- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
العقدة الكبرى والعقد الصغرى
الحلقة الخامسة عشرة
رابعاً: عقدة الغيب
وهي عقدة ليست سهلة، بل يمكن القول إنها كبيرة نسبياً، بالنسبة لعقد أخرى أصغر منها، لكنها صغرى بالنسبة للعقدة الكبرى، فهي فرع عنها، وحلها مرتبط بحلها، لكنها تأخذ حيزاً كبيراً في حياة الإنسان، والسبب في كونها عقدة هو الارتباط الوثيق والشديد والحتمي بين الإنسان والغيب، لا بد أن يحدّد الإنسان صلته بالغيب، وإلا شكّل له مصدر قلق دائمياً، ومصدر خوف، وربما كان سبباً في أوهام كثيرة ومتعددة تسيطر على الإنسان، فتفقده الإحساس بالأمن والطمأنينة والرضا، وتجعله يعيش في قلق دائم، وقد يعبّر عنه كثيراً بعبارة (الخوف من المجهول).
وقد حلّ الإسلام هذه العقدة حلاً متميزاً، يحقق للإنسان الراحة والطمأنينة، فأوجب على معتنق هذا الحل أن يؤمن بأركان الإيمان:
- الإيمان بالله سبحانه وتعالى.
- الإيمان بالملائكة
- الإيمان بالرسل
- الإيمان بالكتب السماوية
- الإيمان باليوم الآخر
- الإيمان بالقدر خيره وشره من الله تعالى.
فالركن الأول الذي هو الإيمان بالله، هو الحل لعقدة الغيب، فصلة الإنسان بالغيب محصور بالله سبحانه وتعالى، ولا يجوز أن يكون لنا صلة بغيره من المغيبات، فهو أولاً عالم الغيب، وهو أخبرنا بما أراد من الغيب لحكمة أرادها سبحانه: (وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء).
وهو سبحانه الخالق لكل شيء، القادر على كل شيء، المالك لكل شيء، بيده وحده النفع والضر، وبيده وحده الخير والشر، وبيده وحده كل ما يريده الإنسان، وهو المانع وحده لكل ما يخافه الإنسان، فهو الملجأ، وعنده المنجى، وهو المستعاذ به من كل شر، علمنا سورتين قصيرتين نتعوذ بهما من كل ما نخاف ونحاذر، سورتي الفلق والناس، نتعوذ بهما من كل شر، ومن كل ما نخاف منه.
فلا يبقى عند الإنسان خوف من مجهول، لأن كل معلوم ومجهول بيد الله سبحانه وتعالى، وليس هناك من قوة أو قوى خفية غير الله سبحانه وتعالى، فلا نخاف سواه، وليس هناك أرواح تشكل خطراً علينا، ولا أشباح تظهر لنا من حيث لا نحتسب، بل إنه لا يصيب الإنسانَ إلا ما كتبه الله له، فيطمئنّ أنه ليس لأحد سلطان عليه غير الله تعالى، وليس أحد يملك له نفعاً أو ضراً إلا بإذن الله تعالى، فما دام الله سبحانه وتعالى أراد لي ما أراد من خير أو شرّ، وحدّد لي الموقف الصحيح مما يقع من خير أو شر، فإن الخير يقع خيراً عليّ، وإن الشرّ يقع خيراً عليّ: (عجباً لأمر المؤمن، كل أمره خير له، إن أصابته سراءُ شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له).
ومما طلب منا الإيمان به الإيمان بالملائكة، وأنهم عباد مكرمون، لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، وأن لهم أعمالاً يقومون بها، ومنها حماية الناس، والاستغفار للمؤمنين، ويسجلون على الناس أعمالهم، وينفذون أوامر الله تعالى.
والإيمان بالرسل، فقد أخبرنا الله تعالى عن إرساله رسلاً كثيرين إلى الأمم السابقة، وأن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ليست بدعاً من الرسالات، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم ليس بدعاً من الرسل.
والإيمان بالكتب السماوية، وأنه تعالى أرسل رسلاً لهداية الناس، وأرسل معهم كتباً فيها شريعة الله، ليلتزمها البشر، وأن كتاب محمد صلى الله عليه وسلم وسنته ليست بدعاً من الكتب والرسالات.
والإيمان باليوم الآخر، وهو الصلة بما بعد الحياة الدنيا، وفيه البعث والنشور، وهو يوم الحشر، ويوم الحساب، ويوم الجزاء، ويوم الدين، ويوم الفوز بالجنة للمحسنين، والهلاك والخسران للكافرين والمسيئين، فيتعلق الإنسان بهذا اليوم، ويعمل في دنياه بما أمر الله تعالى، ويجتنب ما نهاه عنه، ليفوز في ذلك اليوم، (فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ)
تبقى مسألة مهمة، تشكل عقدة عند كثير من أبناء المسلمين اليوم، وهي مسألة الجن، وللأسف أن هناك من علماء اليوم يسهمون بشكل كبير في زرعها في نفوس الناس، بل إن من جامعات بلاد المسلمين تدرس الفكرة في مناهج الفكر الإسلامي، ونجد الفكرة أيضاً عند حملة الشهادات العليا خاصة حملة شهادات الشريعة، وتسهم كثير من وسائل الإعلام بأنواعها المختلفة في تثبيت هذه الفكرة في أذهان الناس، وصارت عقدة عند كثير من الناس، ومهرباً لمن يعانون من مشاكل عائلية أو صحية أو نفسية، وهاجساً يطارد الكثير من الشباب رجالاً ونساءً اليوم.
ولقد قامت العقيدة الإسلامية بحلّ هذه العقدة، وتحرير الإنسان من أوهامها، بأساسين مهمين:
1- الأساس الأول: التفريق بين عالم الغيب وعالم الشهادة.
2- الأساس الثاني: كيفية التفكير عند الإنسان.
فمن جهة الأساس الأول كان الجنُّ من عالم الغيب، وتلقينا الخبر عن وجوده بالخبر اليقيني القطعيِّ في القرآن الكريم، ولولا أن الله تعالى أخبرنا عن وجودهم عن طريق رسله لما علمنا بوجودهم، لأنهم من عالم الغيب، وما داموا من عالم الغيب فإن الصلة بهم تحدّدها العقيدة الإسلامية، فلا صلة لنا بشيء من عالم الغيب إلا بالله سبحانه وتعالى، نتوجه إليه ونسأله ونستجير به ونلجأ إليه، ونحتمي به، ونرجو رضوانه ونخشى غضبه وعذابه. إضافة إلى أن الله تعالى ذكر في كتابه الكريم أن الصلة الوحيدة بيننا وبين الجن، ومنهم الشياطين، هي في أن الشياطين يوسوسون للبشر بقصد صرفهم عن شريعة الله تعالى، هذا من جهة الجن والشياطين، أما من جهة البشر فإن صلة البشر بهم هي أنهم يستجيبون لوسوستهم فيطيعونهم فيضلون، أو لا يستجيبون لوسوستهم، فيحمون أنفسهم من الضلال، وليس للجن والشياطين أيُّ سلطان على البشر، بنص صريح القرآن، في قوله تعالى في سورة إبراهيم: (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم) ففي الآية الكريمة ينقل الله سبحانه وتعالى عن الشيطان قوله: وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي، ولو كان له سلطان آخر لذكر، ولو كان هذا القول غير صحيح لكذبه الله سبحانه وتعالى، فهذه الصلة الوحيدة بيننا وبين الجن والشياطين، وواجب المسلم أن يتقي وسوسة الشيطان، بعدة أمور: الاستسماك بهدى الله تعالى وعدم الحيد عنه قيد أنملة، والاستعاذة بالله تعالى من الشيطان ووسوسته، وتلاوة المعوذتين، وإدراك واقع الوسوسة ليتجنب أثرها عليه بالاستعاذة والوقاية.
كتبها لإذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير
أبو محمد – خليفة محمد - الأردن
لمتابعة باقي حلقات السلسلة