- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2020-09-30
جريدة الراية:
أحداث أمريكا وتأثيرها في الموقف الدولي
الحلقة الثالثة
... وجاءت أزمة فيروس كورونا لتفضح واقع أمريكا المهترئ، فلم تستطع أن تدير هذه الأزمة، وحاولت أن تلقي المسؤولية على الصين بسبب عجزها عن إدارتها ومواجهتها ولتخفي عوراتها، مع أنه كانت معها فرصة أكثر من شهرين عندما سمعت بانتشاره في الصين، فاستخفت به ولم تدرك مدى خطورته وكيفية مجابهته واتخاذ التدابير، فسجلت أول إصابة في بداية شباط 2020 وبدأ الوباء ينتشر فيها، وبدأت تغلق البلاد منذ منتصف الشهر الثالث من السنة الجارية 2020، وظهر عجزها في الناحية الطبية ونقص المعدات الطبية وصراعها مع الدول الأخرى على الأجهزة الطبية مما هز الثقة بها. وبدأت تتخبط فأغلقت البلاد فتضررت اقتصاديا وتفاقمت أزماتها الاقتصادية التي تعاني منها أصلا... وقد تكبدت خسائر مادية لا تعوض بسبب الإغلاق ولم تنقذ نفسها وكانت أكثر دولة في أعداد المرضى، إذ بلغ تعداد الإصابات ما يزيد عن مليونين ونصف، وتذكر التقارير من أمريكا نفسها أن هناك ملايين من الإصابات في أمريكا لم تُحْصَ، وكذلك كانت الأكثر أعدادا في الوفيات إذ وصل الرقم حتى يوم 2020/6/26 أكثر من 126 ألفا. وهذا كله يزعزع الثقة بقدرات أمريكا كدولة أولى في العالم من المفترض أن تكون الأولى في كل شيء والأقل ضررا في كل شيء.
وقد ارتفع عدد العاطلين عن العمل فيها ارتفاعا لا مثيل له، إذ اقتربت نسبة البطالة يوم 2020/5/7 من 20%، أي ضعف ما شهدته البلاد خلال أزمة 2008، وكان ترامب يشيد قبل تفشي الوباء بتراجع نسبة البطالة إلى 3,5%. ويقدر بعض الاقتصاديين خسارة 28 مليون وظيفة في شهر نيسان الماضي بأمريكا. وللمقارنة فإن الأزمة المالية العالمية عام 2008 أسفرت عن خسارة 8,6 مليون وظيفة في أمريكا، واستنادا إلى هذه الأرقام لم تعد الأزمة المالية التي تشكل مرجعا للمقارنة إذ تخطتها أرقام 2020 بشكل كبير ويتوجب العودة إلى أرقام كساد الثلاثينات. وقد خفضت نسبة الفائدة الربوية إلى الصفر تقريبا بعدما رفعتها في الأعوام الماضية إلى ما فوق 2% لتظهر تعافيها من أزمة 2008 حيث اضطرت إلى خفضها حينها إلى الصفر تقريبا فرجعت إلى المربع الأول. وقد ازدادت نسبة الفقر حتى بلغ تعداد الذين يعيشون تحت خط الفقر إلى 43 مليوناً حتى يوم 2020/5/24 وذلك ضعف ما كان عليه قبل 50 عاما. وذكرت قناة "سي إن بي سي" الأمريكية بأن "إجمالي ديون الشركات غير المالية الأمريكية بلغ 6,6 تريليون دولار بنهاية عام 2019 بزيادة 78% منذ منتصف عام 2009"، وذكرت موديز أن "فيروس كورونا سيسبب صدمة غير مسبوقة للاقتصاد". (عربي21، 2020/3/31). كل ذلك يدل على أن الأزمة الاقتصادية في أمريكا عميقة جدا، وأنها لم تتخلص منها منذ أن بدأت عام 2008 وامتدت وتعمقت عبر السنوات التي مرت ولم تستطع الدولة الأمريكية أن تنقذ اقتصادها المتهاوي رغم ضخها للأموال الطائلة، ومع ذلك المشكلة تفاقمت، وقد قفزت ديون أمريكا خلال عهد أوباما من 10 تريليونات إلى نحو 20 تريليون دولار وما زالت المديونية في ارتفاع. وتبلغ مديونيتها الآن 27 تريليون دولار، أي أكثر من خمسة أضعاف المبلغ الفصلي السابق عند ذروة الأزمة المالية عام 2008 وسط إنفاق محموم للتخفيف من حدة جائحة فيروس كورونا" (جريدة العرب الاقتصادية الدولية 2020/5/6). وهذه التوقعات تتوافق مع وكالة موديز، إذ ذكر مارك زاندي كبير الاقتصاديين في وكالة موديز: "إذا لم تستأنف الشركات (في أمريكا) عملها الطبيعي المعتاد قبل حلول نهاية الصيف فإن ما يصل إلى 30% من مقترضي القروض العقارية، أي حوالي 15 مليون أسرة، سيتوقفون عن تسديد القروض وسيخسرون العقارات"، وذكر زاندي أن الوضع اليوم أشد جدية وخطورة من أزمة سوق الرهن العقاري الأمريكي التي تفجرت قبل 12 عاما أي عام 2008 وأدت إلى انهيار مالي عالمي وركود اقتصادي طويل". وقالت البروفيسور سوزان واشت الأستاذة في كلية "وارتون للأعمال" بجامعة بنسلفانيا الأمريكية إن حجم ديون الرهن العقاري في الوقت الحالي أعلى بكثير مما كانت عليه في عام 2008 "لقد زادت قيمتها فقط في عام 2019 بمقدار 433 مليار دولار، لتصل إلى 9,56 تريليون دولار" (نوفستي الروسية).
ولهذا حذر كثير من المسؤولين والمفكرين السياسيين من المخاطر التي تتعرض لها أمريكا. فقال الرئيس الأمريكي ترامب "إن أزمة فيروس كورونا أسوأ من بيرل هاربر (الهجوم الياباني عام 1941)، إنها أسوأ من مركز التجارة العالمي (تم تفجيره يوم 11 أيلول عام 2011). ما كان ينبغي لذلك أن يحصل". (أ ف ب 2020/5/7) وقال وزير خارجية أمريكا السابق هنري كيسنجر في مقالة له في جورنال وول ستريت الأمريكية نشرت يوم 2020/4/4 "إن جائحة كورونا ستغير النظام العالمي للأبد". وقال رجل الأعمال الأمريكي الشهير جورج سوروس "إن وباء كورونا يهدد حضارتنا. وإنها أكبر أزمة شهدها في حياته. وهذا بالتأكيد مشكلة كبيرة جدا. لن نعود إلى حيث كنا عندما بدأ الوباء. هذا أمر مؤكد. ولكن هذا هو الشيء الوحيد المؤكد. كل شيء سيكون عرضة للنقاش والصراع. لا أعتقد أن أحدا يعرف كيف ستتطور الرأسمالية". (مقابلة مع صحيفة الإندبندنت البريطاينة نشرت يوم 2020/5/12) وحذر المدير السابق لمراكز مكافحة الأمراض توم فريدمان يوم 2020/5/6 في شهادته أمام الكونغرس من أن "على أمريكا أن تكون مستعدة لمعركة طويلة وصعبة ضد فيروس كورونا المستجد". وقال "إن على الحكومة أن تكون مستعدة بشكل أفضل لهزم المرض الذي ألحق ضررا كبيرا بالولايات المتحدة والعالم.. وإلى أن يكون لدينا لقاح فعال وإذا لم يحصل شيء غير متوقع فإن عدونا الفيروسي سيكون موجودا معنا لعدة أشهر أو سنوات.. وإن حربنا على كوفيد-19 ستكون طويلة وصعبة".
وهناك مسألة انقسام الأحزاب وحرصها على الفوز وحرص مرشحها أيضا على الفوز مهما كان الثمن بالرئاسة للولاية الأولى أو للولاية الثانية كما حدث مع ترامب الذي طلب تدخل أوكرانيا لتساعده ضد خصمه الديمقراطي وكذلك طلبه تدخل الصين لدعمه في الانتخابات مقابل أن يغض البصر عن انتهاكاتها لحقوق المسلمين الإيغور، وظهر عدم انسجام الكثير مع الرئيس ممن يعينهم في مناصب مهمة ثم يقوم باستبدالهم والتهجم عليهم. ومن ثم يهاجمونه ويتهمونه بأنه لا يصلح لمنصب الرئاسة وآخرهم مستشاره للأمن القومي السابق جون بولتون الذي نشر كتابا يفضح فيه رئيسه ترامب. كل ذلك أسقط أمريكا من عيون الناس، وقد أصبح عندهم أزمة في رجال الدولة.
بقلم: الأستاذ أسعد منصور
المصد: جريدة الراية