الجمعة، 10 شوال 1445هـ| 2024/04/19م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 (سلسلة أجوبة العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك "فقهي")

 

أجوبة أسئلة حول: قاعدة ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب تعريف الحديث المشهور

 

إلى بكر الشرباتي

 

 

 

السؤال:

 


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، لدي أسئلة أود طرحها لعالمنا الفاضل حفظه الله، وهما متعلقان بكتاب الشخصية الإسلامية الجزء الثالث.

 


السؤال الأول حول موضوع ما لا يتم الواجب إلا به حيث ورد في الكتاب: "أما ما يكون وجوبه مشروطا به فلا خلاف في أن تحصيل الشرط ليس واجبا وإنما الواجب هو ما أتى الدليل بوجوبه وذلك كوجوب صلاة معينة فإنه مشروط بوجود الطهارة...". وهذه الجملة مفهومة ولكن المثال هو موضع اللبس لأن الطهارة ليست شرطا في وجوب الصلاة وإنما هي شرط في أدائها، وقد رأيتهم في بعض كتب الأصول يمثلون لهذه العبارة بالاستطاعة بالنسبة للحج، والحول بالنسبة لنصاب الزكاة، فوجدت تلك الأمثلة أقرب للمقصود، فما قولكم جزاكم الله عنا خيرا؟

 


السؤال الثاني حول موضوع الحديث المشهور: حيث كان التعريف في الطبعة الثانية: "هو ما رواه من الصحابة عدد لا يبلغ حد التواتر ثم تواتر في عهد التابعين وتابعيهم"، ثم عدل في الطبعة الثالثة: "هو ما زاد نقلته عن ثلاثة في جميع طبقاته ولم يصل حد التواتر". وما أشكل لدي هنا أن بقية الشرح بعد التعريف وكذلك المثال المضروب للحديث المشهور بقي بحسب ما يتناسب مع تعريف الطبعة الثانية، فهو شرح وتمثيل للتعريف السابق وليس للتعريف الجديد. جزاكم الله خيرا وبارك فيكم.

 

 

 

الجواب:

 


وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،

 


أولاً: موضوع ما لا يتم الواجب إلا به:

 


كما ترى أيها الأخ الكريم فإن بداية الموضوع هو "ما لا يتم الواجب إلا به"، فالحديث هو عن تنفيذ الواجب وليس عن إثبات الحكم الشرعي للوجوب أو الندب أو الإباحة... إلخ، فالموضوع هو عن تنفيذ الواجب، فإذا كان لا يتم تنفيذ الواجب إلا بأمر معين، فيكون هذا الأمر واجباً إذا استوفى شروط القاعدة.

 


وإني أكرر أن الموضوع هو عن تنفيذ الواجب وليس عن إثبات وجوبه، وعلى هذا الأساس يُفهم ما جاء في الكتاب. وسأذكر ما جاء في الكتاب حول هذه النقطة لترى كيف تُفهم في هذا السياق:

 


"إن ما لا يتم الواجب إلا به قسمان: أحدهما أن يكون وجوبه مشروطاً بذلك الشيء، والثاني أن يكون وجوبه غير مشروط به، أي بذلك الشيء. أما ما يكون وجوبه مشروطاً به فلا خلاف في أن تحصيل الشرط ليس واجباً، وإنما الواجب هو ما أتى الدليل بوجوبه، وذلك كوجوب صلاة معينة، فإنه مشروط بوجود الطهارة. فالطهارة ليست واجبة من حيث الخطاب بالصلاة، وإنما هي شرط لأداء الواجب."

 


والآن انظر إلى ما استفسرت عنه وهو "وذلك كوجوب صلاة معينة، فإنه مشروط بوجود الطهارة"، وأنت تقول في السؤال: "المثال هو موضع اللبس لأن الطهارة ليست شرطاً في وجوب الصلاة وإنما هي شرط في أدائها"، هذا القول صحيح، ولكنه لا يناقض المذكور في الكتاب إذا أدركت السياق الذي ذكر فيه، فقد ذكر في سياق "ما لا يتم الواجب إلا به"، ويكون معنى الجملة التي التبست عليك هو على النحو التالي:

 


"كوجوب إتمام صلاة معينة فإنه مشروط بوجود الطهارة"، أي تنفيذ الصلاة لا يتم إلا بوجود الطهارة، وقد تقول، إذاً لماذا لم تذكر تلك الإضافة، أي لماذا لم يذكر "وجوب إتمام صلاة معينة"، والجواب لأن البحث هو في إتمام الواجب وليس في إثبات الوجوب. وهذا متعارف عليه في كتب الأصول، أي إضمار شيء معين إذا كان السياق يدل عليه، وهنا فإن السياق يدل عليه، وكما ترى في نهاية الفقرة التي نقلناها من كتاب الشخصية الثالث فهي تنص على ما يلي: "... فالطهارة ليست واجبة من حيث الخطاب بالصلاة، وإنما هي شرط لأداء الواجب."، وهو ما ذكرته أنت في السؤال بقولك: "لأن الطهارة ليست شرطاً في وجوب الصلاة وإنما هي شرط في أدائها"، أليس هذا هو عين ما ذُكر في الكتاب يرحمك الله؟

 


وكما ذكرت آنفاً فإنه أمر ظاهر في كتب الأصول أن يُختصر الكلام بإضمار شيء معين إذا كان السياق يدل عليه، وهذا واضح عندما يتكلمون عن "ما لا يتم الواجب إلا به":

 


فمثلاً في كتاب المستصفى لأبي حامد الغزالي الطوسي، فهو يقول في باب: "مسألة ما لا يتم الواجب إلا به..."، يقول: "فالطهارة في الصلاة يجب وصفها بالوجوب عند وجوب الصلاة"، وواضح منها أنها بهذا المعنى: "كالطهارة في الصلاة يجب وصفها بالوجوب عند وجوب إتمام الصلاة"، أي أداء الصلاة، لأن وجوب الصلاة كحكم شرعي يتوقف على الدليل ولا يتوقف على وجوب الطهارة.

 


ومثلاً يقول الآمدي صاحب الإحكام في أصول الأحكام في هذه المسألة: "ما لا يتم الواجب إلا به" شارحاً إياها بشكل واضح، فيقول: "لو قال الشارع أوجبت عليك الصلاة إن كنت متطهراً" فواضح من قوله هذا أن المقصود منه: "أوجبت عليك أداء الصلاة إن كنت متطهراً" وواضح منه أن المقصود هو أن الطهارة شرط في أداء الصلاة وليس في وجوبها، ولكن سياق الكلام "ما لا يتم الواجب إلا به" لا يجعل داعياً لذكر إتمام الوجوب أو الأداء لأنه واضح من السياق.

 


ومثلاً ورد في شرح مختصر الروضة لصاحبه سليمان بن عبد القوي الطوفي الصرصري يقول في مسألة "ما لا يتم الواجب إلا به" يقول: "كتوقف وجود الصلاة على الطهارة" ولعل هذا أوضح من صاحبيه قليلاً فذكر "وجود" بدل أن يذكر "وجوب"، لكن كل منهم يقصد أداء الصلاة لأن السياق يدل على ذلك، فالقاعدة هي "ما لا يتم الواجب إلا به"، فالكلام عن الأداء.

 

 

ومثلاً ورد في المدخل إلى مذهب الإمام أحمد لابن بدران، وهذا الرجل قد أوضح المقصود أكثر من إخوانه فقال في مسألة "ما لا يتم الواجب إلا به":

 


"اعْلَم أَن هَذِه الْمَسْأَلَة لَهَا ملحظان أَولهمَا مَا يتَوَقَّف على وجوب الْوَاجِب وَهَذَا لَا يجب إِجْمَاعًا سَوَاء كَانَ سَببا أَو شرطا أَو انْتِفَاء مَانع فالسبب كالنصاب يتَوَقَّف عَلَيْهِ وجوب الزَّكَاة..."، وأنت ترى أن هذه الجملة "كالنصاب يتوقف عليه وجوب الزكاة" تعني وجوب أداء الزكاة.

 


ويقول أيضاً: "وَالشّرط كالإقامة فِي الْبَلَد إِذْ هِيَ شَرط لوُجُوب أَدَاء الصَّوْم..."، وهنا وضَّح الموضوع تماماً، ولم يقل "شرط لوجوب الصوم".

 


ويقول كذلك: "إِمَّا أَن يكون شرطا لوُقُوع الْفِعْل أَو غير شَرط فَإِن كَانَ شرطا كالطهارة وَسَائِر الشُّرُوط للصَّلَاة..."، وهو هنا بين أن الطهارة شرط لوقوع الفعل، أي لوقوع الصلاة، أي لأدائها.

 


وعليه فما ذكرناه في الشخصية بدايةَ بحث "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب"، هو الآن واضح، أليس كذلك؟ وأعيده:

 


"إن ما لا يتم الواجب إلا بهقسمان: أحدهما أن يكون وجوبه مشروطاً بذلك الشيء، والثاني أن يكون وجوبه غير مشروط به، أي بذلك الشيء. أما ما يكون وجوبه مشروطاً به فلا خلاف في أن تحصيل الشرط ليس واجباً، وإنما الواجب هو ما أتى الدليل بوجوبه، وذلك كوجوب صلاة معينة، فإنه مشروط بوجود الطهارة. فالطهارة ليست واجبة من حيث الخطاب بالصلاة، وإنما هي شرط لأداء الواجب" انتهى.

 


أما ما ذكرته في آخر السؤال من أنك قرأت في بعض كتب الأصول "يمثلون بالاستطاعة بالنسبة للحج والحول بالنسبة لنصاب الزكاة"، فهي وإن كانت واضحة نوعاً ما لكنها لا تختلف كثيراً عما ذكرناه لأن الاستطاعة هي لأداء الحج وليست لأن الحج واجب في الإسلام أو غير واجب، فالاستطاعة هي بالنسبة للأداء. أما الحول بالنسبة لنصاب الزكاة فإن المشهور في هذا المثال هو "النصاب في أداء الزكاة" كما ذكرنا في كتاب المدخل إلى مذهب الإمام أحمد، وإذا كنت قد قرأت المثال على قاعدة "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب"، إذا قرأت هذا المثال "الحول في النصاب"، فيكون ليس دقيقاً بل الأدق أن يكون النصاب في وجوب أداء الزكاة، والحول شرط في النصاب، لأن الواجب هو الزكاة، وليس النصاب، وما لا يتم الواجب إلا به، أي ما لم يتم أداء الزكاة إلا به، فهو ملكية النصاب، وهناك شرط لهذا النصاب وهو حلول الحول على النصاب. على كل، قد يكون هناك التباس إلا إن كنت قرأته هكذا: (النصاب وشرط الحول فيه هما واجبان لوجوب أداء الزكاة) أو نحو ذلك... وإني لآمل أن يكون الأمر قد اتضح جلياً بإذن الله.

 


ثانياً: بالنسبة إلى تعريف الحديث المشهور:

 


قبل الجواب على سؤالك فإني أذكر لك ما يلي للعلم وتمهيداً للجواب:

 


1- لقد سئلنا من قبل عن تعريف الحديث المشهور الموجود في كتبنا، وأن هناك بعض الاختلاف... وقد أجبنا على هذه المسألة على النحو التالي:

 


قلنا في الشخصية الثالث:

 


أ- صفحة 80 في موضوع الحديث: "وإن نقله جماعة من تابعي التابعين، عن جماعة من التابعين، عن واحد أو أكثر من الصحابة، لا يبلغ عددهم حد التواتر، فهو المشهور....."

 


ب- وفي صفحة 83 من الكتاب نفسه عن الحديث المشهور: "الحديث المشهور هو ما زاد نقلته عن ثلاثة في جميع طبقاته ولم يصل حد التواتر".

 


وقد ذكرنا هذين التعريفين في الشخصية الجزء الأول كذلك.

 


والتعريفان صحيحان:

 


فالأول هو للأحناف، فهم لا يشترطون العدد في رواة الحديث في عصر الصحابة، بل يكفي واحد أو أكثر، ولكنهم يشترطون في عصر التابعين وتابعي التابعين العدد، أي يتواتر من جماعة ويشتهر...

 


والثاني للجمهور وبخاصة عند علماء الحديث وهم يشترطون العدد في الطبقات الثلاث "الصحابة والتابعين وتابعي التابعين"، مع خلاف في العدد، فمنهم من يشترط في كل طبقة أكثر من اثنين، ومنهم من يشترط أكثر من ثلاثة...

 

 


ونحن قد ذكرنا التعريفين في كتبنا، وهما تعريفان صحيحان، وبذلك فلا داعي لحذف أحدهما، كل ما هنالك أننا قد ننسب كل تعريف لأهله إذا رأينا ذلك لازماً...).

 


2- والآن نجيب على ما ذكرته في آخر السؤال مما أشكل عليك من عدم تغيير الشرح... إن ملاحظتك في مكانها فنحن لم نغير الشرح، ولكني ألفت نظرك إلى مسألة في الحديث المشهور وهي أن هناك من لا يصفون الحديث المشهور بأنه من الآحاد، ويقولون إنه يفيد ظناً يقرب من اليقين، فركَّزنا على أنه في جميع أحواله هو خبر آحاد، فالأمر إما ظن، وإما يقين، ولا ثالث لهما، فلا يوجد شيء بين الظن واليقين، ولا شيء يقرب من هذا ويبعد من هذا؛ ولهذا لا معنى لهذا القول، فالمشهور يفيد الظن... وحتى لو تواتر في عهد التابعين وتابعي التابعين كما يعرِّفه بعضهم، فلا يكون متواتراً، وذلك لأن العبرة بالتواتر هي بتواتره عن الرسول صلى الله عليه وسلم وليس فقط بتواتره في عهد التابعين وتابعي التابعين، هذه المسألة كانت واضحة في الشرح. ومع ذلك فسنرى ماذا يكون من حيث تغيير الشرح أو بقاؤه كما هو إن لم يؤثر في المسألة المذكورة.

 


وللعلم فإن المشكلة في التعريف غير الحاسم للمشهور نابعة من مدلول كلمة مشهور، واشتهار الحديث يتوقف على الذي يتعاطى مع هذا الاشتهار، فقد يطمئن إلى شهرة الحديث بعدد معين يختلف مع العدد الذي يأخذ به آخر في اشتهار الحديث، فهو اصطلاح عند المجتهدين وعند أهل الحديث، ففيه اختلاف بعض الشيء كما قلنا آنفاً من حيث الاطمئنان إلى مدلول اشتهار الحديث، ولكن في جميع الحالات فهو يبقى في عداد أحاديث الآحاد وإن كان يوفر اطمئناناً أكثر لاشتهاره وازدياد عدد نقلته.

 


ومن الجدير ذكره أن الشهرة في الحديث هي شهرته في عصر التابعين، وتابعي التابعين. فلو اشتهر بعد هذين العصرين فلا عبرة في ذلك ولا يُسمى حديثاً مشهوراً إذا اشتهر بين الناس بعد هذين العصرين، ومن الأحاديث المشهورة قوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّـيَّاتِ» أخرجه البخاري ومسلم.

 


3- وفي الختام فعلى الرغم من أن لسؤاليك وجهاً من الصحة، ومع ذلك فقد قلت في السؤال الأول: "فما قولكم جزاكم الله عنا خيراً"، وقلت في السؤال الثاني: "وما أشكل لدي هنا أن بقية الشرح..."... لقد أعجبني أدبك في السؤال ودقة التفكير وحسن التدبر لما ورد في كتبنا، فبارك الله فيك وبك على ما أكرمك الله به من عقل سليم وخلق كريم، والله معك.

 

 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة

 

 

رابط الجواب من صفحة الأمير على الفيسبوك

 

رابط الجواب من موقع الأمير


رابط الجواب من صفحة الأمير على الغوغل بلس

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع