- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2017-01-25
جريدة الراية:
من ينادي بالإصلاح في الأردن
ينتهي به المطاف في محكمة أمن الدولة!
قام مدعي عام محكمة أمن الدولة في الأردن يوم الثلاثاء 17 كانون الثاني/يناير بتوجيه تهمة (التحريض على تقويض نظام الحكم) لثمانية أشخاص بينهم نائب سابق، بسبب منشورات لهم على موقع "فيسبوك" وقد أوقفتهم الأجهزة الأمنية منذ يوم الخميس 12 كانون الثاني/يناير على ذمة القضية.
وفي التفاصيل أن القبض عليهم جاء بعد ساعات فقط من عقدهم اجتماعا في بيت أحدهم يوم الخميس فيما عرف لاحقا باجتماع (الموت أو إصلاح البلد) لصياغة مطالبهم وتحديد آليات البدء في تحرك شعبي واسع النطاق يطالب بالإصلاح السياسي والاقتصادي، كما يكشف عن بؤر الفساد ويفضح الفاسدين.
وتمحورت مطالب الاجتماع على نشر قوائم بأسماء الفاسدين، والمطالبة بإبعادهم عن المسؤولية، وإرسال وفد إلى السفارة البريطانية في العاصمة عمان للمطالبة بجلب وليد الكردي "وهو متهم بقضية فساد"، وتوجيه رسالة واضحة للملك للقاء المعارضة.
كما ناقش الاجتماع أيضا، المطالبة بإلغاء التعديلات الدستورية الأخيرة ومخاطبة السفارات بذلك، وإلغاء محكمة أمن الدولة، وإلغاء الأحكام القضائية بحق الحراكيين وإعادة المفصولين عن العمل بالإضافة إلى وضع برنامج الإصلاح الاقتصادي بتحديد حد أعلى للرواتب وبأثر رجعي،... وجمع تواقيع الأردنيين على ذلك.
وكان النائب السابق قد نشر على صفحته على الفيس بوك في الخامس من كانون الثاني/يناير متسائلا "ما الذي يجري في الأردن"، «وهل يعلم الملك بذلك؟". وقال في بيانه الذي جاء بعنوان (النداء الأخير) "شعب يجلد كل يوم بالضرائب ورفع الأسعار حتى شارف على الجوع". وأضاف موجهاً كلامه للملك "تكلم وقل شيئا، نتمنى أن نسمع منك خطاباً شاملاً يوضح كل شيء".
اللافت للنظر في هذه الأخبار أن غالبية المعتقلين هم من أبناء النظام؛ فأحدهم لواء متقاعد من دائرة المخابرات وناطق فيما يسمى تيار المتقاعدين العسكريين، وآخران برتبة عميد متقاعد ونائب سابق ونشطاء حراكيون. وجاء الاعتقال قبل مناقشة إقرار الموازنة وتمرير حزمة من القرارات تفضي لرفع الأسعار والتضييق على أهل البلاد.
ولفهم الحدث لا بد من النظر إليه في سياق الوضع العام للأردن وللمنطقة بشكل عام. فالظروف الاقتصادية للأردن والمديونية المتفاقمة والعجز في الموازنة وشروط ووصفات صندوق النقد الدولي التي لا ترى حلولا اقتصادية إلا بفرض ضرائب جديدة ورفع كل أشكال الدعم عن السلع والخدمات مما يفاقم الأوضاع المعيشية للناس في ظل تجمد عجلة الاستثمار وتوقف المنح الخليجية، بالإضافة للسرقات والفساد المستشري في كل مناحي ومكونات الدولة ورجالاتها، حتى أصبحت البلاد تعتمد اعتمادا كليا على القروض والمنح ولا يمكن أن تستغني عن الاقتراض والاستجداء لدرجة أن قاضي القضاة (إمام الحضرة) وفي خطبة الجمعة الماضية يعلنها صراحة ويستجدي بكل صفاقة من نواطير الخليج ويطلب عونهم ومالهم ويقول إن السيل قد بلغ الزبى... وأن إخوانكم في الأردن ضاقت الأخطار حولهم واشتدت... ويحذر من دعاة الفتنة ويشدد على التحذير من الخروج إلى الشوارع.
إضافة للوضع الأمني وما سمي (بالاختراقات!) التي حدثت في البلد وكان آخرها ما حصل في الكرك وقريفلة ومعان وما لحقها من تغييرات في مواقع قيادة الأمن والتغيير الوزاري والتغيير في الديوان الملكي. وبعد هذه الاعتقالات والتغييرات، مررت الموازنة وأُقرت في مجلس نواب (الشعب!!) وبكل ملاحقها، بل تفتحت قريحة بعض نواب الأمة باقتراح وسائل وأساليب أخرى لم تخطر على بال الحكومة وفريقها لفرض ضرائب جديدة لرفد الموازنة في قادم الأيام.
وعلى صعيد المحيط الإقليمي والدولي؛ فالشام ما زالت المؤامرات تستعر فيها، وإن ظن النظام وأعوانه أنهم قد انتصروا بعد سقوط حلب وانطلاق مفاوضات أستانة، والتغيير في الإدارة الأمريكية ومجيء الجمهوريين للحكم برئاسة ترامب، وتهديداته وتصريحاته وخاصة فيما يتعلق بالقدس ونقل السفارة الأمريكية إليها مما يشعر النظام بالتهديد، وخاصة في موضوع الوصاية على المقدسات بعد التحركات التركية والسعودية في هذا الموضوع.
ولكل ما سبق فأي تهديد للنظام ولرأس النظام وإن كان لفظيا (المطالبة بإلغاء التعديلات الدستورية) أو كان تهديدا بالنزول للشوارع أو تجاوزاً للنظام بمخاطبة السفارات الغربية، سيجابه من قبل النظام وأجهزته بالقمع والمحاكمة والسجن، ولا أدل على ذلك ولا أبلغ من اعتقال النظام حتى لأبنائه إن تجاوزوا الخطوط الحمراء، ويبدو أن النظام يستشعر الخطر فعلياً ويخشى أن يُستغَل أي تحرك في البلاد من قوى إقليمية (إيران وسوريا) أو دولية (أمريكا) لتغيير حقيقي في بنية النظام، فقام بمغازلة الجمهوريين بالتعديلات الوزارية، وقام بعقد لقاءات مع رؤساء وزراء سابقين ابتعدوا أو أبعدوا سابقا، بالإضافة لممثلين عن اليسار وعن الحركة الإسلامية واستمع رأس النظام لملاحظاتهم وآرائهم، في محاولة لتنفيس غضب الشارع وخاصة قبيل استضافة الأردن للقمة العربية في آذار القادم، مع وعد بإدامة هذه اللقاءات ومع فعاليات مختلفة في البلد، ويظن النظام أن سياسة تكميم الأفواه والقمع والتهديد ستجنبه أو تنقذه من مستقبل مظلم بدأ يستشعر ويحس به قادما لا محالة.
مصيبة أهلنا في الأردن وفي غيرها من بلاد المسلمين، وأس الداء والبلاء هو في الأساس الذي أقيمت ووجدت عليه هذه الأنظمة، فهذه الأنظمة ومنها النظام الأردني ما وجد أصلا إلا لغاية واحدة لا غير؛ ألا وهي خدمة الغرب الكافر وتمرير وتنفيذ مخططاته، وتطبيق النظام الرأسمالي بكل سوءاته، والحيلولة دون عودة الأمة لدينها ومبعث عزتها، فالخروج للشوارع ومطالبة هذه الأنظمة بالكف عن سرقة ثروات الأمة وتسليمها وبيعها بثمن بخس لشركات الغرب بحجة الخصخصة وبحجة تشجيع الاستثمار، وإمكانية إنضاج هذه التحركات الشعبية وقيادتها لتصبح تحركات واعية تطالب بالانعتاق من الاتفاقيات مع صندوق النقد وغيره من أدوات الاستعمار الحديث، والاعتماد على ثروات البلاد واستغلالها واستثمارها بأيدي أبناء البلاد الطاهرة العفيفة وتحت قيادة سياسية واعية مخلصة تخاف الله سبحانه وتعالى وتطبق شرعه... لعمري هذا مبعث الخوف والرهبة عند هذه الأنظمة وعند أسيادهم، وهذا ما حذر منه قاضي القضاة إمام الحضرة خادم هذا النظام، عندما هدد بما حدث في سوريا وليبيا وغيرها من الدول التي شهدت حراكات شعبية.
بقلم: حاتم أبو عجمية – الأردن
المصدر: جريدة الراية