السبت، 11 شوال 1445هـ| 2024/04/20م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

الفاتح محمد بن القاسم الثقفي دروس وعبر

 

في عام 711م أبحر تجار مسلمون عبر المحيط الهندي من سيلان قرب ساحل السند، لكن سفينتهم نُهِبت وأُخِذوا أسرى، فوصلت أنباء ذلك إلى عاصمة دولة الخلافة، حيث كان الخليفة هو الوليد بن عبد الملك آنذاك، فأرسل رسالة إلى الحجّاج بن يوسف (والي العراق) يأمره فيها بأن يطلب من حاكم السند الاعتذار عن تلك الفعلة، وأن يقوم - الحجَّاج - بتحرير المسلمين المأسورين. فأرسل الحجّاج جيشاً بقيادة شابّ من ألمع أبناء الأمة، يحتل اسمه مكانة مرموقة في قلوب المسلمين، بخاصّة في شبه القارة الهندية، حمل على عاتقه مسؤولية قيادة جيش دولة الخلافة الإسلامية إلى أرض أجنبية، إنه محمد بن القاسم الثقفي (فاتح بلاد السند).

 

هكذا كان رد الحاكم المسلم الذي يزن الأمور بموازينها، ولا يقلل من عِظم الحدث (اعتداء مارقين على حرمة المسلمين)، لم يلجأ الخليفة إلى الروم أو ملكة بريطانيا للاحتجاج على ما اقترفته الأيدي الآثمة بحق المسلمين... فشتان بين موقف الخليفة الوليد وردة فعله الواجبة وبين ردود فعل حكام باكستان عندما يتم التعرض لحرمات المسلمين في باكستان وغير باكستان على أيدي المحتلين الجدد الأمريكان والعدو اللدود الدولة الهندوسية؛ حيث يلجأ حكامنا الرويبضات إلى مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي وأمريكا، التي هي في الحقيقة هيئات عالمية مارقة تغذي كل اعتداء على الإسلام والمسلمين، في مشهد يؤكد عمالة هؤلاء الحكام وليس سذاجتهم، فهذه الهيئات قد أثبتت ألف مرة أنها هيئات لا تكِنّ إلا الضغينة للإسلام والمسلمين، وتتربص بالمسلمين وتكيد لهم صباح مساء، وهي جميعا ملة واحدة لا فرق بين الاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن وأمريكا وروسيا... ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الاَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ﴾.

 

 إن القائد العسكري أو السياسي الحقيقي، صاحب العقيدة الإسلامية الربانية، لا يقبل التفاوض والحلول الوسط على حقوق المسلمين، فعندما وصل جيش دولة الخلافة ديبال (قرب كراتشي)، سلّم محمد بن القاسم مطالبه إلى حاكمها (راجا)، الذي بدوره رفضها، وبالتالي قاتلهم المسلمون حتى هزموهم وفتحوا ديبال. ولم يكتف القائد الفذّ بذلك، بل أَتْبع محمد بن القاسم نجاحه الأول بفتوحات أخرى، حيث إن واجب المسلمين يقضي بأن يجعلوا كلمة الله عزّ وجلّ هي العليا، وبدافع من العقيدة الإسلامية واصل الجيش الإسلامي تقدمه حتى بلغ (ملتان)، وفي خلال ثلاث سنوات، أي بحلول عام 714م، أُدخِلت السند بأسرها وجنوب البنجاب في ظلّ حكم الخلافة الإسلامية. لم يكن هذا الفتح اعتداء على الغير، يستنكره المجتمع الدولي أو أي منصف كريم، فبفتح الجزء الشمالي الغربي من شبه القارة الهندية نَقل الجيشُ الإسلامي عبّادَ الأصنام من الظلام إلى نور الإسلام، وطلب محمد بن القاسم من موظفي الخلافة الإداريين رعايةَ شؤون الناس بأمانة الإسلام وعدله، فيأخذوا الأموال بحقها من زكاة وجزية... دون إرهاق، ويضعوها مواضعها في سد حاجة الفقراء وتوفير العيش الكريم للرعية. وفي الوقت الحالي، فإن عودة هيمنة الإسلام على شبه القارة الهندية لن يكون ظلما لهم وتجبرا، بل إخراج لهم من ظلمات الرأسمالية الجشعة التي أفقرتهم وأذلتهم، إلى نور الإسلام وعدله، حيث يتمكن كل الناس من الانتفاع بثرواتهم وانتزاعها من حفنة الفاسدين الرأسماليين من حكام وإقطاعيين.

 

إن هذا الحال الذي نعمل لإيجاده على أرض الواقع في ظل الخلافة القادمة قريبا بإذن الله، كان مثله في زمن دولة المغول التي كانت تحكم بالإسلام، على الرغم من بُعد دولة المغول عن مركز الخلافة العباسية في بغداد، وكان بابور الذي جاء من آسيا الوسطى إلى دلهي عام 1526م أول حكام المغول، وتولى ابنه هُمايون السلطة بعد وفاته (1530-1536م)، وبحسب وثيقة متوفرة في المكتبة الحكومية في (بوبال) فإن بابور قد ترك الوصية التالية لهُمايون، التي تبيّن بأنه رغم نقائصه فقد اهتمّ بتطبيق الإسلام بطريقة عادلة، وفيها:

 

"انتبه بنيّ، أوصيك بما يلي: يجب أن تقيم العدل، وأن تلاحظ الحساسيات الدينية وشعائر الناس، حتى الأبقار التي يعبدها بعض الرعية، لا تذبحها باستفزاز وتحدٍّ، بل إن ذبحتها ففي أماكن خاصة، فهذا يقربك من رعيتك حتى أهل الذمة منهم. لا تهدم أو تتلف أماكن عبادة أي مُعتقِد، وأقم كامل العدل حتى تضمن السلام في البلاد. يمكن أن يبلّغ الإسلام بطريقة أفضل من خلال سيف الحبّ والمودّة بدلاً من سيف الظلم والاضطهاد. تجنب الاختلافات بين الشيعة والسنة. انظر إلى الصفات المختلفة لشعبك تماماً كأنها صفات فصول السنة".

 

لقد كان سقوط هذه البلاد نتيجة للمؤامرات الخبيثة المستمرة من قبل المستعمرين، وبسبب ابتعاد شبه القارة عن مركز الخلافة وقتها في إسطنبول، بالإضافة إلى الضعف الذي كان قد بدأ يزحف نحو المسلمين عامة... بعدها رأى الكفار الفرصة سانحة لهم في السيطرة على شبه القارة الهندية، فقام البريطانيون بغزو شبه القارة الهندية عام 1757م، حيث ووجهوا بمقاومة شديدة من المسلمين، واستمرت الحرب يتناوب الفوزَ فيها السلطةُ الإسلامية في شبه القارة الهندية، وبريطانيا المعتدية بمساعدة بعض قوات الكفر من الهندوس والسيخ والبوذيين... وآخرين. ولم تستطع بريطانيا تحقيق السيطرة عليها والاستقرار لهيمنتها إلاّ بعد 27 سنة من الحروب الشرسة مع المسلمين، أي بعد عام 1846م. ولم ينقطع الاستعمار عن احتلال هذه البلاد منذ ذلك الحين، من خلال الاستعمار المباشر العسكري تارة، ومن خلال حكومات وقادة عسكريين عملاء له تارة أخرى، يحققون له ما لا يمكنه تحقيقه من الاحتلال العسكري المباشر. وهكذا عادت الجاهلية إلى هذه البلاد، من خلال الحكم بغير ما أنزل الله، والحكم بالشرعية الدولية والقانون البريطاني والأمريكي التي ورثتها فيما بعد.

 

وشتان بين سلوك أهل هذه البلاد من المسلمين حين كان السلطان سلطانهم، وبين سلوك حكامنا هذه الأيام، فأثناء فترة الغزو البريطاني، وضعف سلطة ولاية المغول على أجزاء متعددة من الهند، بدأ بعض الحكام يطلبون الدعم والشرعية من الخليفة في إسطنبول، وليس من الاتحاد الأوروبي أو الأمم المتحدة، كما يفعل حكامنا هذه الأيام في كل مرة يتم فيها الاعتداء علينا. فمثلاً، بعثت ملكة كانور رسالة دبلوماسية إلى السلطان عبد الحميد الأول عام 1779م "توسلت فيها من الخليفة أن يحميها من عدوان شركة شرق الهند الإنجليزية". كما طلب تبّو سلطان (حاكم ميسور) من الخليفة الاعتراف بحكمه، ولم تكن دولة الخلافة في مركز قوة آنذاك تستطيع معه إرسال الجيوش إلى شبه القارة الهندية، لكن الخليفة أرسل رسالة يعترف فيها بتبّو حاكماً لميسور، ولم يرسل أوراق اعتماده إلى حاكم كافر مثل الرئيس الأمريكي ترامب، الذي يتربص بنا الدوائر! فصدق فينا وصف الشاعر:

 

إني تذكرت والذكرى مؤرقة *** مجداً تليداً بأيدينا أضعناه

أنّى اتجهت إلى الإسلام في بلد *** تجده كالطير مقصوصاً جناحاه

 كم صرّفتنا يدٌ كنا نُصرّفها *** وبات يحكمنا شعب ملكناه

 ورحب الناس بالإسلام حين رأوا *** أن الإخاء وأن العدل مغزاه

 يا من رأى عمر تكسوه بردته *** والزيت أدم له والكوخ مأواه

يهتز كسرى على كرسيه فرقاً *** من بأسه وملوك الروم تخشاه

استرشد الغرب بالماضي فأرشده *** ونحن كان لنا ماض نسيناه

إنّا مشينا وراء الغرب نقتبس *** من ضيائه فأصابتنا شظاياه

 

إن الخير والنور والعدل الذي وصل على رأس جيش المسلمين بقيادة الفاتح محمد بن القاسم، يمكن استعادته بما لا يقل عمّا كان، وذلك بأن يقف قائد عسكري من بين القادة العسكريين المخلصين في الجيش الباكستاني موقف عز وإباء، فيزيل آثار الاستعمار بالإطاحة بوكلائه من الحكم وتنصيب الحاكم الذي يكون مثل الخليفة عبد الملك بن مروان، بل مثل الخليفة عمر الفاروق، فتُقام دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة التي بشّر بها رسول الله. هكذا نستعيد المجد الذي أضعناه، الذي لا يزال حكامنا يحولون دون استرجاعه، وبغير ذلك لن تقوم لنا قائمة. فهل عقمت نساؤنا عن ولادة مثل ذلك القائد المنشود، أم أنهم كُثر ولكنهم بحاجة إلى من يعلق الجرس؟! إننا على ثقة أن أحفاد محمد بن القاسم كثيرون في هذا البلد، وأن المسألة مسألة وقت، والأمر بين هؤلاء سباق إلى الخير، فمن منهم يسبق يكون له السبق في الجنة والعز في هذه الدنيا.

 

﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

بلال المهاجرباكستان

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع