Logo
طباعة
تعدُّد الزّوجات في الإسلام

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

تعدُّد الزّوجات في الإسلام

 

لقد أولى المفكّرون والباحثون الاجتماعيون وغيرهم الكثير موضوع تعّدد الزّوجات أهمية كبيرة باعتباره موضوعاً حساساً اشتد حوله الجدل كثيراً، وما زال وسيبقى طالما أن الحرب على الإسلام وأحكامه قائمة.

 

يُعتبر موضوع تعدّد الزّوجات مادة دسمة للنقد والطعن للهجوم على الإسلام والمسلمين، خاصة وأنه يتمّ إيهام الناس بأنَّ التعدّد مقصور فقط على الأمة الإسلامية، ولكن الحقيقة أنَّ التعدّد كان ولا يزال معروفاً عند أمم الأرض، وعلى مدار التاريخ قبل وبعد بعثة نبينا محمد r.

 

لقد كان تعدّد الزّوجات سائداً قبل ظهور الإسلام في شعوب كثيرة مثل الصينيين والهنود والفرس والمصريين القدماء والعبريين والعرب والشعوب الجرمانية والسكسونية التي ينتمي إليها سكان أوروبا الشرقية والغربية مثل ألمانيا والنمسا وسويسرا والسويد وهولندا والنرويج وغيرها، فالإسلام لم يُنشئ التعدّد، وإنّما حدّده، ولم يأمر بالتعدّد على سبيل الوجوب وإنّما أباحه وقيّده ووضع له أسساً تنظمه وتحدّ من مساوئه وأضراره التي كانت موجودة في المجتمعات البشرية التي انتشر فيها التعدّد.

 

ورد تشريع تعدّد الزوجات في القرآن الكريم وبالتحديد في آيتين فقط من سورة النساء وهما: قوله تعالى ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا﴾ وقوله تعالى: ﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ﴾ وتُفيد هاتان الآيتان أحكاماً شرعية تتعلق بحكم تعدّد الزّوجات في الإسلام.

 

فالآية الأولى نزلت على النبي r في السنة الثامنة للهجرة. وكان نزولها لتحديد عدد الزوجات بأربع، إذ كان إلى حين نزولها لا حدّ له. ومعنى الآية أنْ تزوجوا يا معشر الرجال ما حلّ لكم وطاب لكم من النساء، اثنتين وثلاثاً وأربعاً. ومثنى وثلاث ورباع معدولة عن أعداد مكررة، وقد وجب التكريرُ ليصيب كل ناكح يريد أن يتزوج عدة نساء ما أراده من العدد، على شرط أن يكون الجمع من الذي يريده، محصوراً في هذا العدد.

 

والآية الكريمة كما تبيح تعدّد الزوجات وتحدّده بأربع، ولكنها تأمر بالعدل بينهن، فمعنى قوله تعالى ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً﴾ هو إن خفتم ألّا تعدلوا بين هذه الأعداد فاختاروا واحدة. والآية تُرغّب في الاقتصار على الواحدة في حالة الخوف من عدم العدل، لأن الاقتصار على الواحدة في حالة الخوف من عدم العدل أقرب إلى عدم الجور، وهو ما يجب أن يتصف به المسلم، فمعنى ﴿ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا﴾ أي ذلك أقرب أن لا تجوروا.

 

إلّا أنه يجب أن يعلم أن العدل هنا ليس شرطاً في إباحة تعدّد الزوجات وإنما هو حكمٌ لوضع الرجل الذي يتزوج عدداً من النساء، في ما يجب أن يكون عليه في حالة التعدّد، وترغيب في الاقتصار على الواحدة في حالة الخوف من عدم العدل، وذلك لأن الكلام ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ﴾ لا يتأتى أن يكون شرطاً لأنها لم تتصل بالجملة الأولى ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ﴾ اتصال الشرط، بل هي مستأنف. فإنه أولاً أباح تعدّد الزوجات بأربع دون قيد ولا شرط، ودون أي تعليل. ثم جاء بحكم آخر وهو أن الأولى الاقتصار على واحدة إذا رأى أن تزوّجه بأكثر من واحدة يجعله أقرب إلى الجور.

 

أما ما هو العدل المطلوب بين الزوجات، فإنه ليس العدل المطلق، وإنما هو العدل في الزوجية بين النساء الذي يدخل في طوق البشر أن يقوموا به، لأن الله لا يكلّف الإنسان إلّا ما يُطيق، قال تعالى ﴿لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا﴾، نعم إن كلمة ﴿تَعْدِلُوا﴾ التي وردت في الآية الأولى عامة، ولكن هذا التعميم خصص فيما يستطيعه الإنسان بالآية الثانية ﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ﴾؛ فإن الله بيّن في الآية أنه محال أن نستطيع العدل بين النساء والتسوية، حتى لا يقع ميل البتة، ولا زيادة ولا نقصان فيما يجب لهن. فيكون خصص العدل المطلوب في غير المحبة واستثنيت من العدل المحبة والجماع، فإنه لا يجب فيهما العدل، لأن الإنسان لا يستطيع أن يعدل في محبته، ويؤيد هذا المعنى ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «كان رسول الله r يقسم فيعدل ويقول: اللهم إن هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك» يعني قلبه، أخرجه الحاكم وابن حبان.

 

وقد أمر الله تعالى اجتناب كل الميل، ومعنى ذلك أنه أباح الميل، لأن مفهوم النهي عن كل الميل إباحة الميل. فيكون معنى الآية اجتنبوا كل الميل، لأن الميل كل الميل إذا حصل منكم يجعل المرأة كالمعلقة، التي هي ليست ذات بعل ولا مطلقة. وقد رُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي r أنه قال «من كانت له امرأتان يميل لإحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة يجر أحد شقيه ساقطاً أو مائلاً» أخرجه ابن حبان في صحيحه.

 

هذا هو موضوع تعدد الزوجات كما وردت به النصوص الشرعية، أما واقع ما يحصل اليوم من تزييف لأثر هذا الحكم الشرعي على المرأة، على أنه ظلم يقع عليها وإجحاف بحقها، فهو عمل مقصود يُستهدف منه تشويه هذا الحكم الشرعي على أنه دعوة لخراب مستعجل للبيوت المستقرة. فكل ما يُطرح من مشاكل تعمّ الأسرة من استبداد وعنف ممارس وتشريد للأطفال وخراب البيوت العامرة، كأنه لا يحصل إلا في بيوت توجد فيها زوجة ثانية!

 

 لقد غاب عن أذهان هؤلاء المزيفين للحقائق أثر تعدّد الزوجات في الجماعة التي يُباح فيها تعدّد الزوجات إذ لا يحصل فيها تعدّد الخليلات، بينما الجماعة التي يُمنع فيها تعدّد الزوجات يحصل فيها تعدّد الخليلات. وعلاوة على ذلك فإن التعدّد يعالج الكثير من المشاكل التي تحصل في الجماعة الإنسانية بوصفها جماعة إنسانية، وتحتاج إلى أن يعالجها تعدّد الزوجات. وهاكم أمثلة من هذه المشاكل:

 

1- قد تكون المرأة عاقراً لا تلد، فإذا لم يبح للزوج أن يتزوج أخرى، كان عليه إما أن يُطلّق زوجته الأولى، وفي ذلك هدم للبيت وهنائه، وإما أن يُحرم من أن يتمتع بنسل وأولاد، وفي هذا كبت لمظهر الأبوة من غريزة النوع.

 

2- قد تكون الزوجة مريضة مرضاً يتعذر معه الاجتماع الجنسي، أو القيام بخدمة البيت والزوج والأولاد. ولا يريد طلاقها ولا تستقيم حياته معها وحدها دون زوجة أخرى.

 

3- قد يكون التناسل في أمة وشعب أو قطر لا يتساوى فيه الذكور والإناث، وقد يكون عدد الإناث أكثر من عدد الذكور، فينعدم التوازن بين الرجال والنساء، ويكاد يكون هذا هو الواقع في كثير من الشعوب والأمم. وفي هذه الحال لا يوجد هنالك حل يعالج هذه المشكلة إلا إباحة تعدّد الزوجات.

 

4- قد تحصل حروب أو ثورات تحصد الآلاف بل الملايين من الرجال ويختل التوازن بين عدد الرجال والنساء، كما حصل في الحرب العالمية الأولى والثانية بالفعل في العالم، فألمانيا مثلاً شجّعت على التعدّد لأن عدد الرجال الذين قضوا في الحرب كان كبيرا جداً، مما أدى إلى وجود خلل في الناحية الديمغرافية للسكان.

 

هذه مشاكل واقعية في الجماعة الإنسانية في الشعوب والأمم. فإذا مُنع تعدّد الزوجات بقيت هذه المشاكل دون علاج، إذ لا علاج لها إلّا بتعدّد الزوجات. إلّا أنه يجب أن يعلم أن هذه الحالات وأمثالها ممّا قد يحصل للإنسان وللجماعة الإنسانية هي مشاكل واقعية تحصل، وليست هي علّة لتعدّد الزوجات، ولا شرطاً في جواز التعدّد.

 

جاء الإسلام يبيح تعدّد الزوجات ولم يأت بوجوبه، ومع أن تعدّد الزوجات حكم شرعي ورد في نص القرآن الصريح، فإن الثقافة الرأسمالية والدعاية الغربية المغرضة والحاقدة على الإسلام بالذات دون سائر الأديان، قد صورت حكم تعدّد الزوجات تصويراً بشعاً وجعلته منقصةً وطعناً في الدِّين. وقد أثرت هذه الدعاية في المسلمين. فمنهم من وقف موقف المدافع وحاول التأويل الباطل لمنع التعدّد، جرياً منهم وراء ما تأثروا به من الدعاية الباطلة التي روجها أعداء الإسلام. ومنهم من وقف موقف هؤلاء الأعداء دون قصد فرفعوا الشعارات وصعدوا المنابر وأقاموا الحملات تلو الحملات مستخدمين شعار المساواة وحقوق المرأة الذي بات مطلباً عالمياً تُعقد له المؤتمرات وتسن لأجله القوانين الملزمة للتنفيذ والتطبيق في بلاد العالم الإسلامي دون سواه.

 

لهذا لا بدّ من تنبيه المسلمين إلى أن الحسن ما حسنه الشرع، والقبيح ما قبحه الشرع. وأن ما أباحه الشرع فهو من الحسن وما حرمه الشرع هو من القبيح، وأن تعدّد الزوجات سواء أكان له أثر ملموس حُسنه، أم لم يكن، وسواء أعالج مشاكل وقعت، أم لم يعالج، فإن الشرع قد أباحه، والقرآن قد نصّ على ذلك فهو فعل حسن، ومنع التعدد هو القبيح، لأنه من حكم الكفر. فإباحة التعدد وعدم وجوبه هو الذي يجعل تعدد الزوجات علاجاً من أنجع العلاجات للجماعة والمجتمع لدى بني الإنسان.

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

رنا مصطفى

 

 

Template Design © Joomla Templates | GavickPro. All rights reserved.