Logo
طباعة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

Al Raya sahafa

 

2025-05-21

 

جريدة الراية: خطوات سياسية مريبة تنذر بالخطر

 

 

إنّ ما تقوم به القيادة الحالية في دمشق من اندفاع مريب نحو السفارات الأجنبية وسفارات أدواتهم الإقليمية، وتقرّبها من رموز وأعوان النظام الساقط وتوظيف بعضهم في مفاصل الدولة وبحثها عن حاضنة بديلة في أوساطه، يمثّل تحوّلاً خطيراً ينذر بعواقب وخيمة على مرحلة ما بعد سقوط بشار وعلى مصير سوريا جميعها.

 

هذه السياسة المريبة تأتي بالتزامن مع تهميش المجاهدين الذين نذروا أنفسهم لنصرة ثورة الشام، وهم الذين كان لهم الفضل الأكبر بعد الله عز وجل على هذه القيادة في حملها وإيصالها إلى قصر دمشق بعد سقوط نظام أسد المجرم.

 

هذا التوجه الخطير لا يعدّ فقط تنكّراً لتضحيات أولئك الرجال الذين صنعوا النصر بدمائهم أو للحاضنة الثورية التي قدّمت الكثير على مدار سنوات الثورة، بل هو أيضاً انزلاق خطير نحو فخّ كبير تنصبه القوى الخارجية، تهدف من خلاله إلى زيادة وهن القيادة الحالية، وتجريدها من حاضنتها الشعبية، لتصبح في نهاية المطاف عارية من كل سند داخلي، لا تجد أمامها إلا الارتهان للعدو أو انتظار رصاصة الرحمة منه.

 

لقد بات هذا الوضع يطرح تساؤلات عميقة ومقلقة لدى المجاهدين والثوار وأوساط واسعة من أهل الشام: هل النصر الذي أكرمنا الله به يعبر فعلاً عن تطلعات الحكومة الجديدة وآمالها؟ هل ما تحقق هو وفاء لدماء الشهداء وتضحيات الجرحى والمعتقلين؟ أم أننا بصدد نصر ناقص مفرّغ من مضمونه، بل ربما يكون قد تحوّل إلى انتكاسة مغلّفة بشعارات النصر؟

 

إن السياسات الحالية المتبعة في دمشق، بما تحمله من انكفاء عن القيم الثورية وبما تحمله من مظاهر الارتهان للخارج، تزيد من فقدان القيادة الحالية للسيادة والاستقلالية، وتضعف قدرتها على اتخاذ قرارات مصيرية تخدم البلاد فضلا عن خدمتها لعقيدة أهل البلاد. كما أنها ترسّخ تبعيتها للقوى الدولية التي لا ترى في سوريا سوى ساحة لخطر مبدئي، حيث تعاظمت الخشية من خطر إقامة حكم الإسلام على أرض الشام، ولهذا ولتحقيق مصالحها تحرص أمريكا وأشياعها ومنافسوها على أن تكون لهم اليد العليا في سوريا.

 

ولا يمكن تبرير هذا الاندفاع باتجاه أحضان الدول وسفاراتها بحجة البحث عن الدعم أو الحماية أو القوة، فالقوة تنتزع انتزاعاً ولا تستجدى أو تهدى من عدو.

 

لقد كانت قيادة دمشق الحالية، ومنذ لحظة استلامها للسلطة، لا تمتلك مشروعاً سياسياً واضح المعالم بديلاً عن نظام بشار، ولا جاهزية حقيقية لإدارة المرحلة الانتقالية التي لم تكن تتوقع الوصول لها، ولا رجال دولة وشخصيات سياسية ناضجة قادرة على إدارة شؤون الدولة أو التعامل مع الأنظمة الدولية بمسؤولية وكفاءة. ولذلك، فإن سعيها الآن لاكتساب القوة من خارج الحدود ما هو إلا انعكاس لعجز داخلي وضعف في الرؤية وغياب للمشروع، وهو ما يجعلها تتخلى تدريجياً عن مكامن القوة الحقيقية لأي دولة وعلى رأسها الحاضنة الواعية الجاهزة للتضحية والتي هي السند الطبيعي القوي لأي حاكم، أما محاولة استنادها للدول والدعم الخارجي فإنه سيفقدها السيادة، والقرار المستقل ويجعلها عرضة للسقوط متى أرادت الدول ذلك.

 

لقد بات واضحاً أن هذه القيادة بدأت تفرّط بمقومات النهوض وتدير ظهرها للحاضنة وتتنكّر لمن لهم الفضل عليها، وبدلاً من أن تبني قوتها من داخل المجتمع وتعلي من شأنه، راحت تفكك بنيان القوة الداخلية بتهميشها أو باستبدال تحالفات هشة بها مع أطراف خارجية لا يؤمَن جانبها، أو بغرز أعوان آل أسد في صفوفها. وهذا ما سيجعل منها، عاجلاً أم آجلاً، أداة طيعة بيد خصوم الثورة وأعداء الحاضنة.

 

إنه لمن المسلمات السياسية الثابتة أن أي دولة أو قيادة تبحث عن الاستقرار الحقيقي والنهضة المستدامة لا يمكن لها أن تتنازل عن سيادتها أو ترهن قرارها مقابل دعم مؤقت أو شرعية زائفة، وإن الاعتماد على الخارج لن ينتج سوى التبعية والانكشاف، ولن يحقق إلا قوة وهمية سريعة الزوال، في حين إن البناء الحقيقي يكون عبر تمكين الشرفاء والاستعانة بهم وتعزيز الاستقلال السياسي، وتحقيق الاكتفاء الذاتي.

 

إن الرسالة التي يجب أن تصل للقيادة في دمشق اليوم، بكل وضوح وقوة، هي أن الطريق الذي تسير فيه خطر، بل سيقودها إلى الهاوية، وعليها إن أرادت فعلاً أن تحافظ على مكتسبات الثورة وتحافظ على نفسها؛ أن تعود فوراً إلى جذورها، إلى المجاهدين وإلى أبناء الثورة الصادقين، وأن تتوقف عن الارتهان والارتماء في أحضان القوى الخارجية. فالقوة الحقيقية تستمدها من التمسك بما يرضي الله عز وجل ثم بالاستناد إلى الحاضنة الصادقة، وهي لا تستجدى من السفارات، بل من الإرادة الحرة والقرار المستقل والسيادة الكاملة.

 

ومن لم يكن حسبه هذه الحقائق فحسبه قوله تعالى: ﴿فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ﴾.

 

 

بقلم: الأستاذ مصطفى سليمان

 لجنة الاتصالات المركزية لحزب التحرير في ولاية سوريا

 

 

المصدر: جريدة الراية

 

 

 

 

 

 

Template Design © Joomla Templates | GavickPro. All rights reserved.