- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
(سلسلة أجوبة العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير
على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك "فقهي")
جواب سؤال
هل فسر الرسول عليه الصلاة والسلام القرآن وبَيَّنَ معانيه؟
إلى Hamed Nazzal
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله،
ورد في كتاب الشخصية الإسلامية الجزء الثالث في موضوع "وجود الحقائق الشرعية" ما نصه: (...على أن الثابت أن الشارع قد أوقف الأمة على نقل تلك الأسماء عن معناها اللغوي لمعنى جديد وضعه الشرع لها، وذلك ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم لهذه المعاني. فالله تعالى يقول: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ والمراد لتبين معانيه، ومنه معاني الأسماء الشرعية، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «صلوا كما رأيتموني أصلي» أخرجه البخاري. فيكون قد كلفهم بأعمال، وفهمهم إياها، فلم يكلفهم بما لا يفهمونه).
والسؤال: هل نفهم من هذا أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد فسر القرآن وبَيَّنَ معانيه؟ ام اقتصر تفسيره على بيان معاني الأسماء الشرعية؟
وجزاكم الله خيراً.
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
لتوضيح الجواب أذكر الأمور التالية:
أولاً: سؤالك يعود إلى ما ورد في الشخصية الثالث:
(والواقع أن الأسماء الشرعية واقعة في ألفاظ الشرع، وواقعة بوصفها حقائق متميزة عن الحقائق اللغوية. فهي لفظ وضعه العرب، وجاء الشرع ونقله لمعنى آخر واشتهر به، ونقله له ليس من قبيل المجاز، بل هو من قبيل نقل الحقيقة العرفية؛ لأن الشرع لم ينقله للمعنى الثاني لعلاقة كما هو شرط المجاز، علاوة على أنه اشتهر في المعنى الثاني، والمجاز لفظ وضع لمعنى ثم نقل إلى غيره لعلاقة، ولم يشتهر في المعنى الثاني، أي لم يغلب عليه؛ ولهذا لا يكون نقل الاسم الشرعي إلى المعنى الثاني، الذي وضعه له الشرع، من قبيل المجاز، ولا بوجه من الوجوه، بل هو من قبيل الحقيقة الشرعية... على أن الثابت أن الشارع قد أوقف الأمة على نقل تلك الأسماء عن معناها اللغوي لمعنى جديد وضعه الشرع لها، وذلك ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم لهذه المعاني. فالله تعالى يقول: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ والمراد لتبين معانيه، ومنه معاني الأسماء الشرعية، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» أخرجه البخاري. فيكون قد كلفهم بأعمال، وفهمهم إياها، فلم يكلفهم بما لا يفهمونه...) انتهى
ثانياً: بيان الرسول صلى الله عليه وسلم لما ورد في القرآن الكريم هو ليس فقط لمعاني الأسماء الشرعية، بل يتلخص بيان السنة للكتاب فيما يلي:
1- تفصيل مجمله: ومن ذلك أن الله تعالى أمر بالصلاة في الكتاب، من غير بيان لمواقيتها، وأركانها، وعدد ركعاتها، فبينت السنة ذلك. قال صلى الله عليه وسلم: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» أخرجه البخاري... ثم بين صلى الله عليه وسلم للمسلمين تفصيل كيفية الصلاة بفعله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو حميد الساعدي رضي الله عنه: « كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ اعْتَدَلَ قَائِمًا وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ وَرَكَعَ ثُمَّ اعْتَدَلَ فَلَمْ يُصَوِّبْ رَأْسَهُ وَلَمْ يُقْنِعْ وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَاعْتَدَلَ حَتَّى يَرْجِعَ كُلُّ عَظْمٍ فِي مَوْضِعِهِ مُعْتَدِلًا ثُمَّ أَهْوَى إِلَى الْأَرْضِ سَاجِدًا ثُمَّ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ جَافَى عَضُدَيْهِ عَنْ إِبْطَيْهِ وَفَتَخَ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ ثُمَّ ثَنَى رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَقَعَدَ عَلَيْهَا ثُمَّ اعْتَدَلَ حَتَّى يَرْجِعَ كُلُّ عَظْمٍ فِي مَوْضِعِهِ مُعْتَدِلًا ثُمَّ أَهْوَى سَاجِدًا ثُمَّ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ ثَنَى رِجْلَهُ وَقَعَدَ وَاعْتَدَلَ حَتَّى يَرْجِعَ كُلُّ عَظْمٍ فِي مَوْضِعِهِ ثُمَّ نَهَضَ ثُمَّ صَنَعَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ». أخرجه الترمذي وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
2- تخصيص عامه: فقد وردت في القرآن عمومات، وجاءت السنة وخصصت هذا العام، ومن ذلك أن الله تعالى أمر أن يرث الأبناء الآباء على نحو ما بين في قوله تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ الآية، فكان هذا الحكم عاماً في كل أب يورث، وكل ولد وارث، فخصصت السنة الأب المورث بغير الأنبياء بقوله صلى الله عليه وسلم: «لاَ نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» أخرجه البخاري ومسلم. وخصصت السنة الوارث بغير القاتل بقوله صلى الله عليه وسلم: «.. وَلاَ يَرِثُ الْقَاتِلُ شَيْئاً» أخرجه أبو داود...
3- في القرآن آيات مطلقة، وجاءت السنة وقيدت هذا الإطلاق بقيد معين، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ فهذه الثلاثة: صيام، صدقة، نسك، نكرات مثبتة، فهي لفظ مطلق، وقد قيد بالحديث الذي أخرجه مسلم من طريق كعب بن عجرة بقوله صلى الله عليه وسلم له: «فَاحْلِقْ رَأْسَكَ وَأَطْعِمْ فَرَقًا بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ وَالْفَرَقُ ثَلاَثةُ آصُعٍ أَوْ صُمْ ثلاَثةَ أَيَّامٍ أَوِ انْسُكْ نَسِيكَةً» فقيد إطلاق الصيام بثلاثة أيام، وإطلاق الصدقة بفرق لستة مساكين، والفرق ثلاثة آصع، وإطلاق النسك بذبح شاة واحدة.
4- إلحاق فرع من فروع الأحكام بأصله الذي ورد في القرآن، فيظهر هذا الفرع بأنه تشريع جديد، وعند التدقيق يتبين أنه ملحق بأصله الذي ورد في القرآن، وهذا كثير. فمن ذلك أن الله تعالى ذكر الفرائض مقدرة، ولم يذكر ميراث العصبات إلا ما نص عليه في قوله تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ وهو يقضي أن العاصب من غير الأولاد والإخوة ليس له فرض مقدر، بل يأخذ ما بقي بعد أداء الفروض، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك فقال: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» أخرجه البخاري. فألحق العاصب من غير الأولاد بالإخوة والأولاد. وكذلك جعلت الأخوات مع البنات عصبة، عن الأسود: «أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ وَرَّثَ أُخْتًا وَابْنَةً، فَجَعَلَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا النِّصْفَ، وَهُوَ بِالْيَمَنِ، وَنَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ حَيٌّ» أخرجه أبو داود. ومعاذ لا يقضي بمثل هذا القضاء في حياته صلى الله عليه وسلم إلا لدليل يعرفه، ولو لم يكن لديه دليل لم يعجل بالقضية...إلخ
ثالثاً: ومع ذلك فلم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث يبين كل آية كما أعلم... وكتب التفسير على كثرتها وسعة شروحاتها لم يرد فيها لكل آية حديث صحيح... ولذلك فيُعتمد الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما لم يرد فتُتَبَع فيه الطريقة الصحيحة للتفسير على النحو التالي:
1- ما نقل من تفسير عن الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه إن صح يعتبر جزءاً من الحديث، ولا يعتبر تفسيراً بالمعنى المعروف عند المفسرين، إذ يكون ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان آية ما، يكون حينئذ نصاً تشريعياً كالقرآن الكريم.
2- أما ما نقل عن الصحابة من تفسير فإنه يُستأنس به، فهم رضوان الله عليهم أقرب الناس جميعاً إلى الصواب في تفسير القرآن لعلو كعبهم في اللغة العربية، ولملازمتهم للذي أُنزل عليه القرآن صلوات الله وسلامه عليه...
3- ولكن تبقى الطريقة المعتمدة في التفسير هي أن تُتخَذ اللغة العربية، والسنّة النبوية، الأداة الوحيدة لفهم القرآن وتفسيره من حيث مفرداته وتراكيبه، ومن حيث المعاني الشرعية، والأحكام الشرعية، والأفكار التي لها واقع شرعي... فإذا صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث يبين الآية فهو الذي يُعتمد، وإلا فيُعمد إلى اللغة العربية التي نزل القرآن الكريم بها في تفسير الآية الكريمة، ولكن من أهل اللغة الذين يتقنونها...
هذه هي طريقة تفسير القرآن التي يجب أن يلتزمها المُفسّر، وأن يقوم بأعبائها مَنْ يريد تفسير القرآن الكريم، والله سبحانه هو أعلم وأحكم.
أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة
25 ذو الحجة 1439هـ
الموافق 2018/09/05م
رابط الجواب من صفحة الأمير (حفظه الله) على الفيسبوك
رابط الجواب من صفحة الأمير (حفظه الله) على غوغل بلس
رابط الجواب من صفحة الأمير (حفظه الله) ويب