Logo
طباعة
  •   الموافق  
  • 2 تعليقات
ماذا نريد؟؟ إنهاء ولاية الرجل على المرأة، أم إنهاء ولاية الغرب على الأمة؟؟

بسم الله الرحمن الرحيم

 

ماذا نريد؟؟

 

إنهاء ولاية الرجل على المرأة، أم إنهاء ولاية الغرب على الأمة؟؟

 

 

ولاية الرجل على المرأة أو حكم القوامة، موضوع أرّق الأمم المتحدة ودفع كلّا من بريطانيا وأمريكا إلى المطالبة بإلغاء ما اعتبروه ظلما للمرأة وانتهاكا لحقوقها، وتعرّض سجلّ حقوق الإنسان في الخليج العربي وخاصة منه السعودية إلى هجوم أمميّ عنيف فيما يتعلّق بحقوق المرأة المسلمة، فيما دعت منظمة هيومن رايتس ووتش إلى تفكيك نظام ولاية الرجل على المرأة بالكامل باعتباره العائق الأكبر أمام ممارسة المرأة حقوقها، وعلى إثره، انطلقت حملات عبر مواقع التواصل الإلكتروني في السعودية تطالب بإلغاء قانون الولاية بالكامل.

 

والسؤال في هذا المقام، هل حقّقت بريطانيا وأمريكا لنسائها في الغرب الاستقرار والهناء والطمأنينة حتى تتصدّر المشهد الإصلاحي في بلادنا المسلمة ويُصبح الحديث عن حكم شرعي قضية أممية، فيما تصبح المرأة المسلمة محلّ استعطاف عالميّ لأن زوجها أو أباها أو أخاها هو وليّها والمسؤول عنها؟! ثم إن معاناة المرأة المسلمة ممتدّة إلى التذبيح والاغتصاب والاعتقال والتعذيب والتجويع في بورما وسوريا والعراق واليمن وفلسطين، أم أن بريطانيا وأمريكا لا تتحدثان عن معاناة صدّروها لنا وصنعوها بأيديهم؟!

 

الهجوم على الأحكام الشرعية المتعلقة بالمرأة المسلمة، هذا هو ديدن الغرب ماضيا وحاضرا، ونحن ندرك بداهة أن الغاية ليست الإصلاح وإنما الدمار للأسرة وللمجتمع وللأمة الإسلامية بأكملها لما يعنيه دور المرأة المسلمة وبناؤها الفكري المبدئي في المساهمة في نهضة أمتها أو انحطاطها.

 

يأتي الهجوم على حكم ولاية الرجل على المرأة في إطار المساواة بين الجنسين، هذه الفكرة الطوباوية التي تُحلّق بأهلها في الغرب إلى السماء ثم سُرعان ما تصدمهم بالأرض، حينما تناقض قوانينهم نفسها، وتعجز عن تحقيق المساواة حتى في الأجور، أمّا في بلادنا الإسلامية فالقوانين تأتينا مُعلّبة وتاريخ صلاحيتها يعتمد على الإملاءات الخارجية، أما فشلها فيُعَلَق على شمّاعة "الشرع" والعادات والتقاليد والقيود الدينية المفروضة والمجتمع الذكوري الظالم، لأن ضمان حقوق المرأة برأيهم موقوف فقط على إلغاء ولاية الرجل عليها!! فتعلو الأصوات من الخارج قبل الداخل "انتهى عصر الاستعباد، انتهى عصر الحريم، المرأة صارت مثقفة صاحبة شهادات، لقد أثبتت جدارتها وقادت المؤتمرات وقادت المجامع وقادت المحافل وقد آن الأوان لأن تتبوأ دورها وتأخذ مكانها"، وربما لَطّفوا العبارة وقالوا: "يداً بيد وجنباً بجنب مع الرجل"!!

 

ولذلك، كان حرص ولي العهد محمد بن سلمان في السعودية، على تحقيق ما عجز أسلافه عنه، بما اعتبره انتصارات للمرأة في المملكة، ضمن "رؤية 2030"، ليسترضيَ نُقاده الغربيين ويُتاجر بالأحكام الشرعية وبالمرأة على السواء، من خلال إدخال تعديلات على ولاية الرجل في خطوة نحو إلغائها واعتبار هذا الإنجاز وثبة كبيرة نحو "الحداثة" و"التقدم" في التعامل مع المرأة!

 

وإنّه من الخبث السياسي، أن تُتَعمّد الإساءة للحكم الشرعي بالإساءة لتطبيقه وتوظيفه ليكون مشكلا يُعيق مصالح الناس ومعاملاتهم في الوقت الذي شُرّع فيه الحكم الشرعي ليكون حلّا لأفعال العباد ومعالجة لعلاقاتهم وشؤونهم!! فصارت قوامة الرجل على المرأة تطال حتى استصدار وثائق رسمية وإدارة المصالح اليومية من عقود ومعاملات أو حتى العمل!

 

وهكذا زُجّ بحكم ولاية الرجل على المرأة في السعودية داخل منظومة تشريعية لا تمتّ للإسلام بصلة، بل هي قوانين علمانية في تأصيلاتها وتفريعاتها، لكنها مُغلّفة بالفتاوى وفق الطلب حتى تتناسب مع الشكل العام للمجتمع الذي ما زال يؤمن بصحة عقيدته وصحة الأحكام المنبثقة عنها، فشكّل هذا الحكم تناقضا من حيث الفكرة التي يقوم عليها ومن حيث تطبيقه عمليا!

 

ورغم ذلك، فإن المطالبة بإلغاء حق الولاية بالكامل ما زال مطروحا خصوصا أن الدعم دولي، وتشتغل عليه منظمات عالمية ومحليّة، ليكون آخر تصريح لناشطة سعودية في مجال حقوق المرأة للوكالة الفرنسية للأنباء "نحتاج إلى المزيد. يجب إلغاء نظام الولاية برمته!"

 

هل هذا ما تحتاجه المرأة المسلمة حقا؟ هل هذا ما يضمن لها حقوقها كاملة ويجعل منها إنسانا ناهضا راقيا مستجيبا لخالقه ملتزما بأمره سبحانه فيُحقق أسمى وظيفة في الحياة بأن يكون عبدا لله وحده!!

 

إن الأصل في الأحكام الشرعية أن تُطبّق كاملة ضمن نظام إسلامي يُنفذها ويحسن تطبيقها ويحافظ عليها، ليتحقق التوازن طبيعيا في الفرد والمجتمع والدولة ويكون الانضباط والالتزام بدافع تقوى الله قبل أن يكون بقوة السلطان! ومن هنا يكون حكم القوامة متناسقا مع النظام الاجتماعي ومع أحكام المجتمع ومع أعراف الناس وأفكارها وقناعاتها، فيتحقق به الخير والعدل، ويكون حقا امتيازا للمرأة المسلمة وليس مثلما يُصوّره الغرب بذلك المشهد الدرامي القاتم، بصورة الأب السجّان والزوج المتسلط، والابنة المقهورة المظلومة، أو كما يُطبقه الحكام بذلك الأداء المبتذل المستهتر، بدون ضوابط ولا محاسبة ولا قوانين تحميه!

 

إن قوامة الرجل على المرأة في الإسلام، هي قوامة تكليف من الله ومسؤولية للرجل، مثلما في جميع المؤسسات والمراكز والمجامع هناك أشخاص قوّامون على آخرين، كالمدير والرئيس والمسؤول، فوظيفة القوامة إذًا هي عمل تنفيذي يتبناه الرجل داخل مؤسسة الأسرة، تتعلّق بأعمال الإدارة والإنفاق وحسن الرعاية وتمام المسؤولية ودليلها بينه القرآن ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾.

 

والأفضليّة هنا ليست بميزان التقوى، أي ليسوا أفضل عند الله وأقرب وأتقى، وإنما تفضيل القوة الجسمية والعقلية والمادية، الذي تُقرّ به الفطرة السليمة والآراء المستقيمة، هذا التفضيل حكمة إلهية ليكون الرجل هو المسؤول، وليتهيّأ لمهامه الشرعية الموافقة لفطرته، فيما تتهيأ المرأة لمسؤولياتها ومهامها بما يُوافق فطرتها!! فالقضية إذا ليست مجرّد رجولة وقوامة وإنما تشريف يتبعه تكليف، لأن هذه القوامة تتوافق مع طبيعة الرجل كما تتوافق مع طبيعة المرأة ومع الخصائص التي أودعها الله لكلا الجنسين بما يناسبه، فيكون الرجل هو القائم على أهله والمسؤول عن حمايتهم ونفقتهم وتدبّر شؤونهم، فيما تقوم المرأة على مسؤوليات أخرى عظيمة وكبيرة! فليست القوامة مسحاً لشخصية المرأة، وإنما هي معاونة ورعاية وإحاطة، هذه القوامة لها حدود، هذه القوامة لها ضوابط!

 

فالاستغناء عن قانون القوامة ضمن نظام إسلامي، هو إخلال بسلسلة مترابطة هي اللبنة الأولى للمجتمعات وهي مؤسسة الأسرة، والاستغناء عن القوامة يُشقي المرأة ولا يُسعدها فتضطر لتحمل مسؤوليات أكبر من طاقتها وسعتها، وتضطرب فطرتها وكل حياتها، وبالمقابل فإن إلغاء القوامة يُضعف الرجل ويُوهنه، والمرأة تنأى عن رجل لا مسؤولية له ولا سيادة! ولنا في المجتمع الغربي خير مثال، حينما خالفوا الفطرة وادعوا العقلانية والاستنارة وجعلوا من المرأة والرجل جنسا واحدا لا اعتبار لخصائص كل منهما، فكان من الأسباب التي أرهقت المرأة واستنزفتها بدنيّاً ومعنويا وماديا، لأنها فقدت حاجة فطرية.

 

يقول الدكتور أوجست فوريل تحت عنوان "سيادة المرأة": "لا يمكن للمرأة أن تعرف السعادة إلا إذا شعرت باحترام زوجها، وإلا إذا عاملته بشيء من التمجيد والإكرام، ويجب أن ترى فيه مثلها الأعلى إما في القوة البدنية، أو الشجاعة، أو التضحية وإنكار الذات، أو في التفوق الذهني... وإلا فإنه سرعان ما يسقط تحت حكمها وسيطرتها... ولا يمكن أن تؤدي سيادة المرأة إلى السعادة المنزلية؛ لأن في ذلك مخالفة للحالة الطبيعية التي تقضي بأن يسود الرجل المرأة بعقله وذكائه وإرادته، لتسوده هي بقلبها وعاطفتها"...

 

لقد كان الأولى بالمرأة في الخليج أن تطالب بإلغاء ولاية الغرب الحاقد الذي يُريدها أن تضيع بالكامل كما ضاعت نساؤهم، وتتجرّد من هويتها ومن عقيدتها، وأن تطالب بإلغاء ولاية أمريكا على أرض الحرمين الشريفين واستنزافها للثروات والطاقات، وأن تطالب بإلغاء ولاية المخابرات الأمريكية التي تصول وتجول في بلادها دون محاسبة ولا سؤال!! فهل تغض الطرف عن هذه الولاية الغربية الحاقدة التي أهلكت الحرث والنسل ليكون سقف مطالبها متوقفا على ولاية الرجل لها؟! وهل ستستقيم حياتها حينما تعيش مخالفة للفطرة والدين أم أنها ستضلّ وتشقى؟!

 

من هنا فإننا ندعوكن أخواتنا في منطقة الخليج، بوصفكن جزءاً لا يتجزّأ من هذه الأمة العظيمة، أن نعمل على استئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة راشدة عادلة تحقق الخير والعدل وتضمن لكل ذي حق حقه، ونكون حقا جنبا لجنب في رفع الوصاية الغربية على بلادنا الإسلامية، لنحقق سيادة شرعنا وسيادة ديننا وسيادة أمتنا ويعود الغرب مذلولا مدحورا.

 

﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ

 

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

نسرين بوظافري

 

Template Design © Joomla Templates | GavickPro. All rights reserved.