Logo
طباعة
الرأسمالية المفترسة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الرأسمالية المفترسة

(مترجم)

 

 

 

الخبر:

 

تسببت آلية المراقبة الحكومية "غير المتوازنة"، كارتل السكر المزعوم وفوق كل شيء التخزين، في زيادة سعر التحلية بنحو 20 روبية للكيلو في آخر 15 يوماً فقط، مما ترك الأشخاص المتضررين من التضخّم بلا خيار سوى شراء السلعة بأسعار أعلى. (الفجر الباكستانية)

 

التعليق:

 

لا يزال الكثير من الناس يقضون الكثير من الوقت عالقين في الحنين إلى الماضي، في أحلام اليقظة حول تلك الفترة القصيرة من الازدهار التي جلبتها الرأسمالية. ولكن ما يسمى بالعصر الذهبي قد مضى الآن أطول مما مضى، والعالم الذي نشأ منه لم يعد موجوداً.

 

تعِدُ الرأسمالية الناس بحياة أفضل إلى الأبد، ودائماً ما تضع أمامهم جزرة جديدة. إنها تعد بجعل الطبقات الوسطى غنية ومحترمة ومحظوظة، لكنها تجعل من المستحيل على معظم الطبقة الوسطى تحقيق ذلك، لأن هدفها هو إثراء الرأسماليين، وليس أي شخص آخر.

 

والنتيجة هي نوع من الفجوة بين تطلعات الناس المأمولة، وواقعهم القاتم، حيث تأكل الرأسمالية من خلال دخولهم ومدخّراتهم ووظائفهم والمدن والبلدات والمجتمعات والقيم والأعراف، من أجل إثراء الرأسماليين.

 

تُمثّل الفترة بين عامي 2008 و2020 أكثر من عقد من الصعوبات التي يواجهها الاقتصاد العالمي. ففي عام 2008، ضرب الركود العظيم، تاركاً أثراً مدمراً من الخسائر التي تُقدر بتريليونات الدولارات والنمو الاقتصادي الهزيل. وفي عام 2020، أحدث فيروس كوفيد-19 هزة قوية أخرى للنظام الاقتصادي العالمي. لكن بعض الإحصائيات ترسم صورة محيرة. في عام 2009، بلغت ثروة جيف بيزوس مؤسس أمازون 6.8 مليار دولار. وفي عام 2020، بلغت ثروته 184 مليار دولار! في عام 2009، بلغت ثروة مارك زوكربيرج مؤسس فيسبوك ملياري دولار. وفي عام 2020، بلغت ثروته 103 مليار دولار! في الفترة نفسها، زادت ثروة أغنى 400 أمريكي من 1.27 تريليون دولار في عام 2009 إلى 3.2 تريليون دولار في عام 2020.

 

أفاد بنك UBS السويسري أنه في ذروة كوفيد-19، من نيسان/أبريل إلى تموز/يوليو 2020، شهدت أضخم الثروات ارتفاعاً بنسبة 27 في المائة لتصل إلى 10.2 تريليون دولار. وفي الوقت نفسه، تظهر تقديرات البنك الدولي أنه للمرة الأولى منذ عام 1998، من المتوقع أن يرتفع معدل الفقر المدقع مع وجود 115 مليون شخص آخرين في هذه الفئة. بالإضافة إلى ذلك، فإن حصة العمالة في الدخل العالمي آخذة في الانخفاض منذ السبعينات على الأقل.

 

شهد القرن العشرين ظهور "الرأسمالية المالية" مع وجود الشركات المالية في جوهرها. تعتمد المنتجات وتجارتها على حسابات معقدة وصيغ تقييم الأصول الأساسية. لكن القضية الرئيسية مع هذا التطور الخاص للرأسمالية هي أن الكثيرين لا يفهمون عملها. ففي حين إن التجارة والتداول كانت دائماً في متناول حتى أفقر الفئات، قد يكون من الصعب فهم الرأسمالية المالية حتى بالنسبة للأشخاص الأكثر ذكاءً.

 

الأمر الأكثر إثارة للقلق هو حقيقة أن المكاسب الكبرى تعود إلى أقلية صغيرة جداً. لوضع الأمور في نصابها، ضع في اعتبارك أن سقوط إمبراطوريات مثل روما أدى إلى تداعيات اقتصادية واسعة النطاق. في القرن الواحد والعشرين، استغرق سقوط شركتين فقط وهما بير ستيرن وليمان برذرز في زاوية من نيويورك لتفجر حدثاً كارثياً لم يُهدر فقط تريليونات الدولارات من الثروة العالمية والناتج المحلي الإجمالي، بل أدّى أيضاً إلى انتشار البطالة.

 

إن أصدق المؤمنين بحلم الرأسمالية بأنهم سيصبحون في يوم من الأيام رأسماليين سيتركون في الحضيض. ولكن عندما يُصبح الأشخاص الذين توقعوا أن يتحركوا صعوداً فجأة في الحضيض، لا يمكنهم عادةً تصديق ذلك ومعالجته وفهمه، لقد تحطّم واقعهم. نحن جميعاً ضحايا للرأسمالية، والرأسمالية نفسها تسبّبت في الأزمة التي تركتنا في مأزق نتوقع حياة أفضل ولكن تزداد سوءاً.

 

بالنسبة للجميع بشكل عام، والمسلمين بشكل خاص، حان الوقت ليس فقط للتشكيك في مدى ملاءمة العلمانية ونموذجها الاقتصادي الفاسد، بل العمل على إقامة دولة الخلافة التي يعطي نظامها الاقتصادي الأولوية لاحتياجات جميع الناس الذين يعيشون في ظلّها، وعلى عكس الرأسمالية التي لا تُمهد الطريق للنخبة الأكثر ثراء لتحقيق مكاسب ضخمة من خلال إضفاء الشرعية على الفساد من خلال قوانين من صنع الإنسان. نظام اقتصادي قائم على الذهب والفضة ولا يتعامل بالربا، لا ينهار بسبب الفيروس، ويوفر الثقة للمستهلكين في المجتمع. ضمان تداول الثروة هو هدف أساسي للاقتصاد الإسلامي، على عكس الرأسمالية. والهدف ليس جمع أكبر قدر من الثروة، ولا النمو بشكل دائم بل تلبية الاحتياجات الأساسية للرعايا قبل كل شيء.

 

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

محمد عادل

آخر تعديل علىالثلاثاء, 12 كانون الثاني/يناير 2021

وسائط

Template Design © Joomla Templates | GavickPro. All rights reserved.