الجمعة، 10 شوال 1445هـ| 2024/04/19م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
جواب سؤال: إزاحة مشرف عن الحكم

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

جواب سؤال: إزاحة مشرف عن الحكم

 


السؤال: لقد تردد على لسان المسئولين الأمريكيين سابقاً أن مشرف ( كنز) للولايات المتحدة الأمريكية , في حفظ مصالحهم وتقوية نفوذهم في المنطقة, وأنه كان عاملاً حاسماً لهم في احتلال أفغانستان..., وأمس 18/8/2008م تتركه أمريكا يزاح عن الحكم (يستقيل) , فكيف ذلك؟ أو أن هناك صراعاً سياسياً مع بريطانيا, نتج عنه نجاح بريطانيا في إزاحة مشرف؟ ثم من هو المتوقع أن يحل محل مشرف في رئاسة الجمهورية؟

 

الجواب: نعم, إن مشرف كان ( كنزاً) للولايات المتحدة , كنزاً بحق, فهو قد قدم خدمات لأمريكا في أفغانستان والمنطقة, قد لا نبالغ إذا قلنا إن أمريكا ما كانت لتحتل أفغانستان لولا مساعدة مشرف, هذا بالإضافة لتصديه للمسلمين المقاومين للاحتلال, بذريعة (مكافحة الإرهاب) ما سهَّل لأمريكا اعتقال عدد من المسلمين المقاومين للاحتلال...

 

كل هذا صحيح , ولكن مشرف في السنوات الأخيرة, وبخاصة منذ سنة أو نحوها لم يعد قادراً على تنفيذ مخططات أمريكا, فقد أصبح عاجزاً عن ذلك لاهتزاز موقعه سواء أكان ذلك بين الناس, أم في الجيش, أم في البرلمان. وذلك لكثرة جرائمه تجاه المسلمين, وبخاصة مجازره في منطقة القبائل ووادي سوات, ومجازره في المسجد الأحمر, وتهالكه المفضوح على الارتماء في أحضان أمريكا, وتقديمه كل ما يمكنه من خدمات لها متحدياً ليس فقط أفكار المسلمين ومفاهيمهم بل حتى مشاعرهم...

 

وقد كشفت تصريحات بعض المسئولين الأمريكان عجز مشرف عن أداء مهماته على الوجه الذي تريده أمريكا نتيجة اهتزاز موقعه في الحكم والجيش والأمة. ومن هذه التصريحات ما قاله قائد القوات الأمريكية في أفغانستان الجنرال ديفيد ماكيرنان في 7/8/2008م لمحطة التلفزيون الأمريكية (سي إن إن): "هل أعتقد أن هناك شكلاً من أشكال التواطؤ من جانب جهاز الاستخبارات الباكستانية؟ نعم أعتقد"، وأضاف ماكيرنان: "شاهدنا عدداً متزايداً من المقاتلين الأجانب في جنوب وشرق أفغانستان السنة الحالية وننتظر من السلطات في باكستان التحرك ضد ملاذاتهم الآمنة".

 

وكانت صحيفة (نيويورك تايمز) ذكرت أن ستيف كيبس وهو الرجل الثاني في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) توجه إلى إسلام آباد ليطلب توضيحات من السلطات الباكستانية ويقدم لها أدلة على تواطؤ الاستخبارات الباكستانية مع شبكة التمرد التي يقودها جلال الدين حقاني.

 

وأكدت الصحيفة: "أن الأمريكيين رصدوا اتصالات تثبت على ما يبدو تورط بعض عناصر الاستخبارات الباكستانية في الاعتداء على سفارة الهند في كابول الذي أسفر عن مقتل ستين شخصاً".

 

وهكذا اتضح لأمريكا أن اهتزاز موقع مشرف في علاقته مع الجيش والحكومة والناس لا يمكنه من أداء واجبه كما تريد أمريكا على الرغم مما يبذله مشرف من تضحية وتفانٍ في خدمة أمريكا.

 

وعليه فقد رأت أمريكا أن مشرف قد استنفذ دوره, ولابد من البديل الذي يبدو للناس منقذاً لهم من دكتاتورية مشرف, ثم يحقق مصالح أمريكا ويحفظ نفوذهم ويستمر في محاربة المسلمين بحجة مكافحة الإرهاب... أي يعيد سيرة مشرف في خدمة أمريكا عندما كان ممسكاً بقوة في الحكم, وقبل أن يهوي نجمه ويستقيل!

 

ومن الجدير ذكره أن إزاحة ( استقالة) مشرف أمس لم تكن بنت يومها, بل إن نجم مشرف بدأ بالتهاوي تدريجياً ضمن محطات أربع, كان يخفت نجمه شيئاً فشيئاً عند كل محطة إلى أن انطفأ بإعلان استقالته في 18/8/2008م

وهذه المحطات هي:


المحطة الأولى : كانت عندما عقدت أمريكا صفقة مع بريطانيا سمحت بموجبها لبناظير بوتو زعيمة حزب الشعب أن تعود من منفاها في بريطانيا إلى باكستان, وكان أبرز ما في الصفقة أمران:

 

الأول:ـ أن لا يعترض حزب الشعب على إعادة انتخاب مشرف رئيساً للجمهورية.

 

والثاني:ـ تقاسم السلطة مع مشرف, بأن تكون هي رئيسة وزراء بصلاحيات فاعلة.

 

أي أن أمريكا أدركت أن مشرف لا يمكن استمراره في الحكم إلا بدعم حزب بناظير العلماني له, وذلك بسبب مجازر مشرف ضد المسلمين وكراهيتهم له. وهكذا رأت أمريكا في هذه الصفقة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من صلاحية مشرف حتى ولو كانت منقوصة.

 

ومن الجدير ذكره أن حزب الشعب هو حزب (تجميعي) وليس حزباً تكتلياً, أي ليس له أفكار محددة يؤمن بها أفراده, ويتكتلون حولها, بل هو تجميع لأشخاص وفق مصالح معينة وظروف ذات علاقة, ولهذا فإن اختراقه سهل, وهذا ما ظهر عليه , فإن حزب الشعب في عهد بوتو الأب كانت أمريكا وراءه , ولكن بريطانيا استطاعت خلال سنوات منفى بناظير بوتو هناك, استطاعت أن تكسب ولاءها وولاء قادة مؤثرين في حزب الشعب, وأصبحت بريطانيا تؤثر فيه إلى جانبها, بعد أن كان في عهد بوتو الأب يوالي أمريكا.

 

وعليه فإن المحطة الأولى كانت هذه الصفقة التي أعادت بناظير بوتو لباكستان, مع إنقاص صلاحية مشرف.

 

أما المحطة الثانية: فكانت يوم سمحت أمريكا لنواز شريف بالعودة لباكستان, فإن نواز شريف هو من رجال أمريكا , ولكنها غضبت عليه عندما لم يمنع الجيش الباكستاني من احتلال مرتفعات كارغيل في الهند في عهد حكم حزب جاناتا بزعامة فاجبايي رئيس وزراء الهند السابق.

ومن المعروف أن أمريكا بذلت الوسع حتى كسبت ولاء حزب جاناتا بعد سنوات من حكم حزب المؤتمر الطويلة للهند, وهو حزب موال للإنجليز.

 

لقد كانت أمريكا تدعم فاجبايي اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً لإطالة عهده , فجاء احتلال مرتفعات كارغيل بمثابة دق إسفين في شعبية حزب جاناتا.

 

لذلك فإن أمريكا كانت وراء انقلاب مشرف على نواز شريف وطرده, وبقيت أمريكا غاضبة عليه ولا تسمح له بالعودة.

 

غير أن ارتفاع أسهم حزب الشعب إلى عنان السماء "وبخاصة بعد اغتيال بوتو ", هذا الارتفاع قد أوجد خشيةً عند أمريكا من أن يكتسح حزب الشعب أصوات الناخبين, ومن ثم لا يلتزم ببنود الصفقة ويستولي على الحكم وحده, ويعود نفوذ بريطانيا...

 

لذلك فقد سمحت لنواز بالرجوع إلى باكستان ليتقاسم حزبه نقمة الشعب على مشرف, يتقاسمها مع حزب الشعب, فلا تكون الأصوات كلها لحزب الشعب بل تكون الأكثرية موزعة على حزب بوتو وحزب نواز شريف.

 

هذه المحطة الثانية وكان واضحاً من عودة نواز شريف أن الأمور بدأت تُعَدُّ لما بعد مشرف.

 

أما المحطة الثالثة: فكان إيعاز أمريكا لمشرف بأن يتخلى عن قيادة الجيش لتسهيل انتخابه, وهو الذي كان يستغله من حيث القوة عند كل أزمة شعبية أو برلمانية تواجهه.

 

وأما المحطة الرابعة الفاصلة: فهي زيارة رئيس وزراء باكستان الحالي رضا جيلاني إلى أمريكا , واجتماعه ببوش مطولاً ثم رجوعه لباكستان ومباشرته بإجراءات عزل مشرف.

 

إن المتابع للزيارة يرى أن رضا جيلاني قد خضع لأمريكا, وأن أمريكا ضمنت تأييد حزب الشعب للمرشح الذي تعرضه أمريكا لرئاسة الجمهورية, وبطبيعة الحال فإن حزب نواز شريف مضمون.

 

وكنتيجة لتلك الزيارة, فإن أمريكا قد أعطت الضوء الأخضر للائتلاف الحكومي بإجراءات عزل مشرف , وذلك بعد أن ضمنت موافقة رضا جيلاني, وبالتالي حزب الشعب, على تأييد مرشح أمريكا لرئاسة الجمهورية, بحيث لا يعمل حزب الشعب على عرقلة وصول من تريده أمريكا لرئاسة الجمهورية.

 

إن رضا جيلاني كعميل إنجليزي قد يكون أظهر الموافقة لبوش بعدم عرقلة وصول من تريده أمريكا لرئاسة الجمهورية, على نحو ما يفعله الإنجليز في سياستهم من عدم مجابهة أمريكا , ولكن الأرجح هو أن أمريكا أغرته بمنصب ذي شأن في السلطة الجديدة, وأنه أصبح قريباً من أمريكا.

 

غير أن المتوقع هو أن بريطانيا لن تسكت على إضاعة فرصة سنحت لها بالمشاركة في الحكم في باكستان منذ الصفقة المذكورة, ولذلك فهي ستعمل عن طريق قيادات في حزب الشعب موالين لها بعرقلة انتخابات رئيس الجمهورية القادم إلا إذا ضمنت لها مشاركة فاعلة في الحكم على غرار الصفقة السابقة.

 

إن بريطانيا لا تطمع بالنفوذ الكامل في باكستان , ولكنها لن تترك فرصة سنحت لها أن تضيع , فلذلك فإن عرقلة انتخاب رئيس الجمهورية الذي تريده أمريكا, هذه العرقلة واردة وبشدة إلا أن تعود مباحثات الصفقة الجديدة.

 

أما من هو الرئيس القادم المتوقع, فبغض النظر عن الأسماء, فإن الدور الفاعل في ترشيح الرئيس وانتخابه سيكون لأمريكا, وهناك ثلاثة احتمالات:

 

الاحتمال الأول:ـ أن يكون هو رضا جيلاني, وذلك إذا اطمأنت أمريكا أنه أصبح موالياً لها فعلاً, وليس شكلاً على طريقة الإنجليز الجديدة في الظهور بمظهر الموافق لسياسة أمريكا, ثم يطعنها في الخفاء, فإذا اطمأنت أمريكا بأن رضا جيلاني قد أصبح موالياً فعلاً لها, فهو الأوفر حظاً. ولكن هذا الأمر يحتاج إلى تهدئة بريطانيا التي لن تسكت بسهولة على هذا الأمر وقد تثير مشاكل لرضا جيلاني من قيادات حزب الشعب الموالية لبريطانيا.

 

الاحتمال الثاني:ـ من حزب نواز شريف, والأولوية لأحد قياداته, وليس لنواز شريف نفسه, على الرغم من إنه من رجالات أمريكا لكنه مكروه نسبياً بين الناس, فضلاً عن أن أزمة كارجيل لازالت آثارها لم تمح من ذاكرة أمريكا, ولن تعمد أمريكا لترشيح نواز شريف إلا إذا عدمت مرشحاً قوياً آخر من حزبه, عندها قد تعمد إليه.

 

الاحتمال الثالث:ـ وهو إذا تعذر الاحتمالان السابقان, فإن أمريكا قد تعمد إلى الجيش من جديد, وبخاصة أن كياني قد عين قائداً للجيش بترشيح من مشرف وبموافقة من أمريكا, ولن تعدم أمريكا وسيلة لتسييس العسكر وفق ديمقراطية أمريكا غريبة الأطوار!

 

وأخيراً نقول لو يعقل العملاء ويعتبرون بما يجري لأسلافهم بفعل الدول المستعمرة التي تلفظ عميلها كما تلفظ النواة عند ما يستنفد دوره, حيث يخسر هذا العميل الملفوظ دنياه بعد أن كان قد خسر دينه بسبب عمالته للكفار وخيانته لأمته,


نقول لو يعقل العملاء هذا لحفظوا دنياهم على الأقل بالتقرب إلى شعوبهم وليس إلى المستعمرين, لكنهم لا يعقلون.

 

18 من شعبان 1429هـ
19/8/2008م

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع