الخميس، 09 شوال 1445هـ| 2024/04/18م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام (ح162) الجهاد فرض, والتدريب على الجندية إجباري, والجيش قسمان: احتياطي, ودائم

بسم الله الرحمن الرحيم

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام

 (ح162)  الجهاد فرض, والتدريب على الجندية إجباري, والجيش قسمان: احتياطي, ودائم

 

 

 

الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ. 

 

أيها المؤمنون:

 

 

السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: "بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ"وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّانِيَةِ وَالسِّتِينَ بَعدَ المِائَةِ, وَعُنوَانُهَا: "الجِهَادُ فَرْضٌ, وَالتَّدْرِيبُ عَلَى الجُندِيَّةِ إِجْبَارِيٌّ, وَالجَيشُ قِسْمَانِ: احْتِيَاطِيٌّ وَدَائِمٌ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ السَّابِعَةِ بَعْدَ الـمِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:

 

المادة 62: الجِهَادُ فَرْضٌ عَلَى الـمُسلِمِينَ، وَالتَّدرِيبُ عَلَى الجُندِيَّةِ إِجبَارِيٌّ، فَكُلُّ رَجُلٍ مُسلِم ٍيَبلُغُ الخَامِسَةَ عَشْرَةَ مِنْ عُمُرِهِ فَرْضٌ عَلَيهِ أَنْ يَتَدَرَّبَ عَلَى الجُندِيَّةِ استِعْدَادًا لِلجِهَادِ. وَأَمَّا التَّجنِيدُ فَهُوَ فَرْضٌ عَلَى الكِفَايَةِ.

 

المادة 63: الجَيشُ قِسْمَانِ: قِسْمٌ احتِيَاطِيٌّ، وَهُمْ جَمِيعُ القَادِرِينَ عَلَى حَمْلِ السِّلَاحِ مِنَ الـمُسلِمِينَ. وَقِسْمٌ دَائِمٌ فِي الجُندِيَّةِ، تُخَصَّصُ لَـهُمْ رَوَاتِبُ فِي مِيزَانِيَّةِ الدَّولَةِ كَالـمُوَظَّفِينَ.

 

وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ, يَا أُمَّةَ القُرآنْ, يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ, يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ, يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبًّا, وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيًّا وَرَسُولًا, وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجًا وَدُستُورًا, وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَامًا لِلْحَياَة,ِ أَيُّهَا الـمُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ, فَوقَ كُلِّ أَرضٍ, وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ, يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ, أَيُّهَا الـمُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ, وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا, وَهَاتَانِ هُمَا الـمَادَّتَانِ الثَّانِيَةُ وَالسِّتُونَ, وَالثَّالِثَةُ وَالسِّتُونَ.وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَاتَينِ الـمَادَّتَينِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:

 

أولًا: المادة الثانية والستون: دَلِيلُهَا الكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، قَالَ تَعَالَى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكونَ فِتنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ). (البَقَرَةُ 193)  وَقَالَ تَعَالَى: (فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الكُفْرِ). (التوبة 12) وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: «جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ». (أَخرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ, وَاللَّفْظُ لِلنَّسَائِيِّ، وَصَحَّحَهُ النَّسَائِيُّ وَالحَاكِمُ وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيًّ). وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ النَّبِيَّ r قَالَ: «ذُرْوَةُ سَنَامِ الإِسْلاَمِ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ». (أَخرَجَهُ أَحْمَدُ). وَلَـمَّا كَانَ القِتَالُ اليَومَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ تَدرِيبٍ عَسْكَرِيٍّ حَتَّى يَتَأَتَّى القِيَامُ بِهِ عَلَى الوَجْهِ الـمَطلُوبِ شَرْعًا مِنْ قَهْرِ العَدُوِّ, وَفَتْحِ البُلدَانِ، كَانَ هَذَا التَّدْرِيبُ فَرْضًا كَالجِهَادِ، عَمَلًا بِالقَاعِدَةِ الشَّرعِيَّةِ: (مَا لَا يَتِمُّ الوَاجِبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ)؛ لِأَنَّ طَلَبَ القِتَالِ يَشْمَلُهَا، إِذْ هُوَ عَامٌّ (وَقَاتِلُوهُمْ) فَهُوَ أَمْرٌ بِالقِتَالِ، وَأَمْرٌ بِمَا يُمَكِّنُ مِنَ القِتَالِ، وَفَـوقَ ذَلِكَ فَإِنَّ اللهَ تَعَـالَى يَـقُـولُ: (وَأَعِدُّوا لَـهُمْ مَا استَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ). ( الأنفال 60) وَالتَّدْرِيبُ وَالخِبْرَةُ العَسكَرِيَّةُ العَالِيَةُ هِيَ مِنَ الإِعـدَادِ لِلـقُـوَّةِ؛ لِأَنَّـهَا لَا بُدَّ مِنْ تَوَفُّرِهَا لِلتَّمَكُّن ِمِنَ القِتَالِ، فَهِيَ مِنَ القُـوَّة ِالَّتِي تُعَدُّ كَالعَتَادِ وَالـمُهِمَّاتِ وَنَحْوِهَا. وَأَمَّا التَّجنِيدُ، وَهُوَ جَعْلُ النَّاسِ جُـنُـودًا فِي الجَيشِ تَحْـتَ السِّلَاحِ بِشَكْلٍ دَائِمٍ، فَإِنَّهُ يَعنِي إِيجَادَ مُجَاهِدِينَ قَائِمِينَ فِعْلًا بِالجِهَادِ, وَبِمَا يَتَطَلَّبُهُ الجِهَادُ، وَهَذَا فَـرضٌ؛ لِأَنَّ القِيَامَ بِالجِهَادِ فَرْضٌ دَائِمٌ مُستَمِرٌّ، سَوَاءٌ أَهَاجَمَنَا العَدُوُّ أَمْ لَـمْ يُهَاجمْنَا، وَمِنْ هُنَا كَانَ التَّجنِيدُ فَرضًا عَلَى الكِفَايَةِ. وَأَمَّا أَنَّ الجِهَادَ فَرْضٌ عَلَى الـمُسلِمِينَ وَلَيسَ فَرْضًا عَلَى غَيرِهِمْ مِنْ رَعَايَا الدَّولَةِ، فَلِأَنَّ القِتَالَ الـمَفرُوضَ فِي آَيَاتِ الجِهَادِ هُوَ قِتَالٌ لِجِنْسِ الكُفَّارِ، وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى مِنَ الكَافِرِ، وَعَلَيهِ فَلَا يَكُونُ الجِهَادُ بِهَذَا الـمَعْنَى فَرضًا عَلَى غَيرِ الـمُسلِمِينَ، إِلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ لِرَعَايَا الدَّولَةِ مِنْ غَيرِ الـمُسلِمِينَ أَنْ يُقَاتِلُوا العَدُوَّ مَعَ الـمُسلِمِينَ، لِأَنَّ قَزْمَانَ وَهُوَ مُشْرِكٌ خَرَجَ يُقَاتِلُ الـمُشْرِكِينَ مَعَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ r يَومَ أُحُدَ، وَلَـمْ يَـمْنَعُهُ رَسُولُ اللهِ r. وَأَمَّا كَونُهَ فَرْضًا عَلَى الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ فَلِمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَه مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ عَلَى النِّسَاءِ مِنْ جِهَادٍ قَالَ: «نَعَمْ عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لاَ قِتَالَ فِيهِ: الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ». أَمَّا تَحدِيدُ العُمُرِ بِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَلِلحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ نَافِعٍ قَالَ: «حَدَّثَنِي ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r عَرَضَهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْنِي، ثُمَّ عَرَضَنِي يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَنِي». قَالَ نَافِعٌ: (فَقَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبدِ العَزِيزِ وَهُـوَ خَلِيفَةٌ، فَحَـدَّثْتُهُ هَـذَا الحَـدِيـثَ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا لَـحَدٌّ بَينَ الصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ، وَكَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ أَنْ يَفرِضُوا لِـمَنْ بَلَغَ خَمْسَ عَشْرَةَ). أَيْ يُقَدِّرُوا لَـهُمْ رِزْقًا فِي دِيوَان الجُندِ.

 

ثانيًا المادة الثالثة والستون: دَلِيلُهَا هُوَ دَلِيلُ فَرْضِيَّةِ الجِهَادِ، فَإِنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ فَرْضٌ عَلَيهِ الجِهَادُ, وَفَرْضٌ عَلَيهِ أَنْ يَتَدَرَّبَ لَهُ؛ وَلِذَلِكَ يَكُونُ جَمِيعُ الـمُسلِمِينَ جَيشًا احتِيَاطِيًا لِأَنَّ الجِهَادَ فَرْضٌ عَلَيهِمْ. وَأَمَّا جَعْلُ قِسْمٍ مِنهُمْ دَائِمًا فِي الجُندِيَّةِ فَإِنَّ دَلِيلَهُ هُوَ قَاعِدَةُ: (مَا لَا يَتِمُّ الوَاجِبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ، فِي هَذِهِ الأَيَّامِ وَفْقَ الوَاقِعِ القِتَالِيِّ، القِيَامُ بِفَرْضِ الجِهَادِ دَائِمًا، وَبِحِمَايَةِ بَيضَةِ الإِسلَامِ وَذِمَارِ الـمُسلِمِينَ مِنَ الكُفَّارِ، إِلَّا بِوُجُودِ جَيشٍ دَائِمٍ؛ وَمِنْ هُنَا كَانَ فَرْضًا عَلَى الإِمَامِ أَنْ يُوجِدَ جَيشًا دَائِمًا.وَأَمَّا أَنْ تُخَصَّصَ لِهَؤُلَاءِ الجُنُودِ رَوَاتِبُ كَالـمُوَظَّفِينَ، فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ لِغَيرِ الـمُسلِمِينَ مِنهُمْ أَمْرٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الكَافِرَ فِي الدَّولَةِ الإِسلَامِيَّةِ لَا يُطَالَبُ بِالقِتَالِ مَعَ الـمُسلِمِينَ ضِدَّ الكُفَّارِ، وَلَكِنْ إِنْ قَامَ بِهِ يُقبَلُ مِنهُ وَحِينَئِذٍ يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى مَالًا، لِـمَا رَوَى الزُّهْرِيُّ: «أَنَّ النَّبِيَّ r أَسْهَمَ لِقَوْمٍ مِنْ الْيَهُودِ قَاتَلُوا مَعَهُ» أَخْرَجَهُ التِّرمِذِيُّ وَهُوَ مِنْ مَرَاسِيلِ الزُّهْرِيِّ، وَاحْتَجَّ بِهِ ابنُ قُدَامَةَ فِي الـمُغْنِي. وَمَا رُوِيَ «أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ r يَوْمَ حُنَيْنٍ وَهُوَ عَلَى شِرْكِهِ، فَأَسْهَمَ لَهُ، وَأَعْطَاهُ مِنَ الغَنَائِمِ مَعَ الـمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ» ذَكَرَهُ ابنُ قُدَامَةَ فِي الـمُغنِي، وَابْنُ هِشَامٍ فِي السِّيرةِ.

 

وَقَدْ أَخْرَجَ البُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيرَةَ t أَنَّ رَسُولَ اللهِ r قَالَ: «يَا بِلَالُ قُمْ فَأَذِّنْ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مُؤْمِنٌ وَإِنَّ اللَّهَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ». وَذَكَرَ ابْنُ إِسحَقَ فِي السِّيرَةِ أَنَّ قُزْمَانَ خَرَجَ مَعَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ r يَوْمَ أُحُدٍ وَهُوَ مُشْرِكٌ، فَقَتَلَ ثَمَانِيَةً أَوْ سَبْعَةً مِنَ الْمُشْرِكِينَ، حَتَّى قَالَ r: «إِنَّ اللَّهَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الفَاجِرِ»، وَقَدْ ذَكَرَهُ الشَّوكَانِيُّ فِي الدَّرَارِي الـمُضِيَّةِ وَنَيلِ الأَوطَارِ، وَقَالَ ثَبَتَ ذَلِكَ عِندَ أَهْلِ السِّيَرِ.

 

فَهَذِهِ الأَدِلَّةُ تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ أَنْ يَكُونَ الكَافِرُ مَعَ الجَيشِ الإِسلَامِيِّ، وَأَنْ يُعطَى لَهُ مَالٌ لِوُجُودِهِ فِي الجَيشِ. وَأَيضًا فَإِنَّ تَعرِيفَ الإِجَارَةِ بِأَنَّهَا:"عَقْدٌ عَلَى الـمَنفَعَةِ بِعِوَضٍ", يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الإِجَارَةَ جَائِزَةٌ عَلَى كُلِّ مَنفَعَةٍ يُمكِنُ لِلمُسْتَأْجرِ اسْتِيفَاؤُهَا مِنَ الأَجيرِ، فَيَدخُلُ فِيهَا استِئجَارُ الشَّخْصِ لِلجُندِيَّةِ، وَلِلقِتَالِ، لِأَنَّهَا مَنفَعَةٌ. فَيَكُونُ عُمُومُ دَلِيلِ الإِجَارَةِ عَلَى أَيِّ مَنْفَعَةٍ مِنَ الـمَنَافِعِ دَلِيلًا عَلَى جَوَازِ استِئْجَارِ الكَافِرِ لِلجُندِيَّةِ وَلِلقِتَالِ، وَلَكِنْ تَحْتَ رَايَةِ الـمُسلِمِينَ, وَلَيسَ تَحْتَ رَايَةِ الكُفْرِ، كَمَا يُبَيِّنُ ذَلِكَ وَاقِعُ الأَدِلَّةِ الـمَذكُورَةِ، فَالكُفَّارُ الَّذِينَ قَاتَلُوا مَعَ الـمُسلِمِينَ قَاتَلُوا مَعَهُمْ تَحْتَ رَايَةِ الـمُسلِمِينَ وَلَيسَ تَحْتَ رَايَةِ الكُفْرِ، أَيْ قَاتَلُوا وَهُمْ جُنُودٌ فِي جَيشِ الـمُسلِمِينَ؛ وَعَلَيهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ أَنْ يُقَاتِلُوا فِي جَيشِ الـمُسلِمِينَ بِأُجْرَةٍ، وَذَلِكَ إِذَا رَأَى الخَلِيفَةُ أَنَّ قِتَالَـهُمْ وَهُمْ جُنُودٌ فِي جَيشِ الـمُسلِمِينَ فِيهِ نَفْعٌ لِلمُسلِمِينَ, وَلَيسَ فِيهِ ضَرَرٌ، وَعِندَئِذٍ يَجُوزُ أَنْ يُقبَلُوا فِي جَيشِ الـمُسلِمِينَ وَيُعطَى لَـهُمْ أَجْرٌ، أَيْ يُبَاحُ لَـهُمْ ذَلِكَ. وَلَكِنْ إِذَا كَانَ فِي دُخُولِـهِمُ الجَيشَ الإِسلَامِيَّ ضَرَرٌ، فَإِنَّ هَذَا الفَردَ مِنْ أَفرَادِ الـمُبَاحِ يُمنَعُ لِلضَّرَرِ وَفْقَ قَاعِدَةِ الضَّرَرِ بِشِقَّيهَا الـمَذكُورَينِ فِي الأُصَولِ.

 

هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِغَيرِ الـمُسلِمِ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلمُسلِمِ؛ فَلِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ الجِهَادُ عِبَادَةً، فَإِنَّهُ يَجُوزُ استِئْجَارُ الـمُسلِمِ لِلجُنْدِيَّةِ وَالقِتَالِ؛ لِدَلِيلِ الإِجَارَةِ العَامِّ، وَلِأَنَّ الإِجَارَةَ عَلَى القِيَامِ بِالعِبَادَةِ إِنْ كَانَتْ مِمَّا يَتَعَدَّى نَفْعُهُ فَاعِلَهُ فَهِيَ جَائِزَةٌ، لِقَولِهِ r: «إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ», (أَخْرَجَهُ البُخَارِيًّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ) وَتَعلِيمُ كِتَابِ اللهِ عِبَادَةٌ، فَكَمَا يَجُوزُ استِئْجَارُ الـمُسلِمِ لِتَعْلِيمِ القُرآنِ، وَلِلإِمَامَةِ، وَالأَذَانِ، وَهِيَ عِبَادَاتٌ، كَذَلِكَ يـَجُوزُ استِئْجَارُهُ لِلجهَادِ، وَلِلجُندِيَّةِ.

 

عَلَى أَنَّ جَوَازَ استِئجَارِ الـمُسلِمِينَ لِلجِهَادِ، حَتَّى لِـمَنْ يَتَعَيَّنُ عَلَيهِ، قَدْ وَرَدَ دَلِيلُهُ فِي الحَدِيثِ صَرَاحَةً، فَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ r قَالَ: «لِلْغَازِي أَجْرُهُ وَلِلْجَاعِلِ أَجْرُهُ وَأَجْرُ الْغَازِي» وَالغَازِي هُوَ الَّذِي يَغْزُو بِنَفْسِهِ، وَالجَاعِلُ هُوَ الَّذِي يَغزُو عَنهُ غيرُهُ بِأَجْرٍ، قَالَ فِي القَامُوسِ الـمُحِيطِ: "والجِعَالَةُ مُثَلَّثَةٌ، مَا جَعَلَهُ لَهُ عَلَى عَمَلِهِ، وَتَجَاعَلُوا الشَّيءَ جَعَلُوهُ بَينَهُمْ، وَمَا تَجعَلُ لِلغَازِي إِذَا غَزَا عَنكَ بِـجُعْلٍ". فَالحَدِيثُ يُبَيِّنُ جَوَازَ أَنْ يَدْفَعَ الرَّجُلُ (أُجْرَةً) لِآخَرَ لِيَغْزُوَ عَنهُ، أَيْ أَنْ يُسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ لِلغَزْوِ. وَرَوَى البَيهَقِيُّ عَنْ جُبَيرِ بْنِ نُفَيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: «مَثَلُ الَّذِينَ يَغْزُونَ مِنْ أُمَّتِي، وَيَأْخُذُونَ الـجُـعَـلَ، وَيَتَقَوَّوْنَ عَلَى عَدُوِّهِمْ، مَثَلُ أُمِّ مُوسَى، تُرْضِعُ وَلَدَهَا، وَتَأْخُذُ أَجْرَهَا» وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وَالأَجْرُ هُنَا مَعْنَاهُ الأُجْرَةُ. وَمِنْ هُنَا يُجعَلُ لِلجُنُودِ رَوَاتِبُ كَالـمُوَظَّفِينَ.

 

أيها المؤمنون:

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.

آخر تعديل علىالأربعاء, 20 آذار/مارس 2019

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع