جاء في نشرة التحريك السياسي الصادرة من الحزب أن الكفاح السياسي هو أسلوب وليس طريقة. فإذا كان الأمر كذلك، أي (الكفاح السياسي، الصراع الفكري) هو أسلوب وليس طريقة، فهل يعني هذا أن مرحلة التفاعل هي التي من الطريقة، وأن ما يجري خلالها من أعمال سياسية وفكرية هي أساليب ؟ علماً بأن هناك آيات في القرآن الكريم واضح فيها الكفاح السياسي والصراع الفكري مع رؤوس الكفر في قريش ؟
الجواب:
نعم، إن التفاعل هو من الطريقة.
ومن الجدير ذكره أن العمل السياسي والفكري هما كذلك من الطريقة، فمرحلة التفاعل تقتضي ذلك، ولا تتم بدونه، بل هي ليست تفاعلاً دون العمل السياسي والفكري.
وأما (الكفاح) السياسي و(الصراع) الفكري، فهما تحد صارخ بالعمل السياسي والفكري. وهذا التحدي هو أسلوب، فقد يلزم هنا ولا يلزم هناك.
وحتى أقرّب المسألة فإن توزيع نشرة قد يكون بأسلوب كفاحي فتوزع علناً في تحدٍ صارخ ... وقد تكون توزيعاً عادياً ...
فالصراع والكفاح لهما مدلول فيه التحدي الصارخ مع ملحقات هذا التحدي ... وهذه أساليب.
أما ما ذكر في القرآن الكريم فهو حالات محدودة كانت موجهة لرؤوس الكفر بسبب أمور زائدة في السوء عن مجرد الكفر، فهم كانوا يحاربون الإسلام والمسلمين بشدة رغم الأدلة الناطقة بالحق ... فذكرت مهاجمتهم الساخنة القوية في تلك الآيات الكريمة ... ومع ذلك فلو أحصيتهم لوجدتهم أعداداً محدودة مع أن الكفار كانوا كثيرين.
ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستعمل أساليب تختلف في القوة تجاه الكفار، فمثلاً لما ذهب إليه صلى الله عليه وسلم أحد رؤساء قريش (كأنه عتبة)، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد عرض عليه الإسلام بالحجة المقنعة والحكمة البالغة بأسلوب هادئ مؤثر ... حتى عاد الرجل إلى قريش بهيئة غير التي ذهب فيها كما وصفه رؤساء قريش الذين أرسلوه، وبخاصة وقد مدح أمامهم الكلام الذي سمعه من الرسول صلى الله عليه وسلم ...
في حين أن أحد رؤساء قريش (كأنه وائل) لقي الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان رأس الكفر ذاك يحمل في يده رميم عظام، فأبرزه للرسول صلى الله عليه وسلم وسأله: هل ربك يستطيع أن يعيد هذا إلى الحياة ؟ فأجابه الرسول صلى الله عليه وسلم: نعم ويبعثه حياً، ثم أضاف الرسول صلى الله عليه وسلم: ويدخلك جهنم ... فهنا لم يجبه الرسول صلى الله عليه وسلم عن سؤاله فحسب بل أضاف إليه تعنيفاً ...
وهكذا فإن الأسلوب يشتد قوة أو يخف قوة وفق ما يناسب الجهة المقابلة.
ولأوضّح الصورة أكثر:
اقرأ هذه الآية {اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكري. اذهبا إلى فرعون إنه طغى. فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى} فواضح في هذه الآية أن المطلوب هو النقاش الفكري الهادئ اللين.
والآن اقرأ هذه الآية الكريمة في الموضوع نفسه، وكذلك هي بين موسى وفرعون أيضاً، لكن في موقف آخر، فبعد أن عرضت على فرعون البَيِنات والدلائل ... ومع ذلك بقي مستكبراً متمادياً في الطغيان ... عندها لم يكن قول موسى عليه السلام له ليناً، بل عنيفاً بأن وصفه (مثبوراً) أي هالكاً ملعوناً ...
وهذه هي الآية الكريمة {ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات فاسئل بني إسرائيل إذ جاءهم فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا. قال لقد علمت ما أنزل هاؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبوراً}
فالنقاش اللين كان في البداية لعرض الأدلة والبينات، ولكن بعد أن قدمت البينات والأدلة القاطعة بصائر، ومع ذلك استمر الاستكبار والطغيان،عندها كان النقاش العنيف ...
آمل أن أكون قد وضحت الصورة تماماً.
ولذلك تجدنا نقول في كتبنا عن الأعمال السياسية في مرحلة التفاعل: (... يبرز في هذه الأعمال السياسية الصراع الفكري والكفاح السياسي ...).
فالصراع والكفاح يبرزان في هذه المرحلة بسبب الصدام مع رؤوس الكفر عادةً فيناسبهم هذا الأسلوب. ولكن مع كفار آخرين، أو في وقت آخر، قد يلزم العمل السياسي والفكري بأسلوب آخر.
وأكرر إن العمل السياسي والفكري من الطريقة، حيث مرحلة التفاعل تقتضيهما ولابد، فقط تصعيد العمل السياسي والفكري، أي الكفاح والصراح، هو الأسلوب، ويستعمل في الزمان والمكان المناسبين.
|