بسم الله الرحمن الرحيم

أجوبة أسئلة
مؤتمر القمة العربي | زيارة عبد الله غول إلى العراق وموضوع الأكراد | شيخ شريف شيخ أحمد والدور الأمريكي وحركة الشباب المجاهد

السؤال الأول: عقد الاثنين 30/3/2009م مؤتمر القمة العربي الحادي والعشرون، وبدل أن يستمر يومين كما كان مقرراً أكمل المؤتمر مهمته في اليوم نفسه، فما وراء هذا المؤتمر، وما مدى فاعلية قراراته؟

الجواب:
ليس وراء هذا المؤتمر شيء، وكذلك فلم يتمخض عنه قرارات ذات بال حتى يُسأل عن مدى فعاليتها. وحتى تتضح الصورة أكثر نذكر ما يلي:
1- إن مؤتمرات القمة أصبحت تُعقد “روتينياً” في آذار من كل عام.
2- لقد اعتادت الدول الكبرى استغلال مؤتمرات القمة العربية لمشاريعها المتعلقة بقضية فلسطين التي سموها “قضية الشرق الأوسط”. وكانت الدول المؤثرة في ذلك عند بدايات القمم في الستينات هي أمريكا وبريطانيا، فلما ضعف تأثير بريطانيا بعد ذلك، أصبحت القوة المؤثرة في هذه المؤتمرات والمحركة لها هي أمريكا.
3- في الفترة الأخيرة، أصبحت ظروف أمريكا مهزوزة ومضطربة، وعندها أولويات تتقدم على قضية الشرق الأوسط، وبخاصة منذ أن عصفت بها الأزمة الاقتصادية بالإضافة إلى مأزقها في العراق وأفغانستان، وهكذا فقد ركزت اهتمامها على هذه الأولويات.
4- ولهذا، فعلى الرغم من أن نتنياهو يصرح علناً بأنه لا يريد مشروع الدولتين الذي تنادي به أمريكا، وعلى الرغم من أن أمريكا كانت تستطيع إسقاطه في الانتخابات كما فعلت سابقاً، إلا أنها تركت الأمور ولم تنشغل بها، واكتفت بأن تشرك معه باراك كحفظ ماء الوجه لها بأن نتنياهو لم ينفرد بالسلطة كاملاً بل معه من ينادي بمشروعها وهو باراك! في الوقت الذي تدرك هي فيه أن ضعف الأصوات التي نالها لن تمكنه من الحيلولة دون سير نتنياهو في آرائه.
وكل هذا يدل على أن أمريكا غير واضعة على جدول أعمالها أي حل للقضية ولو كان هزيلاً، أي أنها تركت الأمور تسير في المنطقة دون تدخل جاد منها إلى أن تفرغ من أولوياتها أو تقطع شوطاً فيها، ومن بعدُ تتجه نحو “قضية الشرق الأوسط”، ولن يعجزها حينذاك نتنياهو أو غيره من كيان يهود، وبخاصة وأن حياة كيان يهود وموته هو بيد أمريكا، وإلى أن تقطع شوطاً في أولوياتها فقد تركت الحركة في قضية فلسطين إلى تابعها المخلص لها حسني مبارك ليملأ الفراغ بما يقتضيه، وليس لمؤتمرٍ لا تريد الانشغال فيه في الوقت الحالي... وخلال ذلك ترسل مندوباً أو مبعوثاً لها لرصد الواقع الجاري وجمع المعلومات إلى الوقت الذي يأتي فيه “دور” قضية الشرق الأوسط بعد أن تقطع أمريكا شوطاً في أولوياتها.
5- ولهذا فإن أمريكا تركت هذا المؤتمر يسير بشكل روتيني، أي أن الحكام العرب قد اجتمعوا وأكلوا وشربوا وابتسموا لبعضهم “وناكفوا” بعضهم، وتكلموا عن المصالحة كلاماً فضفاضاً حمّال أوجه...
ولذلك فإن أكثر ما يمكن أن يوصف به هذا المؤتمر هو أنه مؤتمر علاقات عامة بين الحكام العرب... إلى أن تكمل أمريكا أولوياتها أو تقطع شوطاً فيها، ومن بعدُ قد تعقد مؤتمرات كبيرة وصغيرة تحركها أمريكا لاتخاذ قرارات تخدم مصالحها.

السؤال الثاني: في 23/3/2009 قام رئيس جمهورية تركيا عبد الله غول بزيارة للعراق استغرقت يومين. وهي أول زيارة لرئيس جمهورية تركي منذ 33 سنة. واجتمع مع رئيس الجمهورية الطالباني ورئيس الوزراء المالكي، وكذلك مع نيجيرفان برزاني رئيس وزراء إقليم كردستان، ما جعل هذا الأخير يصرح قائلاً: “إن اجتماع الرئيس التركي به هو اعتراف من جانب تركيا بإقليم كردستان. 25/3/2009 تلفزيون الأخبار التركي”. كما أن طالباني صرح في مؤتمر صحفي مع الرئيس التركي:” إن على حزب العمال الكردستاني أن يلقوا السلاح أو أن يرحلوا.” (راديو سوا 23/3/2009). فهل يعني هذا أن حزب العمال الكردستاني التركي قد انتهى وجوده في العراق مقابل اعتراف تركي بإقليم كردستان العراق ولكن ضمن دولة العراق؟ وبالتالي هل يئس أكراد العراق من وعود أمريكا لهم بدولة مستقلة عن العراق؟ ثم هل للزيارة بعد دولي أو هي في حدود العلاقة بين العراق وتركيا؟

الجواب:
1- نعم، إن وعود أمريكا لأكراد العراق بقيام دولة لهم، لم تكن يوماً وعوداً جادة، وإنما وعدتهم بها لاستغلالهم لضرب إخوانهم في العراق من أجل تسهيل احتلال العراق، كما وعدت بريطانيا محمود الحفيد عام 1919 بأن يهاجم المحمية العثمانية في السليمانية مقابل وعد بدولة كردية، فهاجموها وقتلوا إخوانهم العثمانيين في المحمية، وطردوا من نجا منهم، ثم أخلفت بريطانيا وعدها، بل نفت محمود الحفيد إلى مستعمرتها الهند. وكذلك فقد أصرت بريطانيا في معاهدة سيفر عام 1920م مع الدولة العثمانية على وضع بند يتعلق بإقامة دولة كردية لإزعاج الخليفة محمد وحيد الدين، حيث كان وفد الخليفة هو المفاوض، فلما نجحت فيما بعد في تنصيب مصطفى كمال رئيساً للجمهورية وانتهت الخلافة، وأصبحت المعاهدة مع جمهورية مصطفى كمال في لوزان 1924 رفضت بريطانيا أن تضع بند الدولة الكردية، لانها قد حققت هدفها، ألا وهو إسقاط الخلافة، فلم يعد يلزم استغلال مثل ذلك. وقد كانت بريطانيا تثير مشاعر النعرة القومية الكردية وتثير مشاعر كافة النعرات القومية في المنطقة، وتستغل من تثيرهم وتحرضهم للعصيان والتمرد ضد الدولة الإسلامية حتى تحقق أغراضها، ومن ثم تلفظ المتعاونين معها أو تسخرهم كعملاء لها عندما تنصبهم بما يسمى حكاما وقادة. فجاءت أمريكا وقامت بالدور نفسه ولعبت اللعبة نفسها، وفعلت مع المتعاونين معها الفعل نفسه، أي مجرد وعود تستغلها لخدمة مصالحها، حتى إذا تحققت مصالحها ذهبت وعودها كأن لم تغن بالأمس!
2- ولا يستبعد أن تعترف تركيا بشكل رسمي بإقليم كردستان ولكن ضمن دولة العراق دون دولة خاصة بهم، على شرط طرد حزب العمال الكردستاني. فقد صرح عبد الله غول للصحافيين عقب لقائه نيحيرفان برزاني:” أبلغته صراحة أن منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية ومعسكراتها في منطقتكم. فينبغي أن تتخذوا موقفا واضحا ضدها. وعند القضاء عليها فكل شيء بيننا وبينكم هو ممكن. فانتم جيراننا وأقاربنا. (رويترز25/3/2009). وكان غول قد اجتمع مع الطالباني في 17/3/ 2009 في اسطنبول على هامش اجتماعات منتدى المياه العالمي الخامس وصرح من هناك باستحالة إقامة الدولة الكردية، وان الدولة الكردية إنما هي في الأشعار الكردية. وطالب حزب العمال الكردستاني بإلقاء السلاح.
ويظهر أن حكام إقليم كردستان يريدون أن يستجيبوا لطلبات تركيا مقابل اعتراف تركيا بهم. فقد قال نيجيرفان برزاني:” نحن نريد أن تكون العلاقة مع تركيا جيدة، ونحن نتفهم مخاوف تركيا”. (س.ن.ن الأمريكية 25/3/2009) وأضاف” نحن لا نقبل الهجوم على البلاد المجاورة من العراق أو من منطقة كردستان”.( س.ن.ن الأمريكية 25/3/2009). وقد أُعلن مؤخراً من مصادر في الخارجية التركية أن تركيا قبلت طلب رئيس إقليم كردستان مسعود البرازاني لزيارة أنقرة. (س.ن.ن 26/3/2009) وهذه الزيارة تتعلق بالموضوع نفسه، ألا وهو طرد حزب العمال الكردستاني من إقليم كردستان مقابل اعتراف تركيا بالإقليم ضمن دولة العراق، هذا مع أن وجود حزب العمال الكردستاني في شمال العراق كان بغطاء من حزب برزاني “الديمقراطي الكردستاني”!!
3- والى جانب ذلك، فإن زيارة غول قد تطرقت أيضاً إلى تسوية مسألة كركوك؛ فتركيا ترفض ضم كركوك لإقليم كردستان. وقد اجتمع عبد الله غول بممثلين عن التركمان وأكد لهم أن تركيا ترفض ضم كركوك لأية جهة. ولم يركز عليها لأنها تأتي في الدرجة الثانية بالنسبة لتركيا، ومن جهة أخرى تعرف تركيا أن هناك عراقيل كبيرة تحول دون ضم كركوك إلى كردستان، وتركيا احد هذه العراقيل.
وهناك مسائل أخرى بحثت كنقل النفط عبر تركيا والتجارة وزيادة كمية المياه فالطرفان أظهرا أنهما متفقان عليها.
4- أما هل للزيارة بعد دولي، فنعم، وهو الأهم، فزيارة رئيس جمهورية تركيا للعراق تأتي بعد قرار الأمريكان المتعلق بسحب قواتهم التدريجي من العراق ما عدا المراكز الحساسة، وأمريكا تريد أن تقوم بالدور مكانها دولٌ موالية لها حتى لا تأتي دولة كبرى أخرى فتستغل الوضع وتحل محل أمريكا أو تعمل على التشويش على نفوذها.
ومن هنا كان دور إيران بالتنسيق مع أمريكا، واتفقت معها عليه، وتوّج ذلك بزيارة رئيس جمهورية إيران بغداد العام الماضي. لكن أمريكا لا تريد أن تركن إلى دولة واحدة، فدولة واحدة ربما تستطيع أن تقوم بدور ما، ولكن لا تستطيع أن تقوم بكل شيء تطلبه أمريكا منها. ولذلك فإن أمريكا تريد دوراً كذلك لتركيا وسوريا... ومن هنا جاءت زيارة غول إلى العراق، وعقب زيارة غول قام وزير خارجية سوريا وزار العراق واجتمع مع الطالباني. فأمريكا لا يمكن أن تحقق كل ما تريد بمعزل عن دول الجوار. وينطبق هذا على كل بلد. فنراها تستعين بالباكستان وإيران المجاورتين لأفغانستان في تحقيق أهدافها في أفغانستان، حتى إنها تستعين بالدول التي يختلط نفوذها فيها بنفوذ الإنجليز كالسعودية للتأثير في المجاهدين هناك للقبول بالتفاوض، ومؤتمر لاهاي الذي عقد أمس 31/3/2009م بشأن أفغانستان أقوى شاهد على ذلك، فقد حضرته نحو سبعين دولة، وكان من أبرز الحضور إيران التي اجتمع رئيس وفدها مع المبعوث الأمريكي لأفغانستان، وقد وُصف الاجتماع بأنه كان ودياً...!
إن أمريكا تريد أن تحافظ على نفوذها في العراق وعلى مكانتها كدولة كبرى أولى في العالم بعدما ذاقت مرارة الهزائم التي لحقت بها هناك على أيدي المقاومين لها، وكادت أن تحط من مكانتها الدولية وتزحزحها عن مركزها كدولة أولى في العالم. ومع ذلك فقد تزعزعت الثقة بها كدولة كبرى أولى في العالم كانت تزعم أنها تفعل ما تريد!
ولهذا كانت رسالة أوباما لتركيا بان أمريكا تريد أن تستعين بتركيا. فاستعانة أمريكا بتركيا، أو على الأصح استخدام أمريكا لتركيا، ليس فقط فيما يتعلق بالوضع العراقي، بل هناك قضايا عدة تريد أمريكا استخدام تركيا فيها مثل قضية بلاد القفقاس وروسيا، وقضية الشرق الأوسط. ولهذا السبب أعلن رئيس أمريكا الجديد أوباما أنه سيقوم بزيارة تركيا قريباً. وكان أوباما قد وجه رسالة أخرى لإيران حتى يستعين بها بل يستخدمها في قضية أفغانستان إلى جانب قضية العراق.

السؤال الثالث: أصبح شيخ شريف أحمد رئيساً للصومال، فهل يعني ذلك أن المحاكم الإسلامية عادت إلى الصومال كما كانت قبل سنتين، وإن كان الأمر كذلك، فلماذا إذن تقف حركة الشباب المجاهد ضدها، وهي كانت من المحاكم أو قريبة منها؟ وإن كان شيخ شريف قد تغيّر وأن حركة الشباب المجاهد وقفت ضده لانحرافه، فهل يعني ذلك أن حركة الشباب المجاهد حركة صادقة مخلصة؟

الجواب:
نعم إن شيخ شريف أحمد اليوم ليس مثله بالأمس، فعندما كان رئيسا للمحاكم الإسلامية سابقاً، ووصل إلى الحكم في الصومال، كان حينذاك يقاتل الأطماع الخارجية في الصومال من الكفار المستعمرين، ويقول بتطبيق الشريعة الإسلامية، ولكن الوعي السياسي كان عنده ضعيفاً شأنه شأن غالب الحركات الإسلامية المسلحة، ولذلك أرسل له “المخلصون” وفداً ينصحه بأن لا يفاوض حكومة عبد الله يوسف فهي تابعة لأمريكا، ولا يفاوض أمريكا لا مباشرة ولا غير مباشرة عن طريق عملائها أو تحت ظل الأمم المتحدة أو الجامعة العربية أو الإتحاد الأفريقي... فكل ذلك لا تخلو أصابع أمريكا، بل أياديها، من العبث فيه وتحريكه. ونصحه الوفد كذلك أن يستمر في عدائه للكفار المستعمرين... غير أنه لم يأخذ النصيحة على وجهها، بل فاوض حكومة عبد الله يوسف في الخرطوم وفي ظل الأمم المتحدة والجامعة العربية والإتحاد الأفريقي...
هذا وهو في الحكم، أما بعد الاجتياح الأثيوبي وخروج شريف من الصومال إلى كينيا، ومن بعدُ، وصل إلى جيبوتي، وأصبح رئيس حركة تحرير الصومال جناح جيبوتي بعد انقسام المحاكم الإسلامية على نفسها، واستقرارهما في أسمرة وجيبوتي، مع أن الدولتين مواليتان للغرب...! خلال ذلك انغمس شيخ شريف في المفاوضات المباشرة وغير المباشرة، إلى أن وصلت به الأمور إلى أن يرأس حكومة في الصومال لا تختلف كثيراً عن حكومة عبد الله يوسف، بمباركة من أمريكا والغرب والعملاء... وسارت الأمور على النحو التالي:
1- بعد خروج شيخ شريف من الصومال على أثر هزيمة المحاكم الإسلامية نهاية عام 2006م، أمام القوات الإثيوبية التي دفعتها أمريكا لاجتياح الصومال نيابة عنها، عندما خرج إلى كينيا التقى مع السفير الأمريكي في كينيا بحضور مسئولين في وكالة المخابرات الأمريكية.
2- بعد أن انقسمت المحاكم على نفسها وأصبح لها جناحان، ترأس شيخ شريف أحمد جناح جيبوتي، وبدأت المفاوضات بينه وبين حكومة عبد الله يوسف وأثيوبيا إلى أن عقدت اتفاقية جيبوتي بتاريخ في 26/10/2008م.
3- لقد جاءت الاتفاقية برعاية أمريكية وبموافقة أثيوبية، وذلك لأن الجيش الأثيوبي تكبد خسائر عدة وكان يريد الخروج ولكن بحفظ ماء الوجه، أي باتفاقية تنص على ذلك، ولهذا فبعد توقيع الاتفاقية بدأت أثيوبيا تطلق التصريحات حول سحب قواتها.
فقد نقلت وكالة فرانس برس (أ.ف.ب) في 28/11/2008 أن أثيوبيا ستنسحب من الصومال بحلول نهاية العام وذلك في رسالتين رسميتين إلى الاتحاد الأفريقي والى الأمم المتحدة. وقالت هذه الوكالة أن وحيدي بيلا الناطق باسم الخارجية الإثيوبية قال لها: اننا توصلنا إلى الخلاصة بأنه من غير المناسب أن تبقي إثيوبيا قواتها في الصومال. لقد قمنا بعملنا ونحن فخورون بذلك، لكن الآمال التي وضعناها في المجتمع الدولي خيبت. وكان قد علق هذا المتحدث الإثيوبي من قبل بتاريخ 24/11/2008 لنفس الوكالة على الاتفاق في جيبوتي قائلاً : “أنه يصب في اتجاه موقف إثيوبيا وسحب قواتها بنظام”.
إن أثيوبيا يهمها أمر الصومال، ليس فقط كمحارب بالوكالة لصالح أمريكا، وإنما لأنها مجاورة لها وتحتل منطقة اوغادين الصومالية التي خاضت الصومال حربا مع اثيوبيا عامي 1977 و 1978 لاستعادتها ولكنها فشلت.فأثيوبيا تريد أن يكون في الصومال حكم لا يهددها ولا يطالبها بأوغادين، هذا فضلاً عن خدمة أثيوبيا لمصالح أمريكا في القرن الأفريقي، فأمريكا هي التي أرسلت إثيوبيا إلى الصومال، وهي التي طلبت منها الانسحاب بعد اتفاق جيبوتي في 26/10/2008م، عندما وجدت ضالتها في شيخ شريف.
4- لقد رأت أمريكا أن شيخ شريف هو الأقدر على مواجهة المجاهدين لأن له خلفية إسلامية، وأثيوبيا بوصفها دولة أفريقية لا تستطيع الاستمرار في مقارعة الإسلاميين، فكان الأفضل بالنسبة لأمريكا استخدام واحد من الإسلاميين للقيام بهذا الدور، ولقد سلطت أمريكا على شريف عملاءها في كينيا والسودان لاستمالته، وبخاصة السودان، يقول الخبير السياسي حسن مكي: “الحكومة السودانية أخبرت شريف أنه لا يمكن أن يتجاوز الأثيوبيين، ولا يمكنه أن يتعامل مع المجتمع الدولي وكأنه غير موجود، لذلك بدأ يستمع إلى هذه النصائح خاصة وأنه خريج المؤسسات التعليمية السودانية”، ويضيف: “وقد لعب الوسيط السوداني دوراً كبيراً في هذه المصالحات” –يقصد في محادثات جيبوتي
وهكذا نجحت أمريكا في استمالة شيخ شريف لدرجة أنه أصبح يمدحها، ففي مقابلة مع “صوت أمريكاـ القسم الصومالي” بتاريخ 20/2/2009 وصف السياسة الأمريكية تجاه الصومال بأنها ايجابية منذ انطلاق المفاوضات حتى الآن. وقال: نأمل أن تواصل تلك الجهود.”!
5- بعد أن أصبح شيخ شريف رئيسا للصومال بأغلبية الأصوات من البرلمان الذي كان في عهد عبد الله يوسف! كانت الخطوة التالية هي اختيار رئيس الوزراء. وهنا أيضاً جاء دور أمريكا، فقد تم اختيار عمر عبد الرشيد شرماركي الذي كان يقيم في الولايات المتحدة، وهو يوصف بالمعتدل حسب معايير الولايات المتحدة، وقد تقلد مناصب عدة في الامم المتحدة، وكان سفيرا للصومال في واشنطن في عهد حكومة عبد الله يوسف، وهو نجل رئيس صومالي سابق.
لقد حرصت أمريكا على توليته رئاسة الوزارة لإقامته السابقة في أمريكا، وكذلك لأنه لم يتلوث بالحرب الأهلية حيث كان بعيداً عنها وعن بلاده، لذلك كان له نوع من القبول عند عامة الناس في الصومال.
ومن الجدير ذكره أنه على عادة الدول المستعمرة، فإنها إذا وجدت مصلحتها عند رجل آخر غير الرجل الذي يخدمها حالياً فهي تلفظه لفظ النواة وتأتي بالآخر الذي يحقق مصالحها بقدرة أفضل، فإن أمريكا تخلت عن عبد الله يوسف الذي أصبح محروقاً ومكروهاً ومكشوفاً بخيانته للصومال، فاضطر إلى الاستقالة في 29/12/2008م والرحيل عن مقديشو إلى مسقط رأسه بونت لاند وهو الإقليم الذي حكمه منذ عام 1998م حتى عام 2004 عندما أعلن رئيساً للصومال، ثم لجأ في ما بعد إلى اليمن...
7- لقد ظنت أمريكا أنها بنجاحها في وصول شيخ شريف لرئاسة الدولة، وهو ذو الخلفية الإسلامية في المحاكم التي كان لها رأي عام خلال حكمها، وكذلك بوصول رئيس وزراء كان بعيداً عن الحرب الأهلية مما يجعل له قبولاً عند عامة الناس، ظنت بذلك أنها نجحت في الإمساك بالصومال، غير أن ظنها خاب بانكشاف أمر الحكم الجديد في الصومال، فتبيَّن أن هذه الحكومة لا تختلف كثيراً عن السابقة، سوى أنها تلبس لباساً أكثر زينة وجمالاً من لباس الحكومة السابقة.
إن الفارق بين الحكمين، إذا ما أحسنا الظن، هو أن عبد الله يوسف كان يخدم أمريكا على علم، وأن شيخ شريف يخدم أمريكا على جهل وهو يظن أنه يحسن صنعاً إلى الصومال! ولقد كنا نحب لشيخ شريف أن يبقى كما بدأ بعيداً عن مؤامرات الكفار المستعمرين، ولعله يعود إلى سيرته الأولى بإذن الله.
8- على ضوء ما انكشف من أمر هذه الحكومة، فقد استمرت مقاومة المسلمين على أشدها، وكان من أبرزها حركة الشباب المجاهد.
إن حركة الشباب المجاهد قد انفصلت عن المحاكم الإسلامية، جناح أسمرة وجناح جيبوتي، بعد أن وقَّعا اتفاقية اسمرا في أيلول 2007م، حيث اتهمتهما بأنهما تحالفا مع العلمانيين وتخلوا عن الجهاد في سبيل الله...
وهي تعلن أنها تريد الجهاد ضد أثيوبيا وضد أمريكا لتحرير منطقة القرن الأفريقي جميعها، كما تريد إقامة حكم إسلامي يتجاوز الوطنيات الضيقة... وقد أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية بيانا تعلن فيه بان حركة الشباب هي مجموعة متطرفة وعنيفة ينتمي عدد من أعضائها إلى تنظيم القاعدة.( صفحة الشعب الصينية 18/3/2008) وكانت الولايات المتحدة قد ألقت القبض في منتصف 2007 على زعيمها السابق إسماعيل عرالي وذلك في جيبوتي وأودعته في معتقل غوانتنامو. واختارت الحركة مختار عبد الرحمن “أبو الزبير” قائدا لها ومختار ربو “أبو منصور” ناطقا رسميا باسمها. (العربية 22/12/2007)، وقد رد هذا الناطق الرسمي على وزارة الخارجية الأمريكية بقوله: ” علاقتنا بالقاعدة هي علاقة المسلم بأخيه المسلم ومن صميم عقيدة المسلم هو (الولاء والبراء) و (أن نبتعد عن الكفار وأن نصل جميع المسلمين ونحبهم)” وقال بأن الحركة: “سعدت وتفخر بقرار الولايات المتحدة الأمريكية وضعها في لائحة الإرهاب”، وجاء في بيان صادر عن الحركة في 5/4/2008م، “نعلم علم اليقين أننا لم نُستهدف من أجل أننا صوماليون، بل من أجل أننا نحمل فكر الجهاد بمفهومه العام الذي لا يعترف بالحدود الوهمية ولا ما يُسمى بـ (الشرعية الدولية)”.
لقد نجحت حركة الشباب المجاهد في السيطرة على الكثير من المدن الصومالية تفوق بكثير سيطرة الحكومة. والظاهر من هذه الحركة أنها تقاتل الكفار المستعمرين بصدق وإخلاص... إلا أن نقطة الضعف، هي كما ذكرنا، في الحركات الإسلامية المسلحة ضعف الوعي السياسي، وإنا نسأل الله سبحانه لهذه الحركة الاستمرار في موقفها القوي ضد الكفار المستعمرين.
ومع ذلك فهي أكثر وعياً من الحزب الإسلامي الذي يعارض هو الآخر حكومة شيخ شريف، وهو مكون من حركات أربع أبرزها: حركة تحرير الصومال جناح أسمرة بزعامة حسن طاهر أويس، والحركات الثلاثة الأخرى في الحزب الإسلامي هي معسكر كامبوني، والجبهة الإسلامية، ومعسكر فاروق”، فقد سألت صفحة “موقع غرينج” بتاريخ 24/1/2009م،وهي صفحة مقربة من حركة الشباب المجاهد، سألت حسن طاهر أويس عن سبب وجوده في العاصمة الإريترية أسمرة، فأجاب هؤلاء أصبحوا لنا كما النجاشي للمسلمين الأوائل!! هكذا يقول!!
إننا نسأل الله سبحانه للحركات الإسلامية الإخلاص لله سبحانه والصدق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والوعي التام على مخططات الكفار ومؤامراتهم، فإنهم يكيدون للإسلام ويضمرون الشر له فوق ما يعلنونه {قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر}، ومن يركن إليهم فإنه يخسر دنياه وآخرته، وذلك هو الخسران المبين، وشواهد ذلك كثيرة مستفيضة...

6 من ربيع ثانٍ 1430 هـ

01/04/2009م