- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2025-10-01
جريدة الراية:
الأمم المتحدة
والاعتراف بدولة فلسطين
تناقلت وسائل الإعلام العالمية قرار اعتراف 151 دولة من أصل 193 دولة أعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بدولة فلسطين، وإحجام أمريكا وألمانيا وإيطاليا ودول أخرى.
جاءت هذه الاعترافات بعد أكثر من 77 عاما على اغتصاب يهود لفلسطين عام 1948 وإقامة كيانهم المسخ عليها. وقد اعترفت به آنذاك 165 دولة، حيث كانت أمريكا والاتحاد السوفيتي البائد من أوائل الدول التي اعترفت به كدولة ثم عضوا في الأمم المتحدة، ومن أوائل البلاد الإسلامية التي اعترفت به عام 1949 كانت تركيا وإيران (حتى سنة 1979).
ولعل اعتراف بريطانيا اليوم بدولة فلسطين إلى جانب كيان يهود، هو ترسيخ للأساس الذي بني عليه وجوده، ليصبح كيانا شرعيا معترفا به ليس فقط من دول العالم، بل ومن الشعب الذي فقد أرضه، وشرد في أنحاء المعمورة وفقد عشرات الآلاف من أبنائه منذ اغتصاب فلسطين.
أما قرار أمريكا بعدم التصويت على قبول فلسطين دولة رسمية معترفا بها فهو قرار مؤقت وليس نهائيا. فمجرد اعتراف أمريكا بقيام دولة فلسطين، يصبح الطريق سالكا أمام مجلس الأمن ليتخذ قرارات صارمة لفك النزاع بين دولتين، بدلا من محاولة وقف الحرب التي شنها يهود على منظمات مسلحة تسعى لدفع العدوان عن نفسها وأرضها. وأمريكا لم تفرغ بعد من صياغة الشرق الأوسط كاملا على مقاسها، فهي ليست في عجلة من أمرها.
وإن كان ظاهر القرارات المتتالية بالاعتراف بدولة فلسطين، يبدو عليه التعاطف مع قضية شعب تم تشريده وقمعه من قبل وتجري عليه عمليات إبادة جماعية الآن، إلا أنه في حقيقته هو تثبيت للاحتلال الغاشم، والذي لم ينقصه شيء حتى الآن إلا الاعتراف به من أصحاب الشأن الأصليين، حسب شريعة الأمم المتحدة. وهذا الاعتراف لا بد أن يأتي من دولة لها شرعية رسمية، وقائمة بقرار دولي. من هنا كان استغلال هذا الظرف العصيب، والذي تظهر فيه الحلول الظالمة قاتمة السواد، بشكل مقبول، وحلة بيضاء. فبعد أن كان هناك رفض قاطع من أهل فلسطين وما حولها لمجرد تصور كيان يهود في فلسطين، أصبح هذا الآن مطلبا لهم، بشرط أن يتم المن عليهم بكيان مسخ منزوع السلاح والكرامة، أو كيان مندمج على شكل كونفدرالية كما تم تداوله في السابق مع الأردن.
ولئن كان احتلال فلسطين واغتصابها بقرار من رأس الأفعى بريطانيا، ثم بدعم وتأييد من رأس الظلم والاستبداد أمريكا، فإن قرار الاعتراف بدولة فلسطين التي لم يتم الاتفاق بعد على مكانها وحدودها، إن هذا القرار هو الإسفين الأخير في لعبة الدمار والاستعمار الخاص بالأرض المباركة فلسطين. وإذا أضيف إلى ذلك استمرار الكيان الغاصب أمام نظر المؤيدين لإقامة فلسطين في العالم، في بناء المستوطنات والاحتلال العملي لغزة والضفة الغربية، فإن الإعلان عن قيام دولة فلسطين يكون أشبه بملهاة يتلهى بها العملاء والمنبطحون أمام أسيادهم في أمريكا وبريطانيا.
ولا بد من التذكير هنا بالحقيقة الكاملة للمشكلة القائمة في فلسطين؛ وهي لا تتمثل بإقامة دولة لأهل فلسطين سواء أكانت على المحتل عام 1967 أو على جزء منه فقط، أو في شرق الأردن كما يروج له كيان يهود... فليست هذه هي القضية اليوم، ولم تكن كذلك من قبل أبدا. بل القضية من أساسها هي إنشاء كيان ليهود تم تهجيرهم طوعا وكرها من دول العالم المختلفة، وإقامة كيان لهم بعد اغتصاب أرض فلسطين بقرار من بريطانيا التي احتلت المنطقة بأكملها بعد هدم الخلافة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى، ثم قتل وتهجير أهل فلسطين من أرضهم، التي أصبحت جزءا من دولة الإسلام الأولى بعد استلام الخليفة عمر بن الخطاب مفاتيح القدس في اليوم الثالث عشر من شهر رمضان في السنة الخامسة عشرة للهجرة، الموافق 636م. هذا هو أصل القضية. شتات يهود في العالم، تم تجميعهم في أرض فلسطين بعد أن تم طرد أهلها منها، وإقامة كيان على شكل دولة لهم باعتراف المجموعة نفسها التي تعترف اليوم بقيام دولة للفلسطينيين خارج أرضهم التي هجروا منها!
من هنا كان ما حدث يومي الاثنين والثلاثاء 22-23 أيلول هو أشد خطرا، وأكثر سوءا وجرما من قيام كيان يهود قبل 77 عاما. فقبل هذا الحدث الخطير كانت هناك مسألة احتلال يستعصي حله، بسبب تأييد ودعم قوى الشر العالمية له. أما الآن فلن يعود كيان يهود شبحا مارقا، واحتلالا يؤول إلى زوال، بل يصبح حقيقة قائمة معترفاً به من أهل فلسطين ومن يشد على أياديهم.
أما عدم القبول بكيان لأهل فلسطين ليس فيه قابلية الحياة، والثبات على هدف التحرير الكامل فإنه مهما طال الزمن لا بد أن يتم التحرير. وإن كانت الأمة الإسلامية اليوم تقبع تحت نير حكام فجرة عملاء لقوى الشر والغصب، فإن هذا العهد لن يدوم وطغاة اليوم إلى زوال. ألم تر كيف فعل ربك بعاد؟ وألم تر كيف فعل ربك بثمود؟ وكيف أهلك فرعون وهامان؟ أوليس الله بالمرصاد لطغاة اليوم؛ أمريكا وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين؟ فاعتبروا يا أولي الأبصار، ولا تفرحوا كثيرا بقطعة عظم لا خير فيها رمتها لكم أمريكا وأشياعها، لتلهيكم بها عن حقكم الأصيل. فاصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم ترحمون، ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.
بقلم: د. محمد جيلاني
المصدر: جريدة الراية