Logo
طباعة
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام (ح250) تجعل حصص العلوم الإسلامية والعربية أسبوعياً ويفرق بين العلوم التجريبية وما هـو ملحق بها

بسم الله الرحمن الرحيم

بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام

(ح250) تجعل حصص العلوم الإسلامية والعربية أسبوعياً

ويفرق بين العلوم التجريبية وما هـو ملحق بها

 

 

الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ، وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ، وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ، وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ، والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ، خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ، الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ، وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ، فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ، وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ، وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ. 

 

أيها المؤمنون:

 

السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: "بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ" وَمَعَ الحَلْقَةِ الخَمْسِينَ بَعْدَ المِائَتَينِ، وَعُنوَانُهَا: "يَجبُ أَنْ تُجْعَلَ حِصَصُ العُلُومِ الإِسْلَامِيَّةِ وَالعَرَبِيَّةِ أُسبُوعِيّاً، وَيُفَرَّقَ فِي التَّعلِيمِ بَينَ العُلُومِ التَّجرِيِبِيَّةِ، وَمَا هُوَ مُلْحَقٌ بِهَا". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الوَاحِدَةِ وَالثَّلَاثِينَ بَعْدَ المِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:

 

المادة 173: يَجبُ أَنْ تُجْعَلَ حِصَصُ العُلُومِ الإِسْلَامِيَّةِ وَالعَرَبِيَّةِ أُسبُوعِيّاً، بِمِقْدَارِ حِصَصِ بَاقِي العُلُومِ مِنْ حَيْثُ العَدَدُ، وَمِنْ حَيثُ الوَقْتُ.

 

المادة 174: يَجبُ أَنْ يُفَرَّقَ فِي التَّعلِيمِ بَينَ العُلُومِ التَّجرِيِبِيَّةِ، وَمَا هُوَ مُلْحَقٌ بِهَا كَالرِّيَاضِيَّاتِ، وَبَينَ المَعَارِفِ الثَّقَافِيَّةِ. فَتُدَرَّسُ العُلُومُ التَّجرِيبِيَّةُ، وَمَا يَلْحَقُ بِهَا حَسَبَ الحَاجَةِ، وَلَا تُقَيَّدُ فِي أَيِّ مَرْحَلَةٍ مِنْ مَرَاحِلِ التَّعلِيمِ. أَمَّا المَعَارِفُ الثَّقَافِيَّةُ، فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ فِي المَرَاحِلِ الأُولَى قَبْلَ العَالِيَةِ وَفْقَ سِيَاسَةٍ مُعَيَّنَةٍ لَا تَتَنَاقَضُ مَعَ أَفْكَارِ الإِسْلَامِ وَأَحَكَامِهِ. وَأَمَّا فِي المَرحَلَةِ العَالِيَةِ فَتُؤْخَذُ هَذِهِ المَعَارِفِ كَمَا يُؤْخَذُ العِلْمُ عَلَى شَرْطِ أَنْ لَا تُؤَدِّي إِلَى أَيِّ خُرُوجٍ عَنْ سِيَاسَةِ التَّعلِيمِ وَغَايَتِهِ.

 

المادة 175: يَجبُ تَعلِيمُ الثَّقَافَةِ الإِسْلَامِيَّةِ فِي جَمِيعِ مَرَاحِلِ التَّعْلِيمِ، وَأَنْ يُخَصَّصَ فِي المَرْحَلَةِ العَالِيَةِ فُرُوعٌ لِمُخْتَلِفِ المَعَارِفِ الإِسلَامِيَّةِ كَمَا يُخَصَّصُ فِيهَا لِلطِّبِّ وَالهَنْدَسَةِ وَالطَّبِيعِيَّاتِ وَمَا شَاكَلَهَا.

 

وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ، يَا أُمَّةَ القُرآنْ، يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ، يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ، يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبّاً، وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيّاً وَرَسُولاً، وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجاً وَدُستُوراً، وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَاماً لِلْحَياَة، أَيُّهَا المُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ، فَوقَ كُلِّ أَرضٍ، وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ، يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ، أَيُّهَا المُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ، وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا، وَهَذِهِ هِيَ الْمَوادُّ: الثَّالِثَةُ وَالسَّبْعُونَ بَعْدَ المِائَةِ، وَالرَّابِعَةُ وَالسَّبعُونَ بَعْدَ المِائَةِ، وَالخَامِسَةُ وَالسَّبْعُونَ بَعْدَ المِائَةِ وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَذِهِ المَادَّةِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:

 

أولا: المادة 173: مَوَادُّ التَّدْرِيسِ لَا تَخْرُجُ عَنْ نَوْعَينِ: إِمَّا مَعَارِفُ عِلْمِيَّةٌ لِتَنْمِيَةِ العَقْلِ، لِيَحْكُمَ بِهَا الإِنْسَانُ عَلَى الأَقْوَالِ وَالأَفْعَالِ وَالأَشْيَاءِ مِنْ حَيثُ وَاقِعُهَا وَخَوَاصُّهَا، وَمِنْ حَيثُ مُوَاءَمَتُهَا لِفِطْرَةِ الإِنَسَانِ، كَالكِيمْيَاءِ وَالفِيزْيَاءِ وَالفَلَكِ وَالرِّيَاضِيَّاتِ وَغَيرِهَا مِنَ العُلُومِ التَّجرِيِبِيَّةِ. وَهَذِهِ المَعَارِفُ لَيسَ لَهَا عَلَاقَةٌ مُبَاشِرَةٌ بِبِنَاءِ الشَّخْصِيَّةِ. وَإِمَّا مَعَارِفُ شَرْعِيَّةٌ عَنْ هَذِهِ الأَقْوَالِ وَالأَفْعَالِ وَالأَشْيَاءِ، مِنْ أَجْلِ بَيَانِ الحُكْمِ الشَّرْعِيِّ التَّكْلِيفِيِّ فِيهَا، إِنْ كَانَ وَاجِباً، أَمْ مَنْدُوباً، أَمْ مُبَاحاً، أَمْ مَكْرُوهاً، أَمْ حَرَاماً، أَوْ بَيَانِ الحُكْمِ الشَّرْعِيِّ الوَضْعِيِّ إِنْ كَانَ سَبَباً، أَمْ شَرْطاً، أَمْ مَانِعاً، أَمْ رُخْصَةً وَعَزِيمَةً، أَمْ صَحِيحاً وَبَاطِلاً وَفَاسِداً، وَهَذَا يُكَوِّنُ العَقْلِيَّةَ الإِسْلَامِيَّةَ، فَإِنِ اقْتَرَنَتْ هَذِهِ الأَحْكَامُ الشَّرعِيَّةُ بِهَدَفِ اتَّخَاذِ المُسْلِمِ المَوْقِفَ الشَّرعِيَّ مِنَ الأَشْيَاءِ وَالأَفْعَالِ وَالأَقْوَالِ بِالمَيلِ، وَعَدَمِ المَيلِ، وَبِالأَخْذِ وَالتَّرْكِ عِنْدَ قِيَامِهِ بِالعَمَلِ لِإِشْبَاعِ غَرَائِزِهِ، وَحَاجَاتِهِ العُضْوِيَّةِ، وَهَذَا يُكَوِّنُ النَّفْسِيَّةَ الإِسْلَامِيَّةَ.

 

وَمِنَ العَقْلِيَّةِ الإِسْلَامِيَّةِ وَالنَّفْسِيَّةِ الإِسْلَامِيَّةِ تَتَكَوَّنُ الشَّخْصِيَّةُ الإِسْلَامِيَّةُ، الَّتِي تَجْعَلُ العَقِيدَةَ الإِسْلَامِيَّةَ أَسَاساً لِتَفْكِيرِهَا وَلِمُيُولِهَا. فَالإِسْلَامُ كَمَا طَلَبَ مِنَ المُسْلِمِ أَنْ يَتَفَكَّرَ فِي خَلْقِ الكَونِ وَالإِنسَانِ وَالحَيَاةِ، مِنْ مِثْلِ قَولِهِ تَعَالَى: (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ). (آل عمران 191)، وَقَولِهِ: (أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ). (الغَاشِيَة 17)، وَقَولِهِ: (كَذَٰلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ). (البَقَرَة 73)، طَلَبَ مِنَ المُسْلِمِ أَيْضاً الالتِزَامَ فِي أَحْكَامِهِ، وَأَفَعْالِهِ، وَمُيُولِهِ بِالأَحْكَامِ الشَّرعِيَّةِ، بِقَولِهِ تَعَالَى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً). (النِّسَاءُ 65)، وَقَولِهِ تَعَالَى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا).(الحَشْرُ 7)، وَقَولِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ).(التَّوبَة 23)، وقوله: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ). (التَّوبَة).

 

وَكَمَا أَنَّهُ مَطْلُوبٌ مِنَ المَدْرَسَةِ أَنْ تَكُونَ الحَاضِنَةَ الأُولَى لِبِنَاءِ شَخْصِيَّاتٍ إِسْلَامِيَّةٍ مُتَمَيِّزَةٍ، فِي عِلْمِ أُصُولِ الفِقْهِ، وَاللُّغَةِ، وَالتَّفْسِيرِ، فَإِنَّهُ مَطْلُوبٌ مِنْهَا أَيْضاً أَنْ تَكُونَ الحَاضِنَةَ الأُولَى لِبِنَاءِ شَخْصِيَّاتٍ إِسْلَامِيَّةٍ مُتَمَيِّزَةٍ بِالمَعَارِفِ العِلْمِيَّةِ كَعِلْمِ الذَّرَّةِ، وَالفَضَاءِ، وَالكُمبْيُوتَرِ. فَالأُمَّةُ الإِسْلَامِيَّةُ الَّتِي أَنْجَبَتْ قَادَةً أَفْذَاذاً فِي السِّيَاسَةِ وَالحُكْمِ وَالجِهَادِ كَأَبِي بَكْرٍ وَخَالِدٍ وَصَلَاحِ الدِّينِ، هِيَ الأُمَّةِ نَفْسِهَا الَّتِي أَنْجَبَتْ عُلَمَاءَ أَفْذَاذاً فِي الفِقْهِ وَالعِلْمِ كَالشَّافِعِيِّ، وَالبُخَارِيِّ، واَلخَوَارِزْمِيِّ، وَابنِ الهَيْثَمِ. فَالَهدَفُ مِنْ تَعْلِيمِ هَذِهِ المَعَارِفِ جَمِيعِهَا فِي المَرحَلَةِ المَدْرَسِيَّةِ هُوَ بِنَاءُ شَخْصِيَّةِ الطَّالِبِ الإِسْلَامِيَّةِ وَإِعْدَادُهُ لِخَوْضِ مُعتَرَكِ الحَيَاةِ العَمَلِيِّ، أَوْ إِعْدَادُهُ لِمُتَابَعَةِ تَعْلِيمِهِ العَالِي مِنْ أَجْلِ إِيجَادِ الشَّخْصِيَّاتِ المُتَمَيِّزَةِ اللَّازِمَةِ لِرَفْعِ مُسْتَوَى الأُمَّةِ الإِسْلَامِيَّةِ الفِكْرِيِّ وَالعِلْمِيِّ، لِتَكُونَ مُؤَهَّلَةً لِقِيَادَةِ العَالَمِ، لِتُخْرِجَ النَّاسَ كَافَّةً مِنْ ظُلُمَـتِ الكُفْرِ إِلَى نُورِ الإِسْلَامِ، وَمِنْ جَوْرِ القَوَانِينِ الوَضْعِيَّةِ إِلَى عَدْلِ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَكَذَلِكَ لِتَعْمَلَ عَلَى تَسْخِيرِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لِمَنْفَـعَةِ الإِنْسَانِ وَرَفَاهِيَّتِهِ فِيمَا يُرضِي اللهَ، امتِثَالاً لِقَولِهِ تَعَالَى: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا). (القصص77) وَعَلَيهِ فَإِنَّ الحِصَصَ الدِّرَاسِيَّةَ تَضُمُّ المَعَارِفَ العِلْمِيَّةَ، وَالمَعَارِفَ الشَّرعِيَّةَ، وَيَجبُ أَنْ تُوَزَّعَ الحِصَصُ لِتَفِيَ بِمُتَطَلَّبَاتِ هَذَينِ القِسْمَينِ؛ لِيَكُونَ المُسلِمُ قَادِراً عَلَى عِمَارَةِ هَذِهِ الأَرْضِ الَّتِي اسْتَخْلَفَهُ اللهُ سُبْحَانَهُ فِيهَا عَلَى الوَجْهِ الَّذِي يُحِبَّهُ اللهُ سُبْحَانَهُ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم.

 

وَالمَعَارِفُ العِلْمِيَّةُ الَّتِي نَعْنِيهَا هِيَ المَعَارِفُ الَّتِي لَيْسَتْ لَهَا عَلَاقَةٌ مُبَاشِرَةٌ بِوُجْهَةِ النَّظَرِ فِي الحَيَاةِ، وَغَيرُ مُنْبَثِقَةٍ عَنِ العَقِيدَةِ الإِسْلَامِيَّةِ، وَإِنَّمَا هِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَيهَا، كَالمَهَارَاتِ وَالمَعَارِفِ اللَّازِمَةِ مِنْ أَجْلِ إِعْدَادِ الطَّالِبِ لِخَوضِ مُعْتَرَكِ الحَيَاةِ العَمَلِيِّ. فَأَوَّلُ مَا يُبْدَأُ بِهِ هُوَ تَدْرِيسُ الطَّلَبَةِ مَا يَلْزَمُهُمْ مِنْ عُلُومٍ لِلتَّعَامُلِ مَعَ بِيئَتِهِمُ الَّتِي يَعِيشُونَ فِيهَا، كَالحِسَابِ وَالمَعَارِفِ العَامَّةِ عَنِ الأَدَوَاتِ وَالآلَاتِ الَّتِي يَسْتَعْمِلُونَهَا، كَالآلَاتِ الكَهْرَبَائِيَّةِ وَالإِلِكْترُونِيَّةِ، وَأَدَوَاتِ المَنْزِلِ، وَكَذَلِكَ قَوَاعِدُ السَّيرِ وَقَوَانِينُهُ فِي الطُّرُقَاتِ وَالشَّوَارِعِ، وَيُرَاعَى فِي تَعْلِيمِ هَذِهِ المَوَادِّ البِيئَةَ الَّتِي يَعِيشُ فِيهَا الطَّلَبَةُ، إِنْ كَانَتْ صِنَاعِيَّةً أَوْ زِرَاعِيَّةً أَو تِجَارِيَّةً، وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ البِيئَةُ جَبَلِيَّةً، أَوْ سَهْلِيَّةً، أَوْ سَاحِلِيَّةً، أَوْ كَانَتْ حَارَّةً، أَو بَارِدَةً. فَتَكُونُ الغَايَةُ مِنْ تَعْلِيمِ هَذِهِ المَوَادِّ حَتَّى سِنِّ العَاشِرَةِ هِيَ تَمْكِينُ الطَّلَبَةِ مِنَ التَّعَامُلِ مَعَ الأَشْيَاءِ المُحِيطَةِ بِهِمْ، وَمِنَ الانتِفَاعِ بِهَا حَسَبَ سِنِّهِمْ وَحَاجَاتِهِمْ.

 

أَمَّا بَعْدَ سِنِّ العَاشِرَةِ فَيُبدَأُ بِتَعْلِيمِهِمُ الرِّيَاضِيَّاتِ بِفُرُوعِهَا بِالتَّدرِيجِ، وَكَذَلِكَ العُلُومُ الأُخْرَى كَالفِيزْيَاءِ، وَالكِيمْيَاءِ، وَالأَحْيَاءِ، وَالرِّيَاضَةَ النَّافِعَةِ كَالسِّبَاحَةِ وَالقَفْزِ وَإِصَابَةِ الهَدَفِ. وَبَعْدَ سِنِّ البُلُوغِ يُضَافُ إِلَى المَهَارَاتِ التَّدْرِيبُ العَسْكَرِيُّ تَحْتَ إِشْرَافِ الجَيشِ، ثُمَّ تَتَوَلَّى المَعَاهِدُ العَالِيَةُ وَالجَامِعَاتُ تَنَاوُلَ مَا يَنْفَعُ الإِنْسَانَ مِنَ العُلُومِ بِالقَدْرِ اللَّازم.

 

250

 

ثانياً: المادة 174: دَلِيلُهَا عُمُومُ الأَدِلَّةِ الَّتِي أَبَاحَتْ تَعَلُّمَ العِلْمِ، فَإِنَّهَا تَشْمَلُ كُلَّ عِلْمٍ، فَيَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَتَعَلَّمَ كُلَّ عِلْمٍ، إِلَّا أَنَّهُ إِذَا كَانَتْ بَعْضُ العُلُومِ يُؤَدِّي تَعْلِيمُهَا إِلَى زَيغِ العَقَائِدِ أَوْ إِلَى ضَعْفٍ فِي المُعْتَقَدَاتِ، فَإِنَّ هَذِهِ العُلُومَ بِالذَّاتِ يَحْرُمُ تَعلِيمُهَا مَا دَامَتْ تُوصِلُ إِلَى ذَلِكَ، فَإِذَا فَقَدَتْ تَأْثِيرَهَا جَازَ تَعَلُّمُهَا، وَذَلِكَ عَمَلاً بِالقَاعِدَةِ الشَّرعِيَّةِ: (كُلُّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الشَّيءِ المُبَاحِ إِذَا أَوْصَلَ إِلَى ضَرَرٍ حُرِّمَ ذَلِكَ الفَرْدُ، وَبَقِيَ الشَّيْءُ مُبَاحاً). وَعَلَيهِ، فَإِنَّ عُمُومَ الأَدِلَّةِ المُبِيحَةِ لِلتَّعَلُّمِ وَالقَاعِدَةَ الشَّرعِيَّةَ، هِيَ أَدِلَّةُ هَذِهِ المَادَّةِ.

 

إِنَّ تَعَلُّمَ مَا يَزِيغُ العَقَائِدَ، وَيُضْعِفُ المُعْتَقَدَاتِ يُؤَثِّرُ فِي الأَطْفَالِ بِسُهُولَةٍ، وَلِذَلِكَ يُمْنَعُ تَعلِيمُهُمْ مِثْلُ هَذِهِ العُلُومِ فِي المَرحَلَتَينِ الابتِدَائِيَّةِ وَالثَّانَوِيَّةِ. أَمَّا المَرْحَلَةُ العَالِيَةُ فَإِنَّ مِثْلَ هَذِهِ العُلُومَ كَالفَلْسَفَةِ وَنَحْوِهَا يَجُوزُ أَنْ تُعَلَّمَ، وَلَكِنْ لِنَقْضِهَا وَإِبْطَالِهَا، وَلَا يُعَلَّمُ شَيءٌ مِنْهَا مِنْ غَيرِ أَنْ يُعَلَّمَ إِلَى جَانِبِهِ نَقْضُهُ وَإِبْطَالُهُ. فَإِنَّ القُرآنَ الكَرِيمَ قَدْ جَاءَتْ فِيهِ أَفْكَارُ وَعَقَائِدُ الآخَرِينَ، وَلَكِنْ جَاءَتْ فِي مَعْرِضِ بَيَانِهَا لِإِبْطَالِهَا وَالرَّدِّ عَلَيهَا. وَكَذَلِكَ عِندَمَا تُوضَعُ بَرَامِجُ التَّعْلِيمِ إِنَّمَا تُوضَعُ فِيهَا مِثْلُ هَذِهِ العُلُومِ فِي المَرْحَلَةِ العَالِيَةِ لِأَجْلِ نَقْضِهَا، وَبَيَانِ زَيفِهَا.

 

ثالثاً: المادة 175: دَلِيلُهَا فِعْلُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُ أَحْكَامَ الإِسْلَامِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالشُّيُوخِ وَالشُّبَّانِ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الإِسْلَامَ يُعَلِّمُ كُلَّ جيلٍ مِنَ النَّاسِ، فَيُعَلَّمُ فِي جَمِيعِ مَرَاحِلِ التَّعْلِيمِ. وَأَمَّا غَيرُ أَحْكَامِ الإِسْلَامِ مِنَ العُلُومِ وَالصِّنَاعَاتِ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ، إِلَّا أَنَّ وَاقِعَهَا أَنَّهَا تُعَلَّمُ بَعْدَ استِكْمَالِ طَائِفَةٍ مِنَ المَعَارِفِ لَا بُدَّ مِنْهَا كَأَوَّلِيَّاتٍ لِلدُخُولِ فِي بَعْضِ هَذِهِ العُلُومِ وَالصِّنَاعَاتِ، كَالطِّبِّ وَالهَنْدَسَةِ، وَلِذَلِكَ جُعِلَ تَعْلِيمُهَا بَعْدَ استِكْمَالِ هَذِهِ المَعَارِفِ. فَجُعِلَ تَعْلِيمُهَا فِي المَرْحَلَةِ العَالِيَةِ. وَبِنَاءً عَلَى وَاقِعِ المَعَارِفِ، وَفِعْلِ الرَّسُولِ وُضِعَتْ هَذِهِ المَادَّةُ؛ فَكَانَ ذَلِكَ هُوَ المُوجبَ لَهَا.

 

أيها المؤمنون:

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.

وسائط

Template Design © Joomla Templates | GavickPro. All rights reserved.