- الموافق
- 2 تعليقات
بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة أجوبة العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير
على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك "فقهي"
جواب سؤال
حكم التقية
إلى Abo Yousuf
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شيخنا الجليل، بارك الله بك وأعانك الله علينا وأبقاك الله حتى ترى بعينك دولة الخلافة.
أخي الكريم، لقد ورد في كتاب الشخصية عن موضوع الموالاة للكافر أنها تحرم ولا تجوز إلا في حالة واحدة؛ فأجاز الشرع التقية في الموضوع، وهنا يرد السؤال: هل الموالاة للشخص الكافر أم لنظام الكفر؟ أين حدود الموالاة خاصة في حالنا نحن في دولهم التي هم فيها متسلطون علينا، وإن كانت للكافر أو النظام فهل هذا يقاس على دول العالم الإسلامي بسبب ما عرف من الحكام الكفرة والنظام أيضا، وهل أدوات الأنظمة الكافرة أمثال أجهزتهم الأمنية تأخذ حكمهم حتى لو كانوا هم مسلمين؟
وبارك الله بك وبسعة صدرك لنا. أخوكم وابنكم من أمريكا
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
قال الله تعالى: ﴿لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾
إن معنى الآية هو نهي جازم للمؤمنين عن أن يتخذوا الكافرين أولياء لهم، وأن يستعينوا بهم ويلتجئوا إليهم، وأن يصادقوهم وتكون بينهم وبينهم محبة. فحرّم على المؤمنين موالاة الكافرين من دون المؤمنين ثم استثنى من ذلك حالة واحدة وهي أنه في حالة وجود خوف منهم عندما يكونون تحت سلطانهم فإنه يجوز إظهار المحبة لهم ومصادقتهم لدفع شرهم وأذاهم. أي يجوز أن يُتخذوا أولياء، أي أصدقاء في حالة وجود خوف منهم عندما يكونون تحت حكمهم، وما عدا ذلك لا يجوز مطلقاً. وهذا بالنسبة للكفار فقط مع المؤمنين، فإن الآية نزلت في شأن المؤمنين الذين كانت لهم صلات بالمشركين في مكة فهي تنهى الذين في المدينة عن موالاة المشركين في مكة، وتنهى جميع المؤمنين، وتستثني من ذلك المؤمنين الذين كانوا في مكة فإنهم كانوا مغلوبين على أمرهم فاستثنتهم لوجود حالة خوف لديهم من أذى الكافرين. هذا هو موضوع الآية وهذا هو معناها وهذا هو الحكم الشرعي الذي يُستنبط منها، وهو تحريم موالاة المؤمنين للكفار بجميع أنواع الموالاة من نصرة وصداقة واستعانة وغير ذلك، لأن كلمة أولياء في الآية جاءت عامة فتشمل جميع معانيها، وجواز موالاتهم في حالة حذرهم أي خوف بطشهم وأذاهم عندما يكون الكفار غالبين على المسلمين، ويكون المسلمون مغلوبين على أمرهم، تماماً كحالة المسلمين في مكة مع المشركين، ولا يوجد للآية معنى آخر، ولا يستنبط منها أي حكم سوى هذا الحكم.
وأما ما يقوله بعضهم من أن التقية هي أن يظهر المسلم خلاف ما يبطن أمام أي إنسان يحذر منه أذى، أو يخشى منه معرفة حقيقته وما في نفسه، سواء أكان ذلك الإنسان كافراً أم مسلماً، فهذا القول خطأ محض والآية لا تدل على شيء منه، لأن الاستثناء ﴿إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً﴾ نزل في موضوع المسلمين الذين كانوا في مكة تحت حكم كفار قريش ولم يهاجروا فكانوا إذا أظهروا لهم العداوة قتلوهم أو عذبوهم، والحكم في موضوع معين يبقى منطبقاً على الموضوع نفسه أي موالاة المؤمنين للكافرين وهم تحت حكم الكافرين.
قال محمد بن جرير الطبري في تفسيره "القول في تأويل قوله: ﴿لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ﴾ إلى قوله: ﴿إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً﴾ قال أبو جعفر: وهذا نهي من الله عز وجل للمؤمنين عن أن يتخذوا الكفار أعواناً وأنصاراً وظهوراً، ولذلك كسر يتخذ لأنه في موضع جزم بالنهي، ولكنه كسر الذال معه للساكن الذي لقيه ساكن. ومعنى ذلك لا تتخذوا أيها المؤمنون الكفار ظهراً وأنصاراً توالونهم على دينهم، وتظاهرونهم على المسلمين من دون المؤمنين وتدلونهم على عوراتهم، فإنه من يفعل ذلك فليس من الله في شيء، يعني بذلك فقد برئ من الله، والله برئ منه بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر... ﴿إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً﴾ إلاّ أن تكونوا في سلطانهم فتخافوهم على أنفسكم فتظهروا لهم الولاية بألسنتكم وتضمروا لهم العداوة، ولا تشايعوهم على ما هم عليه من الكفر، ولا تعينوهم على مسلم بفعل...".
ولا يقال إنه إذا كانت موالاة الكافر في حالة الحذر منه جائزة فإن مداراة الحاكم الظالم أو الفاسق ذي القوة من باب أولى، لا يقال ذلك لأن الذي هو من باب أولى هو فحوى الخطاب وهذا ليس منه ولا يمت له بصلة فهو ليس من قبيل قوله تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ﴾ ولا هو من قبيل قوله تعالى: ﴿وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ﴾ لأن الفاسق أو الظالم ليس من باب الكافر ولا من نوعه، ولأن الموالاة المنهي عنها في هذه الآية هي موالاة الكفار من دون المؤمنين، ومن هنا لا يرد باب أولى عليه حتى يستشهد به.
وعليه ينتفي ما يسمونه التقية وهو أن يظهر المؤمن خلاف ما يبطن أمام الحاكم الظالم أو الفاسق ذي القوة، أو المخالف بالرأي أو ما شاكل ذلك، ويحرم فعله لأنه نفاق والنفاق كله حرام. وعلاوة على ذلك فإن محاسبة الحاكم الظالم على ظلمه فرض لا يحل تركه خوفاً من الحاكم على المال أو على المصالح، أو من الأذى ولا تحل التقية فيه. فهو يناقض الأحاديث الصحيحة الواردة في الإنكار على الأئمة والأمراء والحكام إذا كانوا ظلمة أو فسقة، والأحاديث الواردة في وجوب محاسبتهم على أعمالهم، وكذلك يخالف وجوب الصدع بالحق من غير أن تأخذه في الله لومة لائم. لذلك فإن التقية للحاكم الظالم أو الفاسق أو للقوي المتسلط من الفجار أو لمن يخالفك في الرأي قد جاءت نصوص الآيات والأحاديث الصحيحة تناقضها وتحث على وجوب العمل بعكسها مما يؤكد أنها حرام، فوق كونها نفاقاً فلا يحل لمسلم أن يفعلها.
أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة
22 ربيع الآخر 1438هـ
الموافق 2017/01/20م
رابط الجواب من صفحة الأمير على الفيسبوك
رابط الجواب من صفحة الأمير على غوغل بلس
رابط الجواب من صفحة الأمير على تويتر
رابط الجواب من موقع الأمير
2 تعليقات
-
بوركت يا أميرنا
-
جزاكم الله خيرا و بارك جهودكم