Logo
طباعة
  •   الموافق  
  • 1 تعليق

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الإجماع المعتبر عند حزب التحرير

 

والرد على اتهامات المشاغبين

 

يُشغّب البعض ممن يتلبسون بثوب أهل العلم وخاصة من إخوتنا في التيار السلفي على حزب التحرير في مسألة الإجماع حيث يعيبون على الحزب أنه يعتبر الإجماع الحجة هو إجماع الصحابة فقط، ويصفون رأي الحزب في هذه المسألة بالشاذ دون إمعان نظر في قول حزب التحرير المسطر في كتبه، بل يتهكمون على حزب التحرير أنه فارق أهل السنة والجماعة في رأيه هذا! ويعدون رأيه نقيصة فيه ليسوغوا لأنفسهم القعود عن العمل معه لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة ويقعدون المسلمين عن العمل مع حزب يحمل مشروعا متكاملا لنهضة أمة وبناء دولة! فساء ما يفعلون، ولا يخرج فعلهم في الصد عن حزب التحرير ودعوته إلا عن تعصبٍ أعمى أو جهلٍ مضل أو ولاء لحكامٍ رويبضات، ولو أنهم قابلوا الدليل بالدليل والحجة بالحجة بدل الكلام العام والسخرية والاتهام، لكان ذلك أزكى لهم وأقوم، والله المستعان.

 

أنقل إليكم من كتاب الشخصية الإسلامية الجزء الثالث وهو من الكتب المتبناة عند حزب التحرير، حيث جاء فيه في موضوع الإجماع - بتصرف غير مخل - ما يلي: (الإجماع في اصطلاح الأصوليين هو الاتفاق على حكم واقعة من الوقائع بأنه حكم شرعي، ولكن اختُلِف فيمن يكون إجماعهم دليلاً شرعياً، فقد قال قوم: إن إجماع الأمّة دليل شرعي، وبناء على ذلك عرفوه بأنه عبارة عن اتفاق أمّة محمد خاصة على أمر من الأمور الدينية، وقال قوم: إن إجماع أهل الحل والعقد دليل شرعي، وبناء على ذلك قالوا: إن الإجماع عبارة عن اتفاق أهل الحل والعقد من أمّة محمد في عصر من الأعصار على حكم واقعة من الوقائع، وقال قوم: إن إجماع المجتهدين دليل شرعي، وقالوا: إن الإجماع عبارة عن اتفاق المجتهدين في عصر من العصور على أمر ديني اجتهادي، وقال قوم: إن إجماع أهل المدينة دليل شرعي، وقال قوم: إن إجماع العترة - أي عترة الرسول - دليل شرعي، وقال قوم: إجماع الخلفاء الراشدين دليل شرعي، وقال قوم: إجماع الصحابة دليل شرعي وهذا هو الحق، فالإجماع الذي يعتبر دليلاً شرعياً إنّما هو إجماع الصحابة ليس غير، وأمّا إجماع غيرهم فلا يكون دليلاً شرعياً. والدليل على أن إجماع الصحابة هو الإجماع الذي يعتبر دليلاً شرعياً عدة أمور:

 

أحدها: أنه ورد الثناء عليهم في القرآن والحديث. أمّا القرآن فقد قال الله تعالى: ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ﴾، وقال تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾، وقال تعالى: ﴿لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾، وأمّا الحديث فعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله ﷺ: «يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقولون: فيكم مَن صاحَب رسول الله ﷺ؟ فيقولون: نعم، فيُفتح لهم، ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقال: هل فيكم مَن صاحبَ أصحاب رسول الله ﷺ؟ فيقولون: نعم، فيُفتح لهم، ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقال: هل فيكم مَن صاحَب مَن صاحَب أصحاب رسول الله ﷺ؟ فيقولون: نعم، فيُفتح لهم»، ففي هذا الحديث ظاهر الثناء على أصحاب رسول الله، فقد جُعل الفتح لهم ولمن صاحَبهم ولمن صاحَب من صاحَبهم إكراماً لهم، ويقول الرسول ﷺ: «إن الله اختار أصحابي على العالمين سوى النبيين»، ويقول ﷺ: «الله الله في أصحابي»، وقال ﷺ: «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم». فدل هذا الثناء من الله تعالى ومن الرسول ﷺ على اعتبار أقوالهم، ودل على أن صدقهم أمر مقطوع به، وأنه وإن كان مجرد الثناء وحده ليس دليلاً على أن إجماعهم دليل شرعي، ولكن دليلٌ على أن صدقهم أمر مقطوع به فيكون اعتبار أقوالهم أمراً مقطوعاً به، فإذا أجمعوا على أمر كان إجماعهم إجماعاً مقطوعاً بصدقه وليس مَن بعدهم كذلك.

 

ولا يقال إن الله قد أثنى على التابعين فتكون أقوالهم أيضاً مقطوعاً بصدقها. لا يقال ذلك لأن الثناء على التابعين لم يرد ثناءً مطلقاً عليهم جميعاً كما ورد بالنسبة للصحابة وإنما ورد في حق من اتبع الصحابة بإحسان، فقيّد التابعين بإحسان لا مطلق التابعين، ولذلك لا يجعل أقوال جميع التابعين مقطوعاً بصدقها وإنما يجعل فقط أقوال التابعين بإحسان، ولهذا فإنهم إذا أجمعوا على أمر لا يجعل إجماعهم مقطوعاً بصدقه.

 

وقد يقال إن الله تعالى أثنى على أفراد معينين من الصحابة فأثنى على الخلفاء الراشدين، وأثنى على أبي بكر وعمر، وأثنى على كثير من الصحابة بمفرده مثل أبي بكر وعمر وعلي وعائشة وفاطمة والزبير وسعد بن أبي وقاص وأثنى على الأنصار وأثنى على الأمة الإسلامية فلم يختص الثناء بالصحابة، فلماذا كان إجماعهم مقطوعاً بصدقه وغيرهم غير مقطوع بصدقه؟ والجواب على ذلك أن الثناء على أفراد معينين من الصحابة ورد بالدليل الظني ولم يرد بالدليل القطعي، وحتى يكون قول من أثنى عليه الله مقطوعاً بصدقه لا بد أن يَرِد بالدليل القطعي، فالثناء على الأمة الإسلامية والثناء على أفراد من الصحابة ورد بأحاديث آحاد ولم يَرِد بالمتواتر، فلم يَرِد في القرآن ولا في الحديث المتواتر، ولذلك لا يُجعل هذا الثناء والوارد في خبر الآحاد قول من أثنى عليه مقطوعاً بصدقه، بخلاف الصحابة بوصفهم صحابة فقد ورد الثناء عليهم بالقرآن وهو دليل قطعي، ولذلك كان إجماع الصحابة مقطوعاً بصدقه.

 

وقد يقال إن الثناء قد ورد على آل البيت بالدليل القطعي إذ ورد بالقرآن قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ وهذا ثناء على أهل البيت فتكون أقوالهم مقطوعاً بصدقها وبذلك يكون إجماعهم مقطوعاً بصدقه. والجواب على ذلك أن الآية قطعية الثبوت ولكنها ليست قطعية الدلالة، فهناك من يقول إن آل البيت هم علي وفاطمة وإبناهما رضوان الله عليهم لأنه لما نزلت هذه الآية لفّ عليه الصلاة والسلام عليهم كساءه وقال: «هؤلاء أهل بيتي». وهناك من يقول إن أهل البيت هم هؤلاء مع أزواج النبي ﷺ فإن ما قبل الآية وما بعدها يدل عليه، أمّا ما قبلها فقوله تعالى: ﴿يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ﴾، إلى قوله: ﴿وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾، وأمّا ما بعدها فقوله تعالى: ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ﴾ الآية، وعلى ذلك تكون الآية ظنية الدلالة وليست قطعية الدلالة، فلا تكون دليلاً على أن إجماع أهل البيت على كلا التفسيرين مقطوعاً بصدقه، إذ لو فسرت كلمة أهل البيت بمعناها اللغوي فحسب ولم يَرِد دليل شرعي على أن الشرع قد وضع لها معنى غير المعنى اللغوي فإنه حينئذ تكون قطعية الدلالة ويكون إجماع أهل البيت الذين تصدق عليهم الكلمة لغة وهم أزواجه وأولاده وأولادهم فإنه حينئذ تكون قطعية الدلالة، ولكن ما دام قد اختُلف في تفسيرها ورُوي دليل شرعي على أن لكلمة (أهل) معنى شرعياً فإن الآية تصبح ظنية الدلالة فلا تكون دليلاً قطعياً. ومن هذا كله يتبين أن الصحابة وحدهم هم الذين ورد الثناء عليهم بالدليل القطعي فيكون إجماعهم فقط هو المقطوع بصدقه.

 

ثانياً: أن الصحابة هم الذين جمعوا القرآن وهم الذي حفظوه وهم الذين نقلوه إلينا، والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾، فهذا الذي نقلوه هو عينه الذي حفظه الله، فالآية تدل على صدق إجماعهم في نقل القرآن، لأن الله وعد بحفظه وهؤلاء هم الذين جمعوه وحفظوه ونقلوه كما أنزل فيكون ذلك دليلاً على صدق إجماعهم، فإنّ حفظ القرآن في الآية تعني صيانته من الضياع، والصحابة هم الذين صانوا القرآن من الضياع بعد وفاة الرسول ﷺ، فقد حفظوه وجمعوه ونقلوه لنا بالطريقة القطعية، فيكونون هم الذين قاموا بما وعد الله من حفظ القرآن، وحفظه وجمعه ونقله إنما كان بإجماعهم فتكون الآية دليلاً على صدق إجماعهم.

 

ثالثاً: أنه لا يستحيل على الصحابة عقلاً أن يجمعوا على خطأ، لأنهم ليسوا معصومين، فالخطأ جائز عليهم أفراداً وجائز عليهم مجتمعين، فإجماعهم على خطأ غير مستحيل عقلاً، ولكن يستحيل عليهم شرعاً أن يجمعوا على خطأ، لأنه لو جاز الخطأ على إجماعهم لجاز الخطأ على الدين لأنهم هم الذين نقلوا إلينا هذا الدين بإجماعهم على أن هذا الدين هو الذي جاء به محمد ﷺ وعنهم أخذنا ديننا، ولو جاز الخطأ على إجماعهم لجاز الخطأ على القرآن، لأنهم هم الذين نقلوا لنا هذا القرآن بإجماعهم على أن هذا القرآن هو عينه الذي نزل على محمد ﷺ، وعنهم أخذنا القرآن. وبما أن الخطأ على الدين مستحيل إذ قام الدليل القطعي على صحته، وبما أن الخطأ على القرآن مستحيل فقد قام الدليل القطعي على أنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، قال تعالى: ﴿لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ﴾، فيكون إجماع الصحابة يستحيل عليه الخطأ شرعاً. وهذا دليل قطعي على أن إجماعهم دليل شرعي.

 

وأيضاً فإن إجماعهم على أن هذا الدين هو الذي جاء به محمد ﷺ، وإجماعهم على أن هذا القرآن هو عينه الذي نزل به الوحي من عند الله على محمد، قام الدليل القطعي على صحة هذا الإجماع بقيام الدليل القطعي على صحة هذا الدين، وبقيام الدليل القطعي على أن القرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فيكون قد قام الدليل القطعي على أن إجماع الصحابة حجة شرعية. وعلى هذا فإن كونه يستحيل شرعاً على الصحابة أن يقع الخطأ في إجماعهم لاستحالة أن يقع الخطأ في الدين، واستحالة أن يقع الخطأ في القرآن، دليل قطعي على أن إجماعهم دليل شرعي، وكون الدليل القطعي قد قام على صحة إجماعهم في نقل الدين، ونقل القرآن دليل قطعي على صحة إجماعهم وعلى أنه حجة شرعية. وهذا غير موجود في إجماع غيرهم على الإطلاق لا في أيامهم ولا من بعدهم، فيكون إجماع الصحابة فقط هو الدليل الشرعي.

 

رابعاً: أن إجماع الصحابة يرجع إلى نفس النص الشرعي، فهم لا يُجمعون على حكم إلاّ وكان لهم دليل شرعي من قول الرسول أو فعله أو تقريره قد استندوا إليه، فيكون إجماعهم قد كَشَف عن دليل، وهذا لا يتأتى لغير الصحابة، لأنهم هم الذين شاهدوا الرسول ﷺ، وعنهم أخذنا ديننا، فكان إجماعهم هو الحجة وما عداه ليس بحجة، إذ الصحابة ما أجمعوا على شيء إلاّ ولهم دليل شرعي على ذلك لم يرووه، فيكون إجماع الصحابة دليلاً شرعياً بوصفه يكشف عن دليل وليس بوصفه رأياً لهم، فاتفاق آراء الصحابة على أمر لا يعتبر دليلاً شرعياً، وإجماعهم على رأي من آرائهم لا يعتبر دليلاً شرعياً، بل إجماعهم على أن هذا الحكم حكم شرعي، أو على أن الحكم الشرعي في واقعة كذا هو كذا، أو أن حكم الواقعة الفلانية شرعاً هو كذا، هذا الإجماع هو الدليل الشرعي. فإجماع الصحابة المعتبر إنّما هو الإجماع على حكم من الأحكام بأنه حكم شرعي فهو يكشف عن أن هناك دليلاً شرعياً لهذا الحكم، رووا الحكم ولم يرووا الدليل.

 

وقد يقال: إن إجماع الأمّة عند الجمهور لا بد له من شيء يستند إليه من نص أو قياس؛ أي لا بد له من دليل شرعي، فيمكن أن يقال إنه كذلك يكشف عن دليل. والجواب على هذا هو أنه لا يتأتى لمن لم يشاهد الرسول ﷺ أن يُجعل كلامه يكشف عن دليل، لأن الكشف عن دليل إنّما يتأتى مع من سمع أو رأى الرسول ﷺ، لأن كلامه وفعله وتقريره هو الدليل وما عداه ليس بدليل، فالكشف عن الدليل يتأتى مع مَن نَقَله لا مع من رواه، والنقل هو أخذ النص عن صاحبه، والرواية أخذُ النص عمن رواه، فلا يتأتى الكشف عن دليل إلاّ عن الناقل، ولا يتأتى عن الراوي، وهذا غير موجود إلاّ في الصحابة لأنهم هم الذين شاهدوا الرسول. ولذلك لا يقال إن إجماع الأمّة يكشف عن دليل، بل يقال يستند إلى دليل، وحينئذ يكون الدليل الذي استندوا إليه هو الحجة، وليس إجماعهم.

 

أما الإجماع السكوتي فهو أن يذهب واحد من الصحابة إلى حكم ويعرف به الصحابة ولم ينكِر عليه منكِر، فيكون سكوتهم إجماعاً ويقال له الإجماع السكوتي مقابل الإجماع القولي؛ أي كما أن الصحابة إذا أجمعوا على رأي في حادثة من الحوادث فاتفقوا كلهم على أن الحكم الشرعي في شأنها كذا، كذلك إذا ذهب أحد الصحابة إلى حكم في مسألة من المسائل وعَرف به الصحابة ولم ينكِر عليه منكِر كان إجماعهم على السكوت إجماعاً معتبراً. والإجماع السكوتي كالإجماع القولي دليل شرعي ولكن إذا استوفى شروطه كلها، وإذا لم يستوف شرطاً من شروطه لا يعتبر إجماعاً ولا يحتج به.

ويشترط في الإجماع السكوتي شروط...) إلى أن يقول:

 

(فإذا استوفى هذه الشروط الثلاثة، أي كان مما يُنكَر عادة وكان مشتهراً بين المسلمين وعرفه الصحابة ولم يكن مما جُعل للإمام أن يتصرف فيه برأيه، فإنه يكون إجماعاً سكوتياً. والدليل على أن الإجماع السكوتي دليل شرعي هو استحالة أن يسكت الصحابة على منكَر، فكونهم يستحيل عليهم شرعاً أن يُجمعوا على منكر دليل على أن سكوتهم على رأي من الآراء باعتباره حكماً شرعياً حجة شرعية ويعتبر من الأدلة الشرعية.) إلى هنا انتهى النقل من كتاب الشخصية الإسلامية الجزء الثالث في موضوع الإجماع "بتصرف يسير غير مخل".

 

والآن دعونا نستعرض من قال من العلماء بمثل ما ذهب إليه حزب التحرير في المسالة أو قريبا من قوله:

 

وممن قالوا بأن الإجماع خاص بعصر الصحابة الظاهرية واختاره ابن حبان في ظاهر كلامه في الصحيح حيث يقول:

 

(والإجماع عندنا إجماع الصحابة الذين شهدوا هبوط الوحي والتنزيل وأعيذوا من التحريف والتبديل حتى حفظ الله بهم الدين على المسلمين وصانه عن ثلم القادحين).

 

وهو رواية عن الإمام أحمد أومأ إليه في رواية أبي داود حيث قال: (الاتباع أن يتبع الرجل ما جاء عن النبي وعن أصحابه وهو بعد في التابعين مخير) فأخذ من هذا بعض الحنابلة أنه يخير بين أخذ إجماع التابعين وبين تركه وهذا يدل على أنه ليس ملزماً، وليعلم أنه وإن قيل بحجية الإجماع في كل عصر ممن قال به إلا أنه يتعذر حصوله بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم وهذا هو مراد الشافعي وأحمد - فيما يظهر - فيما روي عنهما من الإنكار على من ادعى الإجماع وهو اختيار ابن تيمية حيث قال رحمه الله في مجموع الفتاوى (11/341) عند ذكره طرق الأحكام الشرعية في أصول الفقه من كتاب وسنة: الطريق الرابع: الإجماع وهو متفق عليه بين عامة المسلمين من الفقهاء والصوفية وأهل الحديث والكلام وغيرهم في الجملة، وأنكره بعض أهل البدع من المعتزلة والشيعة، لكن المعلوم منه هو ما كان عليه الصحابة وأما ما بعد ذلك فتعذر العلم به غالباً؛ ولهذا اختلف أهل العلم فيما يذكر من الإجماعات الحادثة بعد الصحابة، واختلف في مسائل منه كإجماع التابعين على أحد قولي الصحابة، والإجماع الذي لم ينقرض عصر أهله حتى خالفهم بعضهم، والإجماع السكوتي وغير ذلك.

 

قال الزركشي في البحر المحيط: (الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ في إمْكَانِ الِاطِّلَاعِ عليه - يعني الإجماع - وإذا ثَبَتَ أَنَّهُ مُمْكِنٌ في نَفْسِهِ فَاخْتَلَفُوا في إمْكَانِ الِاطِّلَاعِ عليه فَمَنَعَهُ قَوْمٌ لِاتِّسَاعِ خُطَّةِ الْإِسْلَامِ وَانْتِشَارِهِمْ في أَقْطَارِ الْأَرْضِ وَتَهَاوُنِ الْفَطِنِ وَتَعَذُّرِ

 

النَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ في تَفَاصِيلَ لَا تَتَوَافَرُ الدَّوَاعِي على نَقْلِهَا وَلِتَعَذُّرِ الْعِلْمِ بِبَقَاءِ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ إلَى أَن يَفْنَى الْآخَرُ وَالصَّحِيحُ إمْكَانُهُ عَادَةً فَقَدْ اجْتَمَعَ على الشَّبَهِ خَلْقٌ كَثِيرُونَ زَائِدُونَ على عَدَدِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَالْإِجْمَاعُ على الْحَقِّ مع ظُهُورِ أَدِلَّتِهِ أَوْلَى نعم الْعَادَةُ مَنَعَتْ اجْتِمَاعَ الْكَافَّةِ فَأَمَّا الْخَلْقُ الْكَثِيرُ فَلَا تَمْنَعُ الْعَادَةُ اتِّفَاقَهُمْ بِوَجْهٍ ما وَاشْتَدَّ نَكِيرُ الْقَاضِي على من أَنْكَرَ تَصَوُّرَ وُقُوعِهِ عَادَةً وَفَصَّلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بين كُلِّيَّاتِ الدِّينِ فَلَا يَمْنَعُ من تَصَوُّرِ الدَّوَاعِي الْمُسْتَحَثَّةِ وَكَمَا صَوَّرَهُ الْقَاضِي في اجْتِمَاعِ أَهْلِ الضَّلَالَةِ وَبَيْنَ الْمَسَائِلَ الْمَظْنُونَةِ مع تَفَرُّقِ الْعُلَمَاءِ وَانْتِفَاءِ الدَّوَاعِي فَلَا تُتَصَوَّرُ عَادَةً وَنُقِلَ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ ما يَقْتَضِي إنْكَارَهُ قال في رِوَايَةِ ابْنِهِ عبد اللَّهِ من ادَّعَى الْإِجْمَاعَ فَقَدْ كَذَبَ لَعَلَّ الناس قد اخْتَلَفُوا وَلَكِنْ يقول لَا يَعْلَمُ الناس اخْتَلَفُوا إذْ لم يَبْلُغْهُ قال أَصْحَابُهُ وَإِنَّمَا قال هذا على جِهَةِ الْوَرَعِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ خِلَافٌ لم يَبْلُغْهُ أو قال هذا في حَقِّ من ليس له مَعْرِفَةٌ بِخِلَافِ السَّلَفِ لِأَنَّ أَحْمَدَ قد أَطْلَقَ الْقَوْلَ بِصِحَّةِ الْإِجْمَاعِ في مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ وَأَجْرَاهُ ابن حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ على ظَاهِرِهِ وقال ابن تَيْمِيَّةَ أَرَادَ غير إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ لِأَنَّ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ عِنْدَهُ حُجَّةٌ مَعْلُومٌ تَصَوُّرُهُ أَمَّا من بَعْدَهُمْ فَقَدْ كَثُرَ الْمُجْتَهِدُونَ وَانْتَشَرُوا قال وَإِنَّمَا قال ذلك لِأَنَّهُ كان يَذْكُرُ الحديث فَيُعَارَضُ بِالْإِجْمَاعِ فيقول إجْمَاعُ من إجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إجْمَاعُ أَهْلِ الْكُوفَةِ حتى قال ابن عُلَيَّةَ وَالْأَصَمُّ يَذْكُرُونَ الْإِجْمَاعَ وَجَعَلَ الْأَصْفَهَانِيُّ مَوْضِعَ الْخِلَافِ في غَيْرِ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وقال الْحَقُّ تَعَذُّرُ الِاطِّلَاعِ على الْإِجْمَاعِ لَا إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ حَيْثُ كان الْمُجْمِعُونَ وَهُمْ الْعُلَمَاءُ في قِلَّةٍ أَمَّا الْآنَ وَبَعْدَ انْتِشَارِ الْإِسْلَامِ وَكَثْرَةِ الْعُلَمَاءِ فَلَا مَطْمَعَ لِلْعِلْمِ بِهِ قال وهو اخْتِيَارُ أَحْمَدَ مع قُرْبِ عَهْدِهِ بِهِ من الصَّحَابَةِ وَقُوَّةِ حِفْظِهِ وَشِدَّةِ اطِّلَاعِهِ على الْأُمُورِ النَّقْلِيَّةِ قال وَالْمُصَنِّفُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا خَبَرَ له من الْإِجْمَاعِ إلَّا ما يَجِدُهُ مَكْتُوبًا في الْكُتُبِ وَمِنْ الْبَيِّنِ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الِاطِّلَاعُ عليه إلَّا بِالسَّمَاعِ منهم أو بِنَقْلِ أَهْلِ التَّوَاتُرِ إلَيْنَا وَلَا سَبِيلَ إلَى ذلك إلَّا في عَصْرِ الصَّحَابَةِ وَأَمَّا بَعْدَهُمْ فَلَا...) انتهى

 

من النقولات السابقة يتبين أن حزب التحرير لم يأت بشاذٍ من القول أو تهافتٍ في الرأي والحجة بل إن الدليل القطعي قائم على أن إجماع الصحابة هو الإجماع القطعي المعتبر وما دونه من إجماع يقوم على الظن ولا يرقى لأن يكون دليلا شرعيا معتبرا، علاوة على أن من قال من الجمهور بإجماع الأمة أو المجتهدين في أي عصر من العصور فقد كان قولهم نظريا أما عمليا فلم يجزموا بوقوعه وإمكانية تحققه، بالإضافة إلى أن واقع الأمة واختلاف فهم فقهائها وعلمائها بعد عصر الصحابة خير دليل.

 

كما أن إجماع الصحابة عند حزب التحرير يكون دليلا على العقيدة والأحكام الشرعية فإجماعهم معتبر في كليهما، فإن نُقل إجماعهم بطريق قطعي (متواتر) على فهم معين في العقيدة صار إجماعهم حجة ويجب الأخذ به ويكفر منكره، كما في مسألة جمعهم للقرآن وردِّهم لما ليس منه وغيرها مما أجمعوا عليه، وهو أيضا حجة في الأحكام الشرعية العملية لكنه يكفي في نقله غلبة الظن ولا يشترط في نقل إجماعهم التواتر لاعتبار ما أجمعوا عليه حكما شرعيا.

 

والله أعلم وعليه قصد السبيل سبحانه وتعالى، والحمد لله رب العالمين

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

عبد المؤمن الزيلعي

رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية اليمن

 

Template Design © Joomla Templates | GavickPro. All rights reserved.