Logo
طباعة
الذهب النعمة التي انقلبت نقمة في السودان!

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الذهب النعمة التي انقلبت نقمة في السودان!

 

 

 

الخبر:

 

تقرير لقناة سي إن إن، أعدته الصحفية نعمة الباقر حول نهب روسيا للذهب في السودان، أثار ضجة واسعة في أوساط أهل السودان الذين يعانون الفقر وانخفاض مستوى دخل الفرد فيه لأقل من 700 دولار في السنة، بينما تحدث التقرير عن ذهب خارج السيطرة الحكومية وخارج التقارير الرسمية يهرب بفاقد لخزينة السودان يقدر بـ13 مليار دولار سنوياً، وأكد التقرير أنه يبلغ الـ230 طنا من الذهب سنويا.

 

التعليق:

 

يعلم الناس منذ القدم بكمية الذهب الكبيرة لدرجة أنهم سموا منطقة في غرب السودان بمنطقة شنغلي طوباية، وتعني عند أهلها (تلقى لي دهباية) أي إذا رفعت أي طوبة ستجد ذهباً، فالسودان يحتل المرتبة الثالثة أفريقياً من حيث إنتاج الذهب، بعد دولتي جنوب أفريقيا وغانا عام 2017، ومن المتوقع أن يبلغ المرتبة الأولى، وقد اتجه السودان للذهب بعد فقدان ثلاثة أرباع موارده النفطية جرّاء انفصال دويلة جنوب السودان، والتي كانت تساهم بنسبة 70% من إيرادات خزينة الدولة، ليصبح الذهب المورد الرئيس للإيرادات العامة والنقد الأجنبي في البلاد، حيث ازدهرت خلال العقد الماضي عمليات التنقيب العشوائي عنه وفي أماكن متفرقة، وبحسب تصريحات الحكومة فإن الذهب يتوفر في جميع ولايات البلاد.

 

ولكن هذا الذهب أوقع حروباً ونزاعات، خاصة في غرب السودان، وما زال نزاع بني حسين والرزيقات على جبل عامر المليء بالذهب والذي سفكت عليه أرواح المئات بسبب حكومة البشير التي دفعت بالرزيقات (الجنجويد) دفعا لتحجيم سلطة بني حسين على جبل عامر، أما في أنحاء أخرى فتقع اشتباكات من نوع آخر بين المعدّنين الذين يستخرجون تراخيص، حيث تجابههم عقبات عديدة في الحصول على الذهب، وغالبا تحدث الاحتكاكات التي تقع بينهم وبين المعدنين الآخرين بسبب تعامل الحكومة العشوائي. فلا مرحبا بمنح التصاديق؛ إذ تمنح الحكومة الشركات مناطق للتعدين يعمل بها معدنون تقليديون، أو تعطيهم حق التنقيب في أراض تعود ملكيتها إلى الناس وهذا جعل النزاعات تصل حد الاشتباكات بين المعدنين والشركات التي تدخل مناطقهم باتفاق مع الحكومة.

 

ولعدم توفر أي ثقه في الحكومة في جانب شراء ذهب المعدنين زادت عمليات التهريب نتيجة لاحتكار التصدير الذي مارسته الحكومة رغم أنها تعلن أنها لا تحتكر الذهب، إلا أن ذلك لم يسهم في الحد من ظاهرة التهريب، بسبب وجود عوامل أخرى، منها ندرة النقد الأجنبي في البلاد والفروقات الكبيرة في سعر الدولار بين الأسعار الرسمية والسوق السوداء الموازية، ما دفع بالمنتجين للاستمرار في عمليات التهريب، فضلاً عن صعوبة مراقبة هذه العمليات في بلاد السودان الواسعة، بالإضافة إلى عدم قدرة الحكومة على حصر ما ينتجه المعدنون التقليديون بشكل دقيق. وكانت الحكومة البائدة تشتري الذهب من المنتجين بسعر الدولار الرسمي البالغ 47 جنيهاً، بينما يبلغ سعره في السوق السوداء 65 جنيهاً، وهذا الفرق الكبير دفع بالمنتجين إلى تجنب التصدير عبر القنوات الرسمية والحكومية واستبدال قنوات التهريب بها.

 

هكذا تحولت نعمة الذهب إلى نقمة يستفيد منها من تمنحه الحكومة عطاء من لا يملك لمن لا يستحق، والناس تعاني شظف العيش والضنك، فالذهب من الملكيات العامة التي أوجب الشرع اشتراك الناس بالانتفاع بها، جعلته الحكومة نهبا للشركات الأجنبية نتيجة للسياسات الرأسمالية المتبعة في السودان.

 

إن المعادن التي لا تنقطع، أي التي تتوفر بشكل لا ينفد، قد جعل الإسلام ملكيتها عامة. فالمعادن العِد التي لا تنقطع كالحديد والنحاس والفوسفات واليورانيوم وغيرها كلها من الثروات التي لا يجوز أن تكون مملوكة للأفراد ولا للشركات، بل تقوم الدولة باستخراجها، وتوزيع ريعها على الجميع إما نقدا أو في شكل خدمات حتى ولو لم يكن أحدنا معدّنا بحقه الأصيل فيها. ولن يتحقق هذا العدل إلا في دولة الرعاية؛ الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.

 

 

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

غادة عبد الجبار (أم أواب) – ولاية السودان

آخر تعديل علىالخميس, 04 آب/أغسطس 2022

وسائط

Template Design © Joomla Templates | GavickPro. All rights reserved.