الخميس، 18 رمضان 1445هـ| 2024/03/28م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

حقيقة الصراع في جنوب السودان... والاتفاقيات الموقعة بين الأطراف

وضياع أهل الجنوب بعد أن لفظتهم حكومة الخرطوم

 

لمع نجم البشير في الآونة الأخيرة بعد قيام الاتحاد الإفريقي بتفويضه لإدارة مفاوضات الفرقاء الجنوبيين في الخرطوم، وبذل البشير جهوداً جبارة، أشاد بها ما يعرف بالمجتمع الدولي، حيث توجت هذه المفاوضات التي اختتمت في الخرطوم مساء الأحد 2018/08/05م بالتوقيع النهائي على اتفاق السلام بين الأطراف، حيث وقّع كل من رئيس جنوب السودان، سلفاكير ميارديت، ورئيس الحركة الشعبية المعارضة المسلحة، رياك مشار، وزعماء فصائل جنوبية أخرى، كذلك وقع الرئيس عمر البشير، والرئيس الأوغندي، يوري موسفيني، على الاتفاق كضامنين، بالإضافة إلى توقيع ممثلين للأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، ومنظمة الإيغاد، كشهود على الاتفاق...

 

فما هي حقيقة هذه المفاوضات والاتفاقات، التي تصفها الأطراف بأنها مهمة للغاية؟ وما الجدوى منها، ومن وراء حرب الجنوب أصلاً، وهل لذلك علاقة بالتنافس الاستعماري بين أمريكا وأوروبا على الجنوب؟ أم هو تنافس محلي بين القيادات الجنوبية استناداً إلى التركيبة القبلية، كما يُشاع؟

 

من المعلوم بداهة أن دولة جنوب السودان قد وُلِدت بإشراف أمريكي مباشر؛ حيث استخدمت أمريكا الحركة الشعبية لتحرير السودان، التي أنشأتها في العام 1983م، وأشرفت عليها حتى وصلت بها إلى مبتغاها بانفصال الجنوب، وتأسيس دولة فيه في العام 2011م، فكان نجاحاً باهراً للسياسة الخارجية الأمريكية في عهد أوباما، فأصبح السودان، شماله وجنوبه، على السواء، مستقراً للنفوذ الأمريكي... وكانت بريطانيا، بسبب نفوذها السابق في السودان، تدق على وتر الانفصال أيضاً، وتعمل بأن تجد لها موطئ قدم، لكن أمريكا ضربت بطموحاتها عرض الحائط، حيث استحوذ عملاؤها على مفاصل الثروة والسلطة في الجنوب، إلا النزر القليل منها لرياك مشار (نائب رئيس بصلاحيات محدودة) ومن معه، فأوعزت بريطانيا لرياك مشار ومن تبعه، وأغرتهم في التحرك... وذلك لأن لهم علاقة تربطهم بها، حيث درس (رياك مشار) في بريطانيا الهندسة الصناعية والتخطيط الاستراتيجي... وعاد إلى السودان لينضم إلى الحركة الشعبية منذ تأسيسها في العام 1983م. وقد حصل بينه وبين قائدها جون قرنق صراع واقتتال، فانفصل عن الحركة عام 1991م... وحاول مشار أن يشق طريقه في الانفصال لصالح بريطانيا، بعيداً عن حركة قرنق، وبخاصة عام 1997م، عندما وقع مشار، ومجموعة الناصر، كطرف انفصالي مستقل، اتفاقية الخرطوم مع حكومة البشير... لكنه لم ينجح في ذلك، ثم أعيد انضمامه للحركة الشعبية، على عين بصيرة من المخابرات الأمريكية، خوفاً من إنشاء حركة منفصلة، بسبب ثقل تأثير قبيلته "النوير" التي تُعَدّ ثاني أكبر قبيلة في الجنوب، فقد وافقت أمريكا مع أنها تعرف ولاءه للإنجليز، وأوعزت إلى قرنق للموافقة على عودته لاحتوائه، وضبطه، تحت قيادته، وكان جون قرنق يتهم زوجة مشار وهي (إيما ماكوين) الإنجليزية، بأنها موظفة لدى المخابرات الإنجليزية، وسمَّى الحرب التي دارت بينه وبين مشار بحرب إيما... فبريطانيا تواطأت مع أمريكا، حتى تحقق انفصال الجنوب. ثم بدأت بخبثها ودهائها لعبة العودة إلى جنوب السودان، لتتمكن من استعادة نفوذها بعد الانفصال، أو على الأقل لتشارك أمريكا، ولو بالقليل من النفوذ هناك، لكنها لم تنجح أيضاً، فأوعزت لرياك مشار بإثارة مسألة الفساد المالي والإداري في دولة الجنوب، التي كادت أن تطيح بسلفاكير، وأخيراً أمرت عملاءها بالتحرك المسلح.

 

فبريطانيا هي التي حركت (رياك مشار) وأغرته بالتصعيد العسكري، فهي وراء هذه الحرب، لعلها تنجح في حركتها هذه، بأن تسقط سلفاكير، وتحل محل أمريكا... إلا أن أمريكا، وقد أبدت انزعاجاً شديداً، تحركت بسرعة، منذ نشوب الحرب في العام 2013م، فقد تحركت بسرعة فائقة، وعلى أعلى المستويات، لاحتواء الوضع هناك... فبعث الرئيس الأمريكي باراك أوباما حينها برسالة إلى الكونغرس قال فيها: "إن القتال الأخير يهدد بجر جنوب السودان إلى العودة إلى الأيام المظلمة في ماضيه"، فالإدارة الأمريكية لا تريد دولة فاشلة في الجنوب، حيث شدد أوباما على: "أن مستقبل البلاد اليوم في خطر" وكشف عن خطة أمريكا في البقاء، شريكا راسخاً هناك، فقال: "إن الولايات المتحدة ستظل شريكا راسخاً لجوبا". فكانت رسالة قوية لعملاء الإنجليز، بأن أمريكا لن تتخلى عن (سلفاكير)، (بي بي سي 2013/12/20). قال وزير الخارجية جون كيري: "اتصلت بالرئيس كير وطلبت منه أن يعمل على المصالحة". (فرانس 24 2013/12/21).

 

إن أمريكا كانت، ولا تزال، وراء هذه المصالحات والمفاوضات، فهي تخشى من ضياع نفوذها في الجنوب، فوضعت كل ثقلها لإفشال تلك الحركة، وضيقت الخناق على (رياك مشار)، عبر أدواتها في المنطقة؛ الإيغاد، ويوغندا، وإثيوبيا، والأمم المتحدة، وغيرها... إلا أن الأمور لم تحسم كما أرادت أمريكا، حيث فشل عملاؤه في حل الخلاف عسكرياً، فاستنكرت هذه الحرب، فهي باهظة الثمن، وأن الرئيس ترامب يحب المال حباً جماً، كحبه لابنته أو أكثر، فاستقرت حسابات إدارته، التي شددت على سلفاكير، بأن يلجأ للحل السلمي، قال البيت الأبيض في بيان شديد اللهجة الثلاثاء 2018/05/08م، (إن الولايات المتحدة كانت داعما فخوراً ومتفائلاً لجنوب السودان عندما حصل على استقلاله... وبعد سبع سنوات بدد زعماء هذا البلد تلك الشراكة فقتلوا أبناء شعبهم وأظهروا مراراً عدم قدرتهم أو استعدادهم للوفاء بالتزاماتهم بإنهاء الحرب الأهلية)، وأعرب مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشئون الأفريقية دونالد ياماهوتو عن ترحيب بلاده بجولة مفاوضات السلام بدولة جنوب السودان، (مثمناً الاختراق المهم الذى تم تحقيقه. وأكد دعم الولايات المتحدة الأمريكية للجهود التي يضطلع بها السودان في هذا الصدد...) "اليوم السابع 2018/06/27".

 

وبهذا يظهر بوضوح أن أمريكا هي التي مارست الضغوط على سلفاكير، منذ وقت مبكر، ودفعته لكي يجنح للحل السلمي عبر المفاوضات، حسب ما ذكرته السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي، حيث قالت: (أعتقد أن الضغوط ستتواصل إلى أن يغير كير من موقفه الراهن)، وكان مارك جرين مسؤول المعونة الجديد في إدارة ترامب زار جنوب السودان في أيلول/سبتمبر 2017م و(أبلغ كير بأن واشنطن تراجع سياستها تجاه حكومته... ودعا كير إلى إنهاء العنف وتنفيذ وقف حقيقي لإطلاق النار)، "رويترز 2017/10/24م". لكن البيت الأبيض نأى بنفسه عن هذه المحادثات، واستخدم أدواته في المنطقة، ملوحاً بالتهديد والوعيد، لإنجاح هذه المحادثات، قال السكرتير الصحفي للبيت الأبيض في بيان الأحد 2018/07/22م: "لن تكون الولايات المتحدة ضامنة لأي اتفاق، ولن تمول أو تدعو إلى موارد إضافية من الأمم المتحدة لدعم الحكومة الانتقالية في غياب التزام ثابت بالسلام..." (سودان تربيون 2018/07/23).

 

وهكذا بعد هذه الضغوط التي مورست على الأطراف، وخاصة سلفاكير، عدل الرجل عن موقفه المتعنت السابق، وتهديداته الرافضة إشراك المجرمين - حسب زعمه - في الحكم، حيث قال في لقاء سابق "يجب عدم مكافأة مشار على تمرده، وليس له الحق في تقاسم السلطة في البلاد". (الجزيرة 2014/1/1)، ورغم قوله هذا، وبحسب رويترز، فإن كير جرجر أذياله، وعاد طائعا لأسياده، واستعد للتوقيع، بل والالتزام بما تتمخض عنه المفاوضات، قال في مؤتمر صحفي بجوبا للصحفيين "سأوقع... الاتفاق جاهز، وسنبقى ملتزمين، وسوف نطبقه" (سودان تربيون 2018/08/03). فكان هذا التوقيع النهائي على تقاسم السلطة في جنوب السودان.

 

ويلاحظ من خلال بنود الاتفاق وأجوائه أمور عدة:

 

الأمر الأول: حاجة أمريكا إلى هذا الاتفاق، قال القائم بالأعمال الأمريكي بالخرطوم (ستيفن كوتسيس) بحسب المركز السوداني للخدمات الصحفية: (نحن من جانبنا بحاجة إلى السلام الدائم في دولة جنوب السودان)، "2018/06/26" وذلك لتثبيت نفوذ أمريكا في الجنوب، بتعيين عملائها في الوزارات، والبرلمان، لتستمر الحكومة الانتقالية، في خطها الأمريكي، فقد حظي سلفاكير وحزبه، على أكثر من نصف الوزارات، البالغ عددها 35 وزارة، حيث حدّد الاتفاق منح 20 منها لسلفاكير، كذلك حدّد الاتفاق عدد أعضاء البرلمان الانتقالي بـ550 عضواً، على أن يملأ 332 مقعداً بواسطة الحكومة. وواضح من هذه القسمة، الحرص على تمكين سلفاكير، باعتباره عميلاً صادقاً لأمريكا، وهي تريده لفترة قادمة أخرى، لذلك فهي تعزز سلطته، حتى لا يتحقق الفشل في مشروعها الاستعماري في جنوب السودان، الطامع في نهب ثروات الجنوب... فالاهتمام الأمريكي بنفط السودان، يعود إلى اكتشافه على يد شركة شيفرون الأمريكية، التي أنفقت المليارات على نشاطها، قبل خروجها في العام 1992 بسبب الأوضاع الأمنية، وأن كل النفط السوداني يأتي من حقول اكتشفتها شركة شيفرون، في السابق، وتريد أمريكا تهيئة أجواء آمنة لتستأنف نشاط شركاتها في السودان شماله وجنوبه.

 

الأمر الثاني: محاولات عودة بريطانيا مرة أخرى إلى الحكم بقوة، لتشارك أمريكا، ولو بالقليل من النفوذ في جنوب السودان، عبر عميلها (رياك مشار)، وترضيته، بسبب ثقل قبيلته النوير، فالإنجليز يعملون على العودة إلى هناك، ليلعبوا دوراً مؤثراً كما ذكرنا، حتى يتمكنوا من استعادة نفوذهم فيه. حيث عبر السفير البريطاني بالخرطوم، (عرفان صديق) عن تمنياته (بنجاح المفاوضات بين الأطراف الجنوبية التي انطلقت بالخرطوم) "صحيفة المجهر 2018/06/26"..

 

الأمر الثالث: في سبيل التودد الذي يقوم به البشير تجاه أمريكا، كان لا بد له من إظهار بطولات ولو كانت مزيفة، والتأكيد على ولائه للأمريكان، واستعداده التام لتحقيق المطلوبات المتفق عليها، ومن بينها ملف جنوب السودان، فقد أشادت كل الأطراف به، وبحسن رعايته للمفاوضات، حسب زعمهم، فامتدح (مشار) دور البشير في تقريب وجهات النظر بين فرقاء الجنوب وصبره على المفاوضات، وقال "كنا لا نعرف ماذا يحدث إذا نقلت المفاوضات من الخرطوم"،

 

ووصلت الثقة إلى أن تستمر الجولات القادمة في الخرطوم بدلاً عن نيروبي... أعلن الرئيس الكيني أوهورو كينياتا، موافقة بلاده على استمرار ما تبقى من تفاوض بين فرقاء الجنوب بالخرطوم، وإلغاء فكرة نقل المفاوضات إلى نيروبي.

 

يحاول البشير استعراض نجاحات، وبطولات، وإنجازات، كاذبة وزائفة، مستغلاً الفرصة التي منحها إياه الاتحاد الإفريقي، باستضافة الخرطوم لمفاوضات فرقاء الجنوب... إذ كيف يكون بطلاً وقد فرّط في مليون ميل مربع من قبل، ورثه من الحكام السابقين خلسة، وكان قد أقسم أن يسلمه كاملاً كما وجده، وها هو السودان ممزق الأوصال، أشعل فيه الفتن والحروب، في جنوبه الجديد والقديم، وفي غربه وشرقه، وأفقر أهله وأرضه، وشرّد كوادره وادعى عجزه التام في حل قضايا السودان، التي أوجدتها حكومته، بل تآمر على البلاد بفتح الباب واسعاً لأسياده الأمريكان ليتمكنوا من أهل السودان شمالا وجنوباً...

 

يخيّل إلى البشير أنه لمع نجمه وسوف ترضى عنه أمريكا، ويستمر في الحكم لخدمة مصالحها، بتنفيذ المحاور الخمسة المطلوبة، ومنها مسألة جنوب السودان، فما بقي له إلا أن يقول: [هاؤكم اقرأوا كتابيه، كيف تفكرون في إرسالي إلى الشارع كبقية العملاء الذين أطاحت بهم شعوبهم، ولم تساندوهم وتقفوا معهم... فأنا لست مثل مبارك مصر، ألا ترون يا إدارة ترامب أني حريص على إسعادكم، ولا آلو جهداً في سبيل إرضائكم، ألم أسلخ لكم السودان إلى شطرين، وسلمتكم القلب النابض بالبترول والمعادن، بعد عملية جراحية معقدة جداً، وكنتم تتابعونني خطوة بخطوة، فنجحت في إضعاف السودان كله، لتأكلوا من ثمره في الشمال والجنوب... ألم أُعِد لكم رجلكم صلاح قوش، كما ترغبون، مديراً للأمن والمخابرات، لتستفيدوا من خبراته في أمنكم، وإدارة ملفات تبحثون عن راعٍ لكم في شرق إفريقيا بعامة... ثم ألم أرسل لكم أحد رجالكم، وهو محمد عطا الذي تعرفونه جيداً، فقد تدرب هو الآخر على أيدي ضباط السي آي إيه، أرسلته ليكون سفيراً في واشنطن، ينقل إليّ طلباتكم وأوامركم. هذا غير معقول يا ترامب... راجِع ملفات (الإرهاب) في أرشيف المخابرات، ستجدني أفضل من تعاون معكم فيه، فقد سلمتكم المطلوبين، والذين لم تطلبوهم، وكثيرٌ منهم لا يزال في غوانتنامو، ثم اسأل القائم بأعمال سفارتكم في الخرطوم كوتسيس، فإني أعلم أنه أرسل إليك قائلاً: (نؤكد تقديرنا للإجراءات التي اتخذها السودان... والذين يدعمون ضغطنا الدبلوماسي والاقتصادي على نظام كوريا الشمالية)، ونقل لكم تعاون حكومتي مع حكومتكم، بشأن كوريا الشمالية.. وأنت تعرف زيارة قام بها إلى الخرطوم مساعد وزير الخزانة لشؤون مكافحة تمويل الإرهاب، والجرائم المالية مارشال، (بالمناسبة يا ترامب ما أداني ولا تعريفة). المهم هو التقى وزير الدفاع في 30 نيسان/أبريل 2018م، وناقشوا القضايا المتعلقة بالعلاقات العسكرية للسودان مع كوريا الشمالية... فاطمئن يا ترامب من هذا الجانب (وارقد قفا)... ولم يبق من الملفات التي طلبتموها مني غير ملف جنوب السودان، طبعا هذا لا نقاش فيه ولا (مغالطة ولا جدال)، إلا (اتقطع ليكم). وكما ترون فإني سلمت الملف للـدرديري محمد أحمد، فهو محاور جيد منذ أيام ميشاكوس ونيفاشا، ونجح في جمع كل أصدقائك وأعدائك في الخرطوم وصالحناهم حسب رغبتكم، المهم فكّر (كويس) يا ترامب، و(انساك) من القيل والقال... والشعب السوداني برضو (انساك منهم)، أنا أعرف كيف أسوقهم]....

 

كأن هذا هو لسان حال البشير، المتفاني في خدمة أمريكا، طلباً لرضاها، آملاً في إعطائه الضوء الأخضر للاستمرار في سدة الحكم حتى بعد انتخابات 2020م، وما درى أن الإدارة الأمريكية ستظل تمارس الضغوط للاستمرار في تنفيذ المطلوبات كلها ثم تلفظه لفظ النواة...

 

هذه المسائل هي جزء من محطات في سبيل الصراع الأوروبي الأمريكي، والهيمنة الرأسمالية على بلادنا عموماً وعلى جنوب السودان بصفة خاصة.

 

إن الصراع في جنوب السودان، هو في حقيقته صراع بين عملاء موالين لطرفين مختلفين من الاستعمار، وهما عملاء أمريكا، الذين هم في السلطة، بدعم أمريكي كبير، وعملاء بريطانيا المشاكسين، الذين يسعون، ومن ورائهم الإنجليز، لإيجاد موطئ قدم لهم في جنوب السودان، أو نصفه، أو كله إن استطاعوا. فأمريكا تضغط وتهدد، وتأمر وتنهى، وبريطانيا تسايرها "لكعبلتها" كلما لاحت فرصة "للكعبلة". وكلا الطرفين، للأسف، يستخدمان أبناء القبائل غير المنسجمة في الجنوب، وقوداً لإشعال الحرائق والفتن، وما أسهل أن تشعل ناراً في أي جزء من إفريقيا، باستخدام النعرات القبلية النتنة، وسط ظلامات الجهل الذي تركه المستعمر جاثماً على صدر الأمة، ثم سار ولا يزال يسير في أثره حكام إفريقيا، ومن بينهم حكام السودان، الذين باعوا دماء أبناء الأمة، بثمن بخس، لدنيا أسيادهم الأمريكان، وتمرير المخطط الأمريكي الذي فصل الجنوب... إن أهل الجنوب صاروا مسرحاً لهذه المنافسات الدولية، التي قضت على الأخضر واليابس،

 

وشردت الملايين من ديارهم إلى أدغال إفريقيا، إلى كينيا، وأوغندا، وإثيوبيا، والسودان، وتشاد، وزائير، وغيرها من دول الجوار، وغير الجوار، إلى كيان يهود، ومصر، ودول أوروبا، التي تلفظهم وتضيق عليهم عبر الحكام العملاء، بحجة منع الهجرة غير الشرعية، ولا تزال تطلب منهم التضييق على شعوب إفريقيا، بل تمنعهم من أن تطأ أقدامهم بلاد أوروبا.

 

إن وضع مشاكل أهل جنوب السودان على طاولة ما يعرف بالمجتمع الإقليمي والدولي، والاستمرار في النهج الرأسمالي لمعالجة قضايا البشر، بل والعدول عن معالجة المشكلة الأساسية، ومناقشة قضايا فردية تتعلق بتوزيع كراسي الحكم والثروة والسلطة (الغنائم)، يتسابق الحكام للظفر بكرسي في وزارة أو برلمان، وترك أهل الجنوب يهيمون في الأرض سنين، بحثاً عن مأوى، ومأكل، ومشرب، تطاردهم الأمراض الفتاكة أينما حلوا، يفترشون الأرض ويلتحفون السماء لتمطرهم بالماء والبرد في مخيماتهم، ولا يخطر ببال أحد موضوع التعليم الذي هو أحد الأمراض الفتاكة بإفريقيا وأهله... كل ذلك وغيرها، هي جرائم تضاف إلى مؤامرة فصل جنوب السودان التاريخية الكبرى، التي لا يمحوها إلا إعادة جنوب السودان إلى حضن الأمة عاجلاً غير آجل، ينعم فيها الناس بسلام، تغشاهم الرحمة في ظل أحكام رب العالمين، تطبقها دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة..

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

يعقوب إبراهيم (أبو إبراهيم) – الخرطوم

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع