المكتب الإعــلامي
البلاد الناطقة بالألمانية
التاريخ الهجري | 16 من رجب 1440هـ | رقم الإصدار: 1440 / 05 |
التاريخ الميلادي | السبت, 23 آذار/مارس 2019 م |
بيان صحفي
تصريح بخصوص العمليات الإرهابية في نيوزيلندا
(مترجم)
في 2019/3/15 وفي مدينة كرايست تشيرش النيوزيلندية تم مهاجمة مسجدين أثناء صلاة الجمعة. حيث قام مهاجم باقتحام المسجدين وفتح النار علي المصلين بسلاحه الرشاش، فقتل خمسين من المسلمين وجرح العشرات جراحا خطيرة. ومن بين الضحايا نساء وشباب وأطفال. وقد منعت شجاعة أحد المصلين وإقدامه من وقوع ضحايا أكثر، حيث اعترض المهاجم واضطره إلى الهروب.
والذي يميز هذا الهجوم في مدينة كرايست تشيرش هو أن المهاجم قام بالعمل بمنتهى الوضوح في غمرة النهار. فقد أعلن عن مخططه بمنتهى الوضوح وأظهر وجهه ونقل الهجوم بالبث المباشر في شبكات التواصل الإلكتروني. وكذلك لم يُخفِ دوافعه خلف عبارات مُبهِمة، بل عبر عنها بلغة واضحة، ذاكراً أسماء قُدواته وأسماء أعدائه، مسمعاً لنغمة الأغنية "أخوة في الروح"، مثبتاً لرموز إثنية قومية.
إن هذا السلوك يقودنا إلى استنتاج واضح:
لقد كان المعتدي على يقين من الوصول إلى عدد كبير من الجمهور، واثقاً من أن "الأغلبية الأخلاقية في الغرب" تقف خلفه، فقام بجريمته في إطار اجتماعي-سياسي متيقظا للخطر الإسلامي المزعوم، وبعبارة أخرى لم يكن تصرفه يشبه تصرفات مجموعة هزيلة من جماعات العنف المنتشرة، بل أخذت أعماله وإصداراته طابعاً واضحاً كحلقة من حلقات الصراع العالمي بين الغرب والإسلام.
فمن الناحية الموضوعية، يمكننا تحديد نطاق قناعاته بسهولة: مخاطر هجرة المسلمين على الهوية الأوروبية، الصراع الحضاري بين وجهتي نظر في الحياة. ويمكن أن يُعزى هجوم كرايست تشيرش إلى حدث محوري في عام 2001... إنها "الحرب على الإرهاب" التي أعلنتها إدارة بوش والتي أوجدت الإطار السياسي المطلوب لمنظور جديد تماماً عن المسلمين وعيشهم في المجتمعات الغربية. لقد كان ارتباط "الحرب على الإرهاب" بالتدابير الأمنية ومكافحة (الإرهاب) في واقعه ارتباطاً جزئياً فقط. فالهدف الحقيقي من هذه الحرب - الذي أعلنته الحكومة الأمريكية على الملأ وصرح بذلك حلفاؤها - كان في نقل الديمقراطية وفكرة الحرية إلى العالم الإسلامي. وقد نتج عن ذلك تصور أنه لا يمكن تحقيق أمن المجتمعات الغربية إلا من خلال تسوية وجهات النظر في الحياة والنظرة إلى الإنسان عند جميع الناس لتصبح نظرة أُحادية غربية. لقد كان هذا الخلط الخطير بين السياسة الأمنية وسياسة نشر المبدأ الذي اتبعته الحكومات في الغرب هو السبب وراء قيام المجتمعات الغربية كلها بإعادة نظر شامل لتعاملها مع المسلمين. وكانت النتيجة هي سياسة إدماج عدوانية بل وسياسة تذويب تمارسها الحكومات على حساب المسلمين. فبدأت الملاحقة والهجوم الممنهج على كل شيء يمثل الحياة الإسلامية: وقد جعل السياسيون من مختلف الأحزاب الإسلام عدواً وأعلنوا صراحةً تفوق الحضارة الغربية.
ففي ألمانيا تم صياغة وإشهار مصطلح "الثقافة الرائدة" من وزير الداخلية السابق توماس دي ميزير الذي طالما أكد عليها. وفي سويسرا تركت الحكومة للمواطنين المؤججين حق التصويت على حظر المآذن. أما في النمسا فقد وضع المستشار النمساوي سيباستيان كورتس مكافحة "الإسلام السياسي" على رأس أولوياته.
وقد شاركت وسائل الإعلام أيضاً في هذه الحملة. فقامت بنزع الصفة الإنسانية عن المسلمين من خلال تشويه صورتهم، وأثاروا المخاوف، وأوضحوا أن الكفاح على جميع المستويات لِصَدِّ الأسلمة أمر لا مفر منه. ووفروا للحاقدين على الإسلام المنصات في دوائر النقاش على شاشات التلفزة، وقاموا بالدعاية لكتاباتهم التحريضية، وجعلوا منهم زوراً "خبراء في شؤون الإسلام".
ولم تطل الآثار الدراماتيكية في المجتمع حتى أطلت برأسها. فمنعت المدارس الطلاب من ممارسة صلاتهم داخل الحرم المدرسي، وأغلقت الجامعات قاعات الصلاة ومنعت المنقبات من دخول قاعات المحاضرات، وحظرت الشركات ارتداء الحجاب لموظفيها، وأصبحت كراهية الإسلام في شبكات التواصل ظاهرة عامة. فكانت النتيجة نشوء ثقافة الكراهية والتحريض، ثقافة "الديماغوغيا"، ثقافة التشهير والإدانة، والإهانة والإيذاء! وظهرت أيضاً في أعقاب "الحرب على الإرهاب" أحزاب شعبوية تحريضية، وحركات يمينية متطرفة في جميع أنحاء العالم الغربي، داعية بشكل صريح سافر إلى وطن دون إسلام ومسلمين.
وقد أصبح العالم اليوم شاهداً على ظهور نوع جديد من الإرهابيين. إرهابيون يعملون في "مسارات" عقيدة الدولة المفروضة على الجميع، ويستمدون شرعيتهم منها، ويقومون على أساسها "بالحرب على المستوى المنخض". اعتبر قاتل كرايست تشيرش أن المسلمين الذين يعيشون في الغرب مع اختلافهم الثقافي يشكلون تهديداً وجودياً، ولا يمكن في النهاية التغلب عليه إلا بالوسائل العسكرية. وقد شبه مَنْطِقَه القتالي ببدايات سياسات الإدماج والتذويب الغربية، التي ظهرت في سياق النقاشات حول السياسة الأمنية، والتي تستهدف بالتالي القضاء على أعداء الدولة المزعومين.
يدعو حزب التحرير الدول الغربية إلى الإنهاء الفوري لهذا الخلط غير المسؤول بين مجالين سياسيين مختلفين. فطالما تُقَيَّم القضايا الاجتماعية - السياسية كالتعددية الأيديولوجية والدينية للمجتمع على خلفية اعتبارات السياسة الخارجية والأمنية ومناقشتها تحت هذا الضوء علناً، فإنه من المتوقع دوماً أن تحدث اضطرابات وأعمال عنف لا يمكن السيطرة عليها. لقد حان الوقت للاعتراف بأن هذه الحملة ضد الإسلام قد فشلت داخلياً وخارجياً. فالأحرى بالعالم الغربي، بدلاً من تعريض السلام الداخلي للمجتمع إلى الخطر بسبب هذا التعصب الأعمى، أن يعيد النظر في تعامله مع المسلمين وأن ينهي هذه الحملة لمصلحته الذاتية.
ونقول للمسلمين في كرايست تشيرش وفي كل أنحاء العالم إن هذا النوع من الجريمة يستوجب إيلاء الاهتمام ليس للجناة فحسب، بل - وقبل كل شيء - لشخصياتهم الملهمة، وكذلك للمحرضين الحقيقيين. وهم بالنسبة لنا معروفون.
فهؤلاء لا يجلسون في الغرف الخلفية ليخططوا في جنونهم إخراج مثل هذه المذابح، بل هم في مناصب عالية وفي مواقع تكريم في وسط المجتمع: في المؤسسة السياسية، وفي مكاتب تحرير وسائل الإعلام الرئيسية، وفي أي مكان يتم فيه صياغة الرأي العام.
ونحن كمسلمين يجب أن ندرك أن هذه الحملة ضد الإسلام تجرى على جميع المستويات: على المستوى الثقافي المبدئي في الدول الغربية من خلال التخويف والتحريض وسياسة التذويب القسري ضد المسلمين الذين يعيشون هنا، أما في البلاد الإسلامية فيضاف إلى ذلك السيطرة السياسية من خلال حكام نواطير، والنهب الاقتصادي والعدوان العسكري المباشر والاحتلال.
ولا يمكن مواجهة هذه الحملة إلا من خلال استحضار الإسلام كنظام شامل للحياة، كحقيقة أوحى الله بها، هي وحدها القادرة على إنهاء هذا الوضع المزري للمسلمين وتحقيق النهضة الحقيقية. فيجب علينا - حتى كمسلمين يعيشون في الغرب - التحرك بوحدة وحزم لإحداث تغيير سياسي ومجتمعي شامل في البلاد الإسلامية من خلال إقامة دولة الإسلام، الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي ستطبق الإسلام كنظام حياة، نظام الرحمة والعدالة، في جميع المجالات. عندها فقط ستنتهي حالة الضنك التي نعيشها، وعندها فقط سيستعيد المسلمون قوتهم ليكونوا تحت حماية دولة الخلافة حتى في البلاد الغربية، وعندها فقط سيرضى الله تعالى عنا.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾
المكتب الإعلامي لحزب التحرير
في البلاد الناطقة بالألمانية
المكتب الإعلامي لحزب التحرير البلاد الناطقة بالألمانية |
عنوان المراسلة و عنوان الزيارة تلفون: 0043 699 81 61 86 53 www.hizb-ut-tahrir.info |
فاكس: 0043 1 90 74 0 91 E-Mail: shaker.assem@yahoo.com |