Logo
طباعة
  •   الموافق  
  • 1 تعليق

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

طلب النصرة مخاض لدولة الخلافة على منهاج النبوة

 

مما لا شك فيه أنّ طلب النصرة من أهم وأبرز الأعمال التي قام بها سيد الخلق محمد ﷺ أثناء حمل الدعوة الإسلامية، والتي طلبها من القبائل العربية القوية ثلاث عشرة مرة كما تقول كتب السير، والمقصود بطلب النصرة - طلب الحماية والمنعة حتى يبلغ دين الله وهو آمن من أذى قومه قريش. وحينما عرض نفسه صلوات الله وسلامه عليه على تلك القبائل كان يعرض عليهم أمرين اثنين: 1- الدخول في الإسلام 2- طلب النصرة.

 

إنّ طلب النصرة يشترط فيها الإسلام، ولا تجوز من كافر أو مشرك، وهذا بخلاف طلب الحماية التي يقصد بها طلب حماية النفس ولو كان من كافر أو مشرك، وهذا جائز شرعاً حيث حصل مع رسول الله ﷺ وبعض أصحابه رضوان الله عليهم.

 

فصلوات الله وسلامه عليه طلب النصرة بعد وفاة عمه أبي طالب، حيث اشتد عليه الأذى ونالت قريش منه أكثر مما كان عليه الحال أثناء حياة عمه أبي طالب، جاء في السيرة النبوية لابن هشام، قال ابن اسحق: "...فلما هلك أبو طالب، نالت قريش من رسول الله ﷺ من الأذى ما لم تكن تطمع في حياة أبي طالب...".

 

هذا من جهة ومن جهة أخرى أن مجتمع مكة قد تجمدّ ولم يعد يستجيب لدعوة الإسلام، والذين استجابوا للدعوة غالبيتهم من المستضعفين أمثال آل ياسر وبلال بن رباح، حينئذٍ أخذ رسول الله ﷺ يطلب النصرة من القبائل العربية القوية لعلها تستجيب لدعوة الإسلام، وكان صلوات الله وسلامه عليه يلاقي الصدّ والمنع وعدم الاستجابة من تلك القبائل، وبعضها كانت تشترط عليه حتى تستجيب لنصرته لا سيما قبيلة عامر بن أبي صعصعة، فقد عرض عليها رسول الله ﷺ الدخول في الإسلام وطلب منها النصرة فاشترطت عليه أن يكون لها الأمر (الحكم) من بعده. فماذا كان موقف سيد الخلق؟ هل استجاب ووافق على هذا الشرط؟ بالطبع لا، فكان الجواب مدوياً: «الأَمْرُ للهِ يَضَعُهُ حَيْثُ يَشَاءُ». جاء في السيرة النبوية لابن هشام، قال ابن هشام: "... أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك، ثم أظهرك الله على من خالفك، أيكون لنا الأمر من بعدك؟ قال: «الأَمْرُ إِلَى اللهِ يَضَعُهُ حَيْثُ يَشَاءُ»، قال: فقال له: أفتُهدف نحورنا للعرب دونك، فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا! لا حاجة لنا بأمرك، فأبوا عليه".

 

فالظروف كانت صعبة جداً، والمسلمون كانوا بأمس الحاجة إلى مَن ينصر الدعوة. فأراد رسول الله ﷺ نصرته بدون شروط، فلا أنصاف حلول في دعوة الله سبحانه؛ إما حق وإما باطل، إما إسلام وإما كفر، كذلك لا مكان للمصلحة على حساب الدعوة. وهذا رد قوي من رسول الله سيد الخلق على مَن ينادي ويطالب بأنصاف الحلول، والحل الوسط، والتنازل على الثوابت ولو بالجزء اليسير بحجة المصلحة.

 

أخذ رسول الله ﷺ يواصل ويكافح ويعمل بلا كلل ولا ملل في طلب النصرة من القبائل القوية حتى ولو ردّوه ولو خذلوه ولو صدّوه كما حصل معه صلوات الله وسلامه عليه حينما ذهب إلى الطائف.

 

ومما جاء في السيرة النبوية لابن هشام، قال ابن إسحاق: "...، فخرج رسول الله ﷺ إلى الطائف، يلتمس النصرة من ثقيف، والمنعة بهم من قومه، ورجاء أن يقبلوا منه ما جاءهم به من الله عز وجل، فخرج إليهم وحده". وعندما انتهى المطاف به إلى الطائف، عمد إلى نفر من ثقيف فعرض عليهم صلوات الله وسلامه عليه، الإسلام، تم طلب النصرة، فلم يستجيبوا له، وردّوه شرَّ رد، فما إن اطمأنّ رسول الله ﷺ توجه إلى الله سبحانه بالدعاء، قائلاً: «اللَّهُمَّ إِلَيْكَ أَشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي، وَقِلَّةَ حِيلَتِي، وَهَوَانِي عَلَى النَّاسِ،... لَكَ الْعُتْبَى حَتَّى تَرْضَى، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ».

 

فصلوات الله وسلامه عليه ظلّ صابراً محتسباً لا يأبه بما يلاقيه ما دام في سبيل الله، وبقي يعرض نفسه على القبائل العربية القوية حتى هيّأَ الله سبحانه له الأوس والخزرج عند العقبة.

 

يقول ابن هشام في السيرة النبوية: قال ابن اسحاق: "فلما أراد الله عز وجل إظهار دينه، وإعزاز نبيه ﷺ وإنجاز موعده له، خرج رسول الله ﷺ في الموسم الذي لقيه فيه النفر من الأنصار، فعرض نفسه على قبائل العرب، كما كان يصنع في كل موسم، فبينما هو عند العقبة لقي رهطاً من الخزرج أراد الله بهم خيراً".

 

فكانت بيعة العقبة الأولى والتي سميت بيعة النساء، عن عبادة بن الصامت أنه قال: «بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ ﷺ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ الأُولَى عَلَى أَنْ لَا نُشْرِكَ بِاللهِ شَيْئاً، وَلَا نَسْرِقَ، وَلَا نَزْنِيَ، وَلَا نَقْتُلَ أَوْلَادَنَا، وَلَا نَأْتِيَ بِبُهْتَانٍ نَفْتَرِيهِ مِنْ بَيْنِ أَيْدِينَا وَأَرْجُلِنَا وَلَا نَعْصِيَهُ فِي مَعْرُوفٍ، فَإِنْ وَفَّيْتُمْ فَلَكُمُ الْجَنَّةُ، وَإِنْ غَشِيتُمْ مِنْ ذَلِكَ (شَيْئًا) فَأُخِذْتُمْ بِحَدِّهِ فِي الدُّنْيَا، فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَإِنْ سُتِرْتُمْ عَلَيْهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَأَمْرُكُمْ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إنْ شَاءَ عَذَّبَ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ».

 

وبعد الانتهاء من هذه البيعة، بعث رسول الله ﷺ مصعب بن عمير رضي الله عنه إلى يثرب، ليعلم مَن دخل في الإسلام أمور دينهم، ويقرأ عليهم القرآن، ويحمل الدعوة الإسلامية لغيرهم، حيث دخل في الإسلام على يديه زعماء الأوس والخزرج أمثال سعد بن معاذ وأسيد بن حضير وأسعد بن زرارة، ومكث رضي الله عنه بينهم عاماً يحمل الدعوة ويبلغ دين الله دون كلل ولا ملل وبهمة عالية جداً، حتى أصبح الإسلام حديث الناس، وقد فشا ذِكر الإسلام في كل بيت، بمعنى آخر استطاع مصعب بن عمير رضي الله عنه إيجاد رأي عام على الإسلام في يثرب، وقد بعث لرسول الله ﷺ يطمئنه بأنه لم يبقَ بيت في المدينة إلا ودخلهُ الإسلام، فسر بذلك.

 

ثم كانت بيعة العقبة الثانية والتي سميت بيعة الحرب، عن عبادة بن الصامت أنه قال: «بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ ﷺ بَيْعَةَ الْحَرْبِ - وكان عبادة من الاثني عشر الذين بايعوه في العقبة الأولى على بيعة النساء - عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي عُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَمَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، وَأَنْ نَقُولَ بِالْحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا، لَا نَخَافُ فِي اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ».

 

وقد تمخضّ عن طلب النصرة بعد بيعة العقبة الثانية نصرة للإسلام وهجرة رسول الله ﷺ وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين إلى المدينة المنورة، وبهذه النصرة تمخض عنها مولود عظيم، كان أول كيان سياسي هزَّ الجزيرة العربية، هذا الكيان هو دولة الإسلام.

 

ونحن هذه الأيام يجب علينا كحملة دعوة السير على منهج سيد الخلق محمد ﷺ بالعمل الجاد لطلب النصرة من أهل القوة والمنعة حتى نحقق الغاية المبتغاة وهي استئناف الحياة الإسلامية، ولا يكون ذلك إلاّ بالعمل لإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.

 

اللهم اجعلنا من جنود الخلافة وشهودها والعاملين لها، إنك ولي ذلك والقادر عليه.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

الأستاذ خالد عبد الكريم حسن – الأرض المباركة (فلسطين)

 

وسائط

Template Design © Joomla Templates | GavickPro. All rights reserved.