Logo
طباعة
انتخابات تونس مرة أخرى

بسم الله الرحمن الرحيم

 

انتخابات تونس مرة أخرى

 

 

 

الخبر:

 

أعلن قيس سعيِّد فوزه برئاسة تونس في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية التي تنافس فيها مع المرشح نبيل القروي رئيس حزب "قلب تونس".

 

وقال سعيّد - في كلمة له أمام أنصاره - إنها مرحلة تاريخية يستهلم الآخرون منها، وأشار إلى أن عهد الوصاية على تونس انتهى، وقال "مشروعنا يقوم على حرية". (الجزيرة نت)

 

التعليق:

 

لا شك أن المتابع لبرامج المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير والمستمع لإذاعته قد لاحظ اهتماما بالانتخابات التونسية الأخيرة، فقد كتب فيه الكثيرون بين محلل ومنبه وباحث وموجه. ولا غرابة في ذلك فإن الحزب قد أخذ على عاتقه أن يتابع قضايا المسلمين عامة وجعل من أعماله محاسبة الحكام وتوجيههم لتحمل مسؤولياتهم بما ائتمنهم الله عليه.

 

وأنا بدوري أكتب أيضا فيما لفت انتباهي بعد إعلان النتائج، وخاصة أنها تشكل صفعة قوية للمستعمرين ولأذنابهم وعملائهم، حيث نجح في هذه الانتخابات رجل من عامة الناس ليس له ارتباط سياسي سابق وليس من الطبقة السياسية التي استمرأت العمالة وسخرت نفسها ومقدرات البلاد في خدمة الغرب والحفاظ على مصالحهم.

 

من المؤكد أن فرنسا استشاطت غضبا عندما سمعت خطاب المرشح الجديد باللغة العربية الفصيحة، التي عملت جهدها في فترة الاستعمار الطويلة أن تمسحها وتلغيها من الأذهان، ولكنها سمعت فشلها بفصاحة لسانه الذي كان أحد أسباب نجاحه، وخاصة أنه أعلن عدم تواصله مع أحد من الخارج، وأنه ينبذ الوصاية الأجنبية على البلاد.

 

كما أن الغرب ازداد غضبا بالتأكيد لدى سماعه تصريح سعيد بتجريم التطبيع مع كيان يهود، وهذا مطلب جماهيري يعبر عن إرادة الأمة الإسلامية بكل شعوبها.

 

ومما يغضب الغرب أيضا عدم اعتماد هذا المرشح على أموال سياسية وعزوفه عن المناصب السياسية من ملك وسيادة كما هو حال المتحكمين في السياسة من قبل، مما يجعله أقل عرضة للضغط المادي.

 

من المعلوم أن تونس في موقعها الجغرافي تشكل لوح قفز للمستعمرين الأوروبيين يستطيعون من خلاله الولوج إلى قلب أفريقيا والهيمنة على البحر المتوسط، ومن هنا كان اهتمام أوروبا بشكل عام وفرنسا بشكل خاص واضحا بضرورة الإبقاء على السيطرة السياسية والاقتصادية والهيمنة العسكرية مرتبطا بها، وقد كان الأمر أسهل بالنسبة لهم بغير هذا المرشح الذي اختاره الشعب ببرنامج انتخابي بسيط يعبر فقط عن "إرادة شعب" بعواطف ومشاعر خالصة، إلا أن قلة خبرته السياسية، ستكون بالتأكيد مدخلا لرجال الدولة العميقة العملاء لإفساد مشروعه، ومن المؤكد أن الوسط السياسي الحالي سيدافع عن مصالحه الخاصة وامتيازاته التي يراها الآن ضاعت منه، ويضاف إلى ذلك ضراوة مكر الكفار وشراستهم في التعامل مع الحكام الذين لم ينصبوهم بأنفسهم كما حصل في الجزائر بعد نتائج الانتخابات التي فازت بها الجبهة الإسلامية، أو كما حصل في مصر والانقلاب على المرحوم محمد مرسي، وغيرها من الأمثلة في تاريخ الانقلابات الحديثة في بلاد المسلمين، كل هذا قد يؤدي إلى فترة قصيرة من حكم سعيّد، حيث سيعمل الغرب بالتعاون مع كل الأجهزة الأمنية والوسط السياسي على إفشال مشروع إرادة الشعب هذا، حتى ولو لم يكن معبرا عن إرادة الشعب الحقيقية.

 

ومن هنا أعيد مؤكدا ما يعلمه الجميع عن رأي حزب التحرير في الانتخابات الديمقراطية أنها لا تؤدي إلى النهضة المرجوة ولا إلى التغيير الحقيقي للنظام، لأن تغيير النظام ليس هو تغيير شخص الحاكم بل هو استبدال الدستور والقوانين والأحكام التي تسير المجتمع وتنظمه، وهو حاكمية لا بد من إبرازها في "إرادة الشعب"، وهي الحاكمية لله وليس ديمقراطية الشعب، فلا تغيير في ظل هذا النظام عبر هذه الانتخابات، ما لم تستعد الأمة سلطانها وما لم تُعِد السيادة للشرع.

 

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

م. يوسف سلامة – ألمانيا

آخر تعديل علىالثلاثاء, 15 تشرين الأول/أكتوبر 2019

وسائط

Template Design © Joomla Templates | GavickPro. All rights reserved.