- الموافق
- 2 تعليقات
بسم الله الرحمن الرحيم
2016-12-07
جريدة الراية: العصيان المدني في السودان
دعا ناشطون في شبكات التواصل الإلكتروني إلى عصيان مدني في السودان لمدة ثلاثة أيام بدأ يوم الأحد 27/11/2016، وذلك بعد أن رفعت الدولة أسعار المحروقات إلى أكثر من 30%، وكذا أسعار الدواء خضوعاً لروشتة صندوق النقد الدولي؛ الأداة الاستعمارية الناهبة لثروات الدول، فقد ارتفعت أسعار الأدوية وفقاً للقائمة التي أصدرها المجلس القومي للأدوية والسموم، عقب تحرير سعر دولار الدواء من (6.5 إلى 15.8) إلى ما يقارب 200% أو أكثر، مما أدى إلى حالة امتعاض وتململ بشكل واضح وقوي بين الناس، وقد أعلنت عدد من الصيدليات بالخرطوم بسبب هذه الزيادات، إغلاق أبوابها احتجاجاً على تحرير أسعار الأدوية، كما ارتفعت أسعار تذاكر الطيران الدولية العاملة في السودان بنسبة 150%، وبلا شك فقد أثر ذلك على ارتفاع أسعار السلع والخدمات بشكل غريبٍ عجيبٍ.
لهذه الأسباب وغيرها الكثير لاقت الدعوة إلى العصيان تفاعلاً من مختلف الفئات، إلا زمرة قليلة من المنتفعين، والمرتبطين مصلحياً بالنظام، ممن باعوا دينهم بدنيا غيرهم.
وقد كانت الدعوة للعصيان من القوة والتأثير مما ظهر بجلاء في ردة فعل الحكومة التي حاولت جاهدة إفشال العصيان بحركات استباقية، فقد عقد وزير الصحة الاتحادي أبو قردة، مُؤْتمراً صحفياً عاجلاً ظُهر يوم الجُمعة 25/11/2016م، بمكتبه بوزارة الصحة الاتحاديّة، أعلن فيه إلغاء قائمة أسعار الأدوية التي أصدرها المجلس القومي للأدوية السموم، وإقالة الأمين العام للمجلس بسبب الأخطاء التي وردت في الأسعار (على حد تعبيره)، وأكد أن (الزيادة كان لا بد منها، ولكن ليس بالمستوى الذي جاء في القائمة، التي كان واضحاً أنها بحاجة إلى مراجعة)، ثم وجهت وزارة التربية المدارس بتصريح نشرته كل الصحف أن يوم الأحد يوم دراسي ولا عطلة للمدارس، كما نشرت صحف السبت أن المالية تخفض ميزانية الدستوريين 50% وتوقف استيراد السيارات، وقام جهاز الأمن بإغلاق عدد من الصحف، وقناة تلفزيونية.
تأثر الناس بالدعوة إلى العصيان فلم يخرج الكثيرون إلى أعمالهم، وغاب كثير من الطلاب عن المدارس؛ إما تأييداً أو خوفاً من حدوث أعمال عنف كما تخيل البعض، وبعض الجامعات أغلقت أبوابها أو شبه أغلقتها، الحركة في الطرقات كانت خفيفة كأنها يوم العيد أو في عطلة رسمية. فقد فرض العصيان المدني نفسه على حديث الناس في كل مكان، وسيطر على الأجواء داخل البيوت. ولأول مرة منذ انقلاب نظام الإنقاذ في 1989م، لم تجد دعوة لعصيان أو نحوه التفاعل والتأثير كما وجدت الدعوة لهذا العصيان.
إن تفاعل الشباب في السودان مع دعوات العصيان المدني تشكل تهديداً كبيراً لنظام البشير، إذ إن هذه الفئة العمرية يصعب على النظام متابعتها، وضبطها، لكثرة أعدادها، ولصلتها الوثيقة بشبكات التواصل، وللتململ الذي أصبح واضحاً، عند الشباب في السودان للضيق الذي يلاقونه، بسبب فشل الدولة في إيجاد معالجة للوضع الاقتصادي بعد انفصال الجنوب، وكذا للصعوبات التي تواجه الشباب كالحصول على عمل كريم إلا بالولاء (الواسطة)، أو بمواجهة المصير المحتوم بركوب قوارب الموت المتجهة إلى أوروبا، ومما يزيد الشباب إحباطاً التصريحات المفتراة التي تصدر من قيادات الدولة استهزاءً بأيّ محاولة للمطالبة بالحقوق أو محاسبة الدولة على تقصيرها وفشلها في إدارة شؤون البلاد.
وبدل أن تعالج الحكومة الوضع استمرت باستفزاز الناس عبر تصريحات قياداتها الغريبة العجيبة مثل خروج وزارة العدل، لتقول إنه لا علم لهم بوجود معتقلين سياسيين، بالرغم من أن أخبار الاعتقالات فرضت نفسها على مواقع التواصل والأسافير، وتناولها الناس في مجالسهم ونقاشاتهم، مثل اعتقال شباب من حزب التحرير، ومحاولة تقديمهم لمحاكمات هزلية، القصد منها كسر صمودهم، وتصريح الرئيس الذي غادر البلاد في وقت تعاني فيه من الاضطرابات والدعوات إلى العصيان، ليقول من على بعد، (إن العصيان فاشل بنسبة مليون في المائة)، في حوار أجرته معه صحيفة الخليج الإماراتية، وتصريح وزير المالية: (منتفعون وراء إطلاق حملة أعيدوا الدعم للأدوية)، وهذه التصريحات وغيرها الكثير تصور المنهج الفرعوني (رمتني بدائها وانسلت).
العصيان المدني أسلوب راقٍ وجميل يغيظ الحكام الظالمين ويرديهم، ويجعلهم عاجزين عن الانتقام من رعاياهم كما هي عادتهم، وكذا يدل على وعي الناس وإبداعهم في صنع أساليب جديدة للمطالبة بحقوقهم بعد أن قتلتهم الحكومة لما خرجوا في أيلول/سبتمبر 2013م عند زيادة أسعار المحروقات محاسبين الدولة ومطالبين برعاية الشؤون ورفع المعاناة عنهم. ولعل هدف العصيان عند الكثيرين هو ممارسة ضغوط على السلطة، وعند آخرين تغيير السلطة في السودان، لكن في الأصل أن يوجه هذا الحراك، مدعوما بنشر الوعي، حول نقاط أساسية حتى لا يُسرق هذا المجهود كما سُرقت ثورات الربيع العربي من تجار السياسة وعملاء الغرب، تلك السرقات التي كانت بتخطيط غربي ومخابراتي بامتياز، والمؤمن لا يلدغ من جحر واحد مرتين! لذلك فليعلم الناس الآتي:
1/ إن الأصل في الحراك الجاد أن يكون لتغيير (النظام الفاسد)، لأنه أس الداء وسبب البلاء.
2/ وإن التغيير لا بد أن يكون للإسلام، بوصفه النظام الوحيد القادر على حل مشاكل البشر وذلك بتطبيق أحكامه السمحة الكريمة الرحيمة، تطبيقاً فعلياً شاملاً، لا شعارات ولا أمنيات.
3/ لا بد أن يعلم الناس بشكل عميقٍ ومفصل أن الإسلام له دولة واحدة وهي الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
4/ وأن النظام في السودان وأتباعه سيحاولون احتواء هذا الحراك بشتى الوسائل الخبيثة وما شابهها.
5/ إنَّ نشر الوعي على النقاط الأساسية أعلاه هو صمام الأمان من سرقة جهود الناس وتوجيهها إلى وجهة خبيثة. ولنا في الربيع العربي شاهد ودليل.
إذن في هذه المرحلة لا بد للمخلصين من أبناء الأمة أن يكونوا مع الأمة؛ كالضابط مع جنوده، الذي يوجه جنوده في المعارك للنصر وللخير وإلى ما يحفظهم ويحميهم، ويحذرهم من هجمات الأعداء، وأعوانهم، وما أكثر الأعداء اليوم.
وقد قام بعض الناشطين من أبناء الأمة المخلصين بنشر هاشتاق (#أعيدوا_الحكم_بالإسلام) و(#السودان_خلافة_راشدة) وذلك لتوعية الأمة ولتوجيه جهودها وحشد طاقاتها العظيمة لتأييد مشروع الأمة الكريم؛ وهو إقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة وعد الله تعالى وبشرى رسوله e. التي أسفر فجرها ولاحت بشائرها وعلا ذكرها لا تنكرها إلا عينٌ أمرضها الرمد، قال تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا﴾.
بقلم: محمد جامع (أبو أيمن)
مساعد الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان
المصدر: جريدة الراية
2 تعليقات
-
جزاكم الله خيرا وبارك جهودكم
-
بوركت كتاباتكم المستنيرة الراقية، و أيد الله حزب التحرير وأميره العالم عطاء أبو الرشتة بنصر مؤزر وفتح قريب إن شاء الله