- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
السّودان: مثال آخر على فشل القومية
(مترجم)
وفقاً للقوانين التي تحكم النظام الحالي، لكل أمة الحقّ في اختيار القوانين التي تحكمها، وبالتالي، لكلّ أمة الحق في دولة. أدى هذا المفهوم إلى موجة من الدول الجديدة بعد الحرب العالمية الثانية، حيث انقسمت الدول القائمة، وبالتالي، حدثت الفوضى التي نشهدها اليوم.
منذ عام ١٩٤٥، كان هناك ما لا يقلّ عن ٣٤ دولة جديدة اعترفت بها الأمم المتحدة. نتج هذا عن موجة القومية التي اجتاحت العالم في العقود التي تلت منتصف القرن العشرين. رُسمت حدود وهمية لمنح الفصائل المختلفة الاستقلال والحقّ في الحكم، حيث سقطت دول مثل السودان الموحد سابقاً في صراعات واضطرابات.
لكن الانقسامات الجديدة لم تحلّ المشاكل القائمة، بل عقّدتها. في حالة السودان، إحدى طرق فهم هذا التعقيد هي النّظر إلى صناعته وقطاعه النفطي. كان قطاع النفط محورياً في الدولة الموحدة، وأصبح العمود الفقري للاقتصادين حديثي التكوين. تكمن المشكلة في أنّ الحدود فكّكت صناعة النفط السودانية المركزية سابقاً. في الدول حديثة التكوين، سيطر الجنوب على معظم حقول النفط، بينما سيطر الشمال على البنية التحتية للتصدير، بما في ذلك خطوط الأنابيب والمصافي. لذا، اعتمد جنوب السودان، الذي أصبح حديثاً غير ساحلي، على خطوط أنابيب السودان المؤدية إلى البحر الأحمر. أدى هذا الانقسام إلى نزاعات حول رسوم العبور، ما أدّى إلى تعطيل صادرات النفط مراراً وتكراراً - وهي صادرات لا تزال كلا الدولتين تعتمدان عليها في اقتصادهما. على سبيل المثال، في عام 2012، أوقفت جنوب السودان إنتاج النفط بسبب هذه الخلافات، وهي خطوة أثّرت بشكل كبير على عائدات كلا الدولتين. وبينما تم التوصل إلى اتفاقيات لاستئناف الصادرات، لا تزال التوترات والصعوبات الاقتصادية قائمة.
لذا، منذ عام 2011، ما لدينا هو دولتان منفصلتان تعتمدان بشكل كبير على بعضهما. لديهما الموارد، لكنهما تفتقران إلى التنمية اللازمة لاستغلالها. وهكذا، وعلى الرّغم من وجود حوالي 8 مليارات برميل من النفط فيهما، فإنّهما يعانيان من فقر مدقع.
يمكن أن يتغير هذا إذا اتحدت الدولتان واستقرتا. لن يحدث هذا في ظلّ النظام الرأسمالي الحالي. لقد أدى هذا النظام إلى تفاقم الصراعات بين الناس، ثم أعطاهم نظام حكم شجع أفكاراً مثل "البقاء للأصلح"، ما أدى إلى تأجيج التوترات داخلهما وبينهما.
لتغيير الوضع في السودان، وضمان استقراره السياسي وقدرته على التنمية الاقتصادية، لا بدّ من إعادته إلى لواء الإسلام. عندها، يُمكن استغلال قطاعه النفطي على النحو الأمثل، وتطوير قطاعه الزراعي، وتوسيع قطاعيه التعديني والصناعي، وتعزيز بنيته التحتية التجارية. وسيتمّ ذلك بتوجيه من الخليفة ومعاونيه الذين يدركون واجبهم في ضمان تنمية المناطق داخل الدولة الإسلامية، واستغلال الموارد، لصالح الأمة الإسلامية. وأنهم سيأثمون إذا تجاهلوا هذه المسؤولية.
من الممكن تنمية مساحة السودان، فلديه القدرة على أن يصبح منتجاً ومصدراً رئيسياً للغذاء بفضل أراضيه الزراعية الشاسعة، حوالي 84 مليون هكتار، 20% منها مزروع فقط. ويزرع محاصيل رئيسية، تشمل القطن والفول السوداني وبذور السمسم والذرة الرفيعة والقمح وقصب السكر. كما أنها غنية بالموارد المعدنية مثل الذهب والأسبستوس والكروم والميكا والكاولين والنحاس. ولديها البنية التحتية للعديد من الصناعات الخفيفة مثل المعالجة الزراعية وتجميع الإلكترونيات والبلاستيك وصناعة الأثاث وإنتاج المنسوجات.
لديها القدرة على توفير الموارد لبقية البلاد الإسلامية، مع الاستفادة مما تقدمه، نظراً لموقعها الاستراتيجي بين دول الخليج وغرب أفريقيا، ولديها إمكانية الوصول إلى البحر الأحمر.
الميناء البحري الرئيسي في السودان هو بورتسودان، وهو ميناء طبيعي عميق المياه قادر على التعامل مع السفن الكبيرة. كما يدعم أيضاً بضائع متنوعة بما في ذلك الحاويات والبضائع السائبة والنفط. هذا، إلى جانب الموانئ السودانية الأخرى، يوفر للبلاد اتصالاً مباشراً بممرات الشحن الدولية عبر البحر الأحمر. هذا لا يربط السودان بجيرانه الأفارقة فحسب، بل يربطه أيضاً بأسواق الشرق الأوسط بما في ذلك مدينة جدة الساحلية في المملكة العربية السعودية. وهذا مهم لأن جيرانها غير ساحليين وسيحتاجون إلى وصول السودان إلى البحر من أجل التجارة مع بقية البلاد الإسلامية. لا تقتصر هذه الإمكانيات على أفريقيا والشرق الأوسط، بل تمتدّ أيضاً، وربما إلى آسيا وأوروبا والخليج العربي، بفضل موقع السودان الاستراتيجي على البحر الأحمر وقربه من قناة السويس.
على الرغم من الاضطرابات الحالية، لا تزال البنية التحتية للبلاد تعمل بكفاية، حيث يُصدر السودان حالياً نفطه الخام إلى الإمارات وماليزيا عبر محطتي بشاير وPLOC البحريتين. تُرسل هذه الصادرات عبر البنية التحتية لموانئ السودان على البحر الأحمر، وتتكون في معظمها من النفط الخام المُنتَج في جنوب السودان.
لذا، ثمة إمكانية لأن تصبح المنطقة جزءاً مزدهراً من الدولة الإسلامية. بمجرد إعادة توحيد البلاد الإسلامية، سيتمكن السودان من ممارسة التجارة مع بقية الأمة الإسلامية. وهذا مهم لأن السودان ليس الدولة الوحيدة التي تتمتع بموارد طبيعية تكفي لتلبية العديد من الاحتياجات العالمية اليوم - فقد حظيت أفريقيا بأكملها بهذه الموارد؛ إذ تحتوي القارة على ما يقرب من 30% من احتياطيات المعادن في العالم، بما في ذلك الكوبالت والذهب والبلاتين والنحاس. كما تمتلك ما يقرب من 8% من احتياطيات النفط العالمية وحوالي 12% من احتياطيات الغاز الطبيعي العالمية.
إذا نظرنا إلى جيران السودان، فلدينا مصر، الغنية بالغاز الطبيعي والنفط. كما تتمتع بإمكانية الوصول إلى نهر النيل، وهو مورد مائي حيوي. وهناك إريتريا التي تتمتع بموارد معدنية كبيرة، بما في ذلك الذهب والنحاس والبوتاس، وإثيوبيا بإمكانياتها في مجال الطاقة الكهرومائية والأراضي الزراعية والمعادن. ثم هناك جمهورية أفريقيا الوسطى التي تتمتع بالماس والذهب واليورانيوم، وكل من تشاد وليبيا بمواردهما النفطية الكبيرة. على الرغم من كل هذه الثروة والإمكانات، تُعدّ أفريقيا موطناً لبعض أفقر دول العالم. فإلى جانب السودان وجنوب السودان، تعاني بقية الدول من الصراع والموت، وتُنهب مواردها وتُستغل.
في ظلّ دولة الخلافة، سيتغير هذا الوضع. ستستأنف الدولة الإسلامية التزامها بتنمية موارد الأرض، حتى نصبح (كأمة) مكتفين ذاتياً، لا نعتمد على الدول المعادية أو نستغلها. هذا أمرٌ أساسي، إذ لا يجوز منح أعداء الإسلام أي ميزة علينا. وكما نرى، من الممكن أيضاً، إذا كان لدينا قائدٌ قادرٌ على توحيد المسلمين في السودان وإخماد حالة عدم الاستقرار والاضطراب الحالية.
#أزمة_السودان #SudanCrisis
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
فاطمة مصعب
عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير