Logo
طباعة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الإعلام هو الوسيلة للتأثير على أبناء المسلمين وتمرير المشروع الغربي

 

إن ممّا ابتليت به الأمّة الإسلامية اليوم هو وُضوح الرؤية والفهم الصحيح لما جاء به الدّين الإسلامي من ركائز. فعدم وضوح الرؤيا يجعل منها لُقمة سائغة لأعدائها يتربّصون بها لهدم قيمها والقضاء عليها، وأهمّ ركيزة من بين هذه الركائز هي ركيزة التربية. ولذا لبحث هذه المسألة سننظر في جُملة النّقاط التالية:

 

أوّلا: هل حدّد الإسلام منهجا معينا للتربية؟

 

ثانيا: لماذا يعيش أبناؤنا كل هذا الضياع والتّيه رُغم ما نقدمه من مجهودات كبيرة في تربيتهم؟

 

ثالثا: إذا كان في الإسلام منهج للتربية فلماذا يُترك أبناؤنا في هذا الضياع؟ ثمّ ما هو الحل؟

 

لنُلقي الضوء أوّلا على مفهوم التربية:

 

ورد تعريف التربية لغة في مُعجم لسان العرب كالآتي: ربا يربو أي نما وزاد، كما ذُكر المصطلح في القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾. أمّا اصطلاحا فالتربية هي عمليّة تنشئة الشخصية المتكاملة المتزنة القادرة على اكتساب المهارات والقيم والأسلوب الأمثل في التّعامل مع الفطرة البشرية.

 

لقد كان للتربية الأثر الكبير في بناء شخصية أبناء الأمة الإسلامية على كل المستويات في العلوم والسياسة والفقه والأدب... والتّاريخ يزخر بالمؤلفات التي تُبين ذلك، ولقد كان مفهوم التربية عند المسلمين واضحا، فقد جاءت في الكتاب والسنة خطوط عريضة استنبط منها علماء المسلمين وسارت عليها الأمة والدولة، وإن لم يرد مصطلح التربية الإسلامية في القرآن الكريم، ولا في السنة النبوية الشريفة، فهذا لا يعني أنها غير موجودة ولكنها وردت بألفاظ تدل على معناها.

 

إنّ التربية في الإسلام هي منهجٌ كاملٌ ومتكاملٌ للحياة التي يعيشها الفرد، فالإسلام حريص على الفرد والمجتمع معاً، جاء في قوله تبارك وتعالى: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ، هي آية واحدة قادرة على أن تضع منهاجا كاملا للتعليم والتزام الطفل منذ نعومة أظافره، فالصّلاة من أعظم ما يلتزم به الإنسان لتكرارها، لذا وجب على الطفل أن يتعلمها حتى لا تشق عليه في كبره. والرسول ﷺ يقول في هذا المعنى: «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ». أحمد وأبو داود.

 

كما أن الآية الكريمة تُربي الطفل وتُهيّئه على تحمل المسؤولية من أوسع أبوابها، مسؤولية أمته بعيدا عن الأنا، فلا يراها في طريق الباطل ويسكت حتى تضيع ويضيع معها، فجاء الأب يُربي ابنه كي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر حتى يُنقذ أمته رغم علم الوالد أن ذلك سيُعرّضه إلى نقمة كبيرة ربما يدفع ثمنها كل ما يملك، ولكن هذا أمر الله الذي على المسلم أن يُدرك النجاة كل النجاة باتّباع هذا المنهج، وفي آخر الآية يُعلّم الأب ابنه أعظم القيم وهو يوصيه: يا بُنيّ لا جزاء بلا صبر، لا منحة بلا محنة، ولكن على ماذا الصبر، على شهادات ندفع ثمنها سهر الليالي حتى ننال العلا؟ أم على علوم نُحصلها وترفع من شأننا؟

 

وإن كان هذا مطلوباً وطبيعياً في الحياة ولكن الصبر الذي يُوصي به الأب ابنه هو صبر على المصائب والابتلاء الذي يستحق العزم في الأمر من شدة ما سيتعرض إليه من نقمة الواقع لأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر حتى ينال العُلا عند الله سُبحانه وتعالى وحتى لا يكون وُجوده في هذه الدنيا محصورا فقط في فنائها.

 

ففي الكتاب والسنة الخير الكثير من مثل هذه الآيات والأحاديث التي ترسم لنا كيف نُربّى أبناءنا.

 

إن ما تعيشه الأمة الإسلامية اليوم من قلق على أبنائها لهو أمر جلل وهي تقف عاجزة أمام ما يُحاك ضدها من تحدّيات عِدّة من أَطراف مُختلفة، منها تحدّيات خارجيّة: مُتمثّلة بمكائد الغرب المستعمر وأحقادهم وفِتنهم، وتحدّيات داخليّة (وهي الأخطر): في من يمثلون هؤلاء الأعداء ويقومون على تنفيذ أجنداته التي تُدمّر أبناءنا، ولعلّ أخطرها الإعلام وما يفرضه من أساليب فاسدة تهدم التربية فتجعل الآباء لا قُدرة لهم على حماية أبنائهم، فأمام هذا التيار الجارف أصبح الإعلام هو وحده المُلبّي لحاجات أبنائنا من الرّموز والقيم والمعايير تحت ما يُسمى بالعولمة والحديث الجذاب عن عالم بدون حدود والتعايش ضمن القيم الكونية. وهذا يعني إلغاء كل الفوارق بل الهوية في ذاتها، أي أننا بصدد عولمة الأنا التي حولت الهوية إلى مجرد أسطورة أو رجعية قديمة وتطرف وإرهاب يحمل في طياته طابعا تعسفيا من حيث هو تعبير مهذب عن اكتساح القوى المهيمنة على العالم بثقافتها الاستعمارية وتدمير ثقافة الأمة الإسلامية.

 

إن المشروع الغربي في عصر العولمة قد أصبح في عُهدة الإمبراطوريات السمعية البصرية بما تملكه من نفوذ وإمكانات وسُلطة تُمكنها من تقديم مادتها الإعلامية للمتلقي في قالب مشوق يجلب الانتباه عبر تكنولوجيا الإثارة والتشويق ويقارب عتبة المتعة ومعها يبلغ خطابه الأيديولوجي وأهدافه المدمرة فيُصبح المتلقي قابلا لتمرير جميع القيم والمواقف السلوكية دون اعتراض عقلي أو معاداة نفسية.

 

إن اكتساح الإعلام الغربي السمعي والبصري لكل الفضاءات واستئثاره بحيز زمني مهم من وقت المتلقين والذي يبلغ ذروته في النمط التلفزيوني والإلكتروني يجعل الجميع أقرب إلى العيش في عالم افتراضي أثيري يتألف من الصور والإشارات والنصوص المرئية المقروءة على الشاشات الإلكترونية بما يحمله هذا من تهديد لمنظومتنا التربوية في الإسلام، فأعداء الأمة يرغبون في جعل فلذات أكبادنا يعيشون في عالم افتراضي أثيري حتى يتمكنوا من تغريبهم عن الواقع الحقيقي، وهم يعلمون أن إحساس أبنائنا بالواقع سيحرك فيهم المطالبة بالتغيير، وهذا بالنسبة للغرب الكافر خط أحمر، فكان لا بد من أن يحصر حركة الأبناء في هذا الإطار الافتراضي الذي يفرضونه بالقوة ويُقصى كل إعلام يعرض نماذج حقيقية من واقع الأمة الإسلامية كما حدث لبعض القنوات التلفزية.

 

بهذه الممارسات الخبيثة يتحول أبناؤنا للعيش في مجتمع غير مجتمعه الأصلي، مجتمع تختلف قيمه وتتباين عن قيم مجتمعنا، فهو عبارة عن عالم تفشى فيه الانحلال، فما نراه في الإعلام اليوم من دعوة صريحة للمثلية والتركيز على الأطفال في الصور المتحركة حتى يتربى الأطفال على قيمه العفنة لهو أمر يدعو إلى القلق الشديد.

 

ختاما: إنّ الأمة الإسلامية لن تنجو من هذا الواقع الذي يُهدد أبناءها ويشلهم عن حركتهم الطبيعية بانتمائهم لخير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتحمل رسالة الإسلام للعالم كي تخرجه من الظلمات إلى النور، إلا بالخلافة الراشدة التي تقضي على الاستعمار بكل نُفوذه المتحكم في الأمة، ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً﴾.

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

سعاد خشارم

 

 

وسائط

Template Design © Joomla Templates | GavickPro. All rights reserved.