المحضة فإن أمكن درؤها درأنا، وإن تعذر درء الجميع درأنا الأفسد فالأفسد، والأرذل فالأرذل..." ثم ذكر أمثلة فقال: "أن يُكرَهَ على قتل مسلم بحيث لو امتنع منه قُتِلَ، فيلزمه أن يدرأ مفسدة القتل بالصبر على القتل؛ لأن صبره على القتل أقل مفسدة من إقدامه عليه..."، فهذا مثال واضح في أنه اختيار لأخف المفسدتين أو الحرامين لأنه لا فكاك له من أحدهما، ولو أمكنه منع المفسدتين لوجب عليه ذلك.


وقال في مثال آخر: "وكذلك لو أكره بالقتل على شهادة زور أو على حكم بباطل، فإن كان المكره على الشهادة به أو الحكم به قتلاً، أو قطع عضو، أو إحلال بضع محرم، لم تجز الشهادة ولا الحكم؛ لأن الاستسلام للقتل أولى من التسبب إلى قتل مسلم بغير ذنب، أو قطع عضو بغير جرم، أو إتيان بضع محرَّمٍ..."، أي إذا كان إما أن يقتل أو يشهد شهادة زور على آخر تؤدي إلى قتله أو قطع عضوٍ منه، أو الاعتداء على عرضه، فلا يجوز له أن يشهد بل يصبر على القتل، لأن الاستسلام لقتله أولى من قتل مسلم آخر...


أي أن الوضع الذي يُلجأ فيه إلى العمل بأخف الحرامين أو المفسدتين هو وضع العجز عن تجنب الحرامين جميعاً أو منعهما جميعاً.


هذه أمثلة على تطبيق قاعدة أخف الضررين وفق ما ذكره العلماء الذي يأخذون بها، ولكن ليس من أمثلتها ما يسوِّقه مشايخ السلاطين، أو الذين يريدون للمسلمين أن يميلوا عن الأحكام الشرعية بالتضليل والأباطيل.


إن الذين يستعملون القاعدة لفعل هذا الحرام دون ذلك الحرام مبررين فعلتهم بأنهم خافوا أن يسجنوا أو يطردوا من وظيفتهم فهذا ليس من هذه القاعدة.


وكذلك فإن الذين يقولون نشترك في حكم الكفر مع أنه حرام، حتى لا نترك مناصب الحكم كلها للفسقة، لأن ترك الحكم لهم حرام أكبر... فهذا ليس من تطبيقات القاعدة، بل هو كمن يقول نفتح خمارة ونكسب مادياً منها بدل أن يفتحها الكافر ويكسب هو المال...


وليس من تطبيقات القاعدة أن يعرض على الشخص أمران محرمان فيأتي أخفَّهما وهو قادر عن الامتناع عن كليهما كقول من يقول انتخبوا فلاناً وإن كان علمانياً كافراً أو فاسقاً، أو أيدوا فلاناً ولا تؤيدوا الآخر؛ لأن الأول يساعدنا والثاني لا يساعدنا، أو ما شاكل ذلك، وإنما الذي يقال هنا: إن الأمرين المعروضين أمامنا محرَّمان، فلا يجوز انتخاب العلماني ولا يجوز توكيله أو إنابته لتمثيل المسلم في الرأي، لأنه لا يلتزم بالإسلام، ولأنه يقوم بأعمال محرَّمة لا يجوز للموكِّل أن يقوم بها كالتشريع والمصادقة على مشاريع محرَّمة، وكالمطالبة بالمحرمات والقبول بها والسير فيها، وبالجملة فهو ينهى عن المعروف ويأمر بالمنكر؛ ولذلك فلا يجوز انتخاب أي منهما؛ لأن انتخاب هذا أو ذاك حرام. وترك انتخاب هذا أو انتخاب ذاك داخل في الوسع.


وليس من تطبيقات "أخف الضررين" أن يواجه المسلم فعلين مُحرَّمين وفي مقدوره الامتناع عن كليهما فيعمد لاختيار أخفهما وفق هواه فيفعله زاعماً أن في الانتهاء عن الحرامين صعوبة...! بل يجب الانتهاء عن جميع المحرمات ما دام ذلك مقدوراً عليه وفق الأحكام الشرعية.


هذه صورة موجزة عن "أخف الضررين" أو "أهون الشرين"] انتهى.


أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة


10 ربيع الأول 1442هـ
الموافق 2020/10/27م


رابط الجواب من صفحة الأمير (حفظه الله) على الفيسبوك
رابط الجواب من صفحة الأمير(حفظه الله) ويب

Template Design © Joomla Templates | GavickPro. All rights reserved.