الأحد، 20 جمادى الثانية 1446هـ| 2024/12/22م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

(سلسلة أجوبة العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير

على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك "فقهي")

 

جواب سؤال

 

القيادة الفردية في الإسلام

 

إلى Mohammad Hadoud

 

 

السؤال:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كيف حالكم شيخنا،

لدي سؤال بخصوص المتبنى بالحزب.

من متبنيات الحزب أن القيادة في الإسلام فردية، أي أن الخليفة بيده جميع الصلاحيات في الدولة، بمعنى؛ الخليفة هو الدولة.

للتوضيح أكثر؛ يحق للخليفة في الدولة أن يكون حاكما وقاضيا وكل شيء...

وهذا يتناقض مع الكلام المذكور في كتاب الدولة حيث جاء في الكتاب صفحة 129:

(وهكذا أقام الرسول صلى الله عليه وسلم جهاز الدولة الإسلامية بنفسه، وأتمه في حياته، فقد كان للدولة رئيس، وكان له معاونون، وولاة، وقضاة، وجيش، ومديرو دوائر، ومجلس يرجع إليه في الشورى. وهذا الجهاز في شكله وصلاحياته طريقة واجبة الاتباع، وهو إجمالاً ثابت بالتواتر.)

 

أرجو التوضيح؛

جزاكم الله خيرا وفتح على أيديكم.

 

 

الجواب:

 

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،

 

1- كأنك تشير في بداية سؤالك إلى ما جاء في كتاب الشخصية الإسلامية الجزء الثاني في مبحث "الإمارة" حيث جاء فيه ما يلي:

(... أما هذا الأمير فالشرع يحتم أن يكون واحداً، ولا يجوز أن يكون أكثر من واحد. فالإسلام لا يعرف القيادة الجماعية، ولا يعرف الرئاسة الجماعية. وإنما القيادة في الإسلام فردية محضة فيجب أن يكون الرئيس أو الأمير أو القائد واحداً، ولا يجوز أن يكون أكثر من واحد. والدليل على ذلك ظاهر في نص الأحاديث السابقة وفي فعل الرسول صلى الله عليه وسلم. فالأحاديث كلها تقول: «أحدهم»، «أحدكم». وكلمة أحد هي كلمة واحد، وهي تدل على العدد أي واحداً لا أكثر. ويفهم ذلك من مفهوم المخالفة. ومفهوم المخالفة في العدد والصفة والغاية والشرط يُعمل به بدون نص ولا يعطل مفهوم المخالفة إلا في حالة واحدة وهي إذا ورد نص يلغيه... وعلى ذلك فإن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «فليؤمروا أحدهم»، «إلا أمّروا أحدهم»، «فأمروا أحدكم» يدل مفهوم المخالفة في هذه الأحاديث بأنه لا يجوز أن يؤمر أكثر من واحد. ومن هنا كانت الإمارة لواحد، ولا يجوز أن تكون لأكثر من واحد مطلقاً بنص الأحاديث منطوقاً ومفهوماً. ويؤيد ذلك عمل الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه في جميع الحوادث التي أمّر فيها كان يؤمِّر واحداً ليس غير، ولم يؤمر أكثر من واحد في مكان واحد مطلقاً... وعلى ذلك فلا يجوز أن يكون للأمر الواحد رئيسان اثنان، ولا للمكان الواحد رئيسان اثنان. بل يجب أن يكون الرئيس واحداً فقط، ويحرم أن يكون أكثر من ذلك. إلا أنه ينبغي أن يعلم أن الرئاسة والإمارة والقيادة في الإسلام ليست زعامة، لأن الزعامة تقتضي اتباع الزعيم. أما الرئاسة في الإسلام فهي إنما تجعل للرئيس حق رعاية الشؤون والسلطان في الأمر الذي كانت رئاسته له، والتنفيذ لكل ما دخل تحت رئاسته حسب الصلاحيات التي نصب لها أميراً، في حدود ما أعطاه الشرع بالنسبة للأمر الذي نصب رئيساً عليه...) انتهى النقل من كتاب الشخصية الإسلامية الجزء الثاني.

 

2- إن هذا القول بأن القيادة والإمارة في الإسلام فردية لا يتناقض مع ما جاء في كتاب الدولة الإسلامية من قوله:

(وهكذا أقام الرسول صلى الله عليه وسلم جهاز الدولة الإسلامية بنفسه، وأتمه في حياته، فقد كان للدولة رئيس، وكان له معاونون، وولاة، وقضاة، وجيش، ومديرو دوائر، ومجلس يرجع إليه في الشورى. وهذا الجهاز في شكله وصلاحياته طريقة واجبة الاتباع، وهو إجمالاً ثابت بالتواتر. وقد كان صلى الله عليه وسلم يقوم بأعمال رئيس الدولة منذ أن وصل المدينة حتى وفاته صلى الله عليه وسلم، وكان أبو بكر وعمر معاونيْن له، وأجمع الصحابة من بعده على إقامة رئيس للدولة يكون خليفة للرسول صلى الله عليه وسلم في رئاسة الدولة فقط، لا في الرسالة ولا في النبوة، لأنها ختمت به صلى الله عليه وسلم. وهكذا أقام الرسول صلى الله عليه وسلم جهاز الدولة كاملاً في حياته وترك شكل الحكم وجهاز الدولة معروفيْن وظاهريْن كل الظهور.) انتهى.

 

أي أن النصين غير متناقضين، بل هما منسجمان كل الانسجام، وذلك أن النص الأول في كتاب الشخصية الإسلامية الجزء الثاني يتحدث عن الإمارة من حيث هي في الإسلام سواء أكانت إمارة سفر أم إمارة جماعة أم إمارة عامة للمسلمين "خلافة"، فالإمارة في الإسلام هي فردية وليست جماعية، أي لا يجوز أن تكون مجموعة هي التي تتولى الصلاحية في الإمارة بل صلاحية الإمارة هي فقط لشخص واحد هو الذي يملك القرار الأخير... وهذا الأمر وإن كان حكماً شرعياً إلا أنه أيضاً هكذا من ناحية واقعية فإن واقع الأمر لا يستقيم فيه أن تكون الصلاحية في الإمارة والحكم جماعية بل لا بد أن تكون فردية، أي أن يكون منتهى القرار فيها إلى واحد... وهكذا فإن الخلافة أي الإمارة العامة (الرئاسة العامة للمسلمين)، هي فردية أي يكون صاحب الصلاحية فيها هو الشخص الذي يبايع بالخلافة فيملك بالبيعة جميع صلاحيات الحكم والسلطان وتبني الأحكام دون استثناء...

 

3- لكن جعل الصلاحيات للخليفة لا يعني مطلقاً أن يقوم الخليفة بأعمال الحكم والسلطان كلها، بل معنى ذلك أن الصلاحية هي له، وأن كل من تُجعل له صلاحية في الحكم والسلطان إنما يستمد صلاحيته من الخليفة بأن ينيبه الخليفة في ذلك، فجميع الحكام في الخلافة من معاونين وولاة... إلخ، وجميع من يتولون القضاء والأجهزة الإدارية والجيش... إلخ، وتكون لهم صلاحيات إنما ينيبهم الخليفة عنه في تلك الصلاحيات، فلا يملك أحد أصالة من تلك الصلاحيات شيئاً إلا أن يكون نائباً عن الخليفة بوجه من الوجوه...

 

4- فالصلاحيات شيء، والقيام بالأعمال شيء آخر، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يملك صلاحيات الحكم والسلطان كلها، لكنه لم يكن يقوم بأعمال الحكم والسلطان كلها، بل كان يستعين بغيره كما هو مبين في كتاب الدولة الإسلامية وغيره من كتب الحزب، فكوَّن الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته جهازاً كاملاً للدولة، ودل فعله عليه الصلاة والسلام على أن هذا الجهاز في شكله وصلاحياته طريقة واجبة الاتباع، أي هو حكم شرعي وليس أسلوباً يتغير بتغير الظروف والأحوال... فإقامة جهاز للدولة لا يناقض جعل الصلاحيات للخليفة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يملك الصلاحيات كلها أقام جهاز الدولة وأناط به صلاحيات، فكان فعل الرسول صلى الله عليه وسلم أكبر دليل على أنه لا تناقض بين جعل الصلاحيات للخليفة وبين إقامة جهاز للدولة له صلاحيات مستمدة من صلاحيات الخليفة، وتقوم تلك الأجهزة بمعاونة الخليفة في إدارة شئون الدولة بناء على الصلاحيات التي يعطيها لهم الخليفة... وهذا الذي كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه مع صغر الدولة التي أنشأها النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان يحتاج تسييرها إلى إقامة جهاز يستعين به النبي صلى الله عليه وسلم في إقامة الحكم ورعاية شئون الناس... فكيف إذا كانت الدولة شاسعة واسعة...؟!

 

5- ومع أن الصلاحيات هي للخليفة إلا أنه مقيد بالحكم الشرعي، فإذا خرج عن الحكم الشرعي فظلم الرعية أو لم يحسن تطبيق شرع الله فإن محكمة المظالم تنظر في أمره، ولها صلاحية عزله وفق أحكام الشرع... جاء في المادة 87 من مقدمة الدستور المستنبط من الأدلة الشرعية ما يلي: (قاضي المظالم هو قاض ينصب لرفع كل مظلمة تحصل من الدولة على أي شخص يعيش تحت سلطان الدولة، سواء أكان من رعاياها أم من غيرهم، وسواء حصلت هذه المظلمة من الخليفة أم ممن هو دونه من الحكام والموظفين.) ولضمان عدم الخشية إلا من الله فإن الخليفة لا يملك عزل قاضي المظالم خلال نظره في المظلمة الواقعة من الخليفة... جاء في المادة 88 (...لا يصح عزل "قاضي المظالم" أثناء قيامه بالنظر في مظلِمة على الخليفة...) وجاء في شرح المادة: (...وذلك لأن بقاء صلاحية العزل بيد الخليفة في هذه الحالة سيؤثر في حكم القاضي، وبالتالي يحد من قدرة القاضي على عزل الخليفة أو أعوانه مثلاً، وتكون صلاحية العزل هذه وسيلةً إلى الحرام، أي أن بقاءها بيد الخليفة في هذه الحالة حرام.) وقد أكدت المادة 90 صلاحية محكمة المظالم في عزل الخليفة إذا استحق ذلك فجاء في المادة 90: (لمحكمة المظالم حق عزل أي حاكم أو موظف في الدولة، كما لها حق عزل الخليفة، وذلك إذا اقتضت إزالة المظلمة هذا العزل.) ولذلك فليس هناك حصانة للخليفة أمام القضاء فإذا أخطأ يحاسب وإذا استحق العزل يعزل.

 

وعليه فإن الخليفة وإن كانت الصلاحيات له في الدولة إلا أنه مقيد بالأحكام الشرعية أمام محكمة المظالم... وهو كما بينا أعلاه يقيم أجهزة الدولة لمعاونته في شئون الحكم ومساعدته في رعاية الشئون وفق ما يعطيهم الخليفة من صلاحيات فيما يسند لهم من أعمال.

 

آمل أن يكون قد زال التعارض الذي في ذهنك واتضح لك الانسجام بين النصين المذكورين في الأعلى، فالصلاحيات أمر والأجهزة التي تساعد الخليفة في إدارة شئون الدولة وتعينه في رعاية شئون الرعية أمر آخر.

 

أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة

 

14 جمادى الآخرة 1440هـ

الموافق 2019/02/19م

 

رابط الجواب من صفحة الأمير (حفظه الله) على الفيسبوك

 

رابط الجواب من صفحة الأمير (حفظه الله) على غوغل بلس

 

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع