- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة أجوبة العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير
على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك "فقهي"
جواب سؤال
المجاز أصالة يقع فقط في أسماء الجنس
إلى طارق ابوعريبان ابوعلي
السؤال:
السلام عليك يا شيخنا، وأعانكم الله على ما يحب الله ورسوله،
اسمح لي بسؤال رغم ما أنتم فيه؛ لكن حسبي أنكم موضع الثقة للإجابة، وهو:
في كتاب الشخصية 3 ذكر أن المجاز لا يقع في الحروف، وذكر أيضا أن من علاقات المجاز الزيادة، وضرب مثالاً، وهو قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ والكاف هنا زائدة، أليس هذا من قبيل المجاز في الحروف؟
أرجو توضيح الإشكال، وجزاكم الله خيرا.
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
لم يرد في كتاب الشخصية الإسلامية أن المجاز لا يقع في الحروف على إطلاق بل الذي ورد هو أن المجاز أصالة يقع فقط في أسماء الجنس ولا يقع في الحروف ولا في الفعل بأقسامه، ولا في المشتق بأقسامه، ولا في اسم العلم، فهذه كلها لا يقع فيها المجاز أصالة بل يقع فيها بالتبع... وقد بين في الكتاب سبب عدم دخول المجاز في هذه أصالة وأنه يدخلها فقط بالتبع... وأنقل لك ما جاء بهذا الخصوص في كتاب الشخصية الإسلامية الجزء الثالث في باب "الحقيقة والمجاز":
(... ودخول المجاز في الكلام قد يكون بالذات، أي بالأصالة، وقد يكون بالتبعية. والمجاز بالذات إنما يكون في اسم الجنس، وهو ما دل على نفس الذات الصالحة لأن تصدق على كثيرين من غير اعتبار وصف من الأوصاف، كالأسد للشجاع، والقتل للضرب الشديد، ولا يدخل في غير ذلك. والذي لا يدخل فيه المجاز بالذات أمور:
أحدها الحرف، فلا يكون المجاز في الحرف؛ لأنه لا يفيد معناه وحده، بل لا يفيده إلا بذكر متعلقه، فإذا لم يفد وحده فلا يدخله المجاز؛ لأن دخوله فرع عن كون الكلام مفيداً. وأما بيان دخوله فيه بالتبع فبأن تستعمل متعلقاتها استعمالاً مجازياً، فيسري التجوز من المتعلقات إليها، كقوله تعالى: ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُواً وَحَزَناً﴾ فإن تعليل الالتقاط بصيرورته عدواً لما كان مجازاً، كان إدخال لام العلة أيضاً مجازاً، فالمجاز جاء في الحرف تبعاً لمتعلقه، وأما المجاز بالذات فإنه لا يكون في الحرف.
ثانيها: الفعل بأقسامه، والمشتق بأقسامه: كضارب ونحوه؛ لأن كلاً من الفعل والمشتق تابع لأصله وهو المصدر في كونه حقيقة أو مجازاً. فإطلاق ضارب مثلاً بعد انقضاء الضرب أو قبله إنما كان مجازاً؛ لأن إطلاق الضرب والحالة هذه كقولنا ذو ضرب مجاز لا حقيقة.
ثالثها: العلم؛ لأنه إن كان مرتجلاً، أو منقولاً لغير علاقة، فلا إشكال في كونه ليس بمجاز، وإن نقل لعلاقة، كمن سمى ولده مباركاً لما اقترن بحمله أو وضعه من البركة، فكذلك ليس بمجاز؛ لأنه لو كان مجازاً لامتنع إطلاقه عند زوال العلاقة، والحال ليس كذلك، فدل على أنه ليس بمجاز.) انتهى.
فواضح من هذا النص أن المجاز يقع في الحروف ولكن ليس بالذات أي ليس أصالة لأن الحرف "لا يفيد معناه وحده، بل لا يفيده إلا بذكر متعلقه، فإذا لم يفد وحده فلا يدخله المجاز؛ لأن دخوله فرع عن كون الكلام مفيداً"، لكن إذا استعملت متعلقات الحرف استعمالاً مجازياً فإن التجوز يسري من المتعلقات إلى الحرف، فالمجاز في الحرف هو تبع لمتعلقاته...
والآن لنأتي إلى المثل الذي أشرت إليه في السؤال حول دخول المجاز على الحرف، وهو ما جاء في كتاب الشخصية الإسلامية الجزء الثالث في باب "الحقيقة والمجاز" عند الحديث عن علاقات المجاز وأنواعها حيث ذكر عند النوع التاسع منها ما يلي:
(النوع التاسع: الزيادة - وهو أن ينتظم الكلام بإسقاط كلمة فيحكم بزيادتها كقوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ فإنه يسمى مجازاً بالزيادة، أي ليس مثله شيء، فالكاف زائدة، إذ المراد نفي المثل لا نفي مثل المثل؛ لأن الكاف بمعنى مثل، وحينئذ يلزم إثبات مثل لله تعالى وهو محال، فلزم أن تكون الكاف زائدة للتأكيد.) انتهى.
ففي هذا المثال لم يكن المجاز في الحرف "كاف" في قوله تعالى ﴿كَمِثْلِهِ﴾، لم يكن المجاز بالذات، أي أصالة، بل كان تبعاً، وذلك أن متعلقات الحرف "كاف" هي التي دخلها المجاز فسرى منها إلى الحرف "كاف"، فالحرف "كاف" يفيد التشبيه على الحقيقة، لكن إذا جُعل حرف الكاف في هذه الجملة على الحقيقة فإن الجملة تصبح غير صحيحة لأنها ستعني حينها أن هناك مثيلاً لله سبحانه وأن هذا المثيل ليس مثله شيء أي لا يشبهه شيء، لكن هذا ليس هو المراد من الآية، بل المراد من الآية أنه لا يوجد مِثْل لله، فالآية معناها "ليس مِثْلَهُ شيءٌ"، فاقتضى هذا المعنى للآية صرف حرف "الكاف" عن إفادته التشبيه وجعله غير مفيد للتشبيه، بل أصبح يفيد التأكيد... أي صرف عن الحقيقة إلى المجاز بسبب التركيب، أي بسبب الجملة...، فلفظ "كمثله" يدل حقيقة على "مثل المثل"، ولكنه يدل مجازاً على "المثل" فقط من باب علاقة الزيادة، أي باعتبار حرف "الكاف" زائداً، فكان هذا المعنى المجازي للفظ "كمثله" يقتضي اعتبار حرف "الكاف" زائداً، واعتباره زائداً هو مجاز لأنه صُرف عن معناه الأصلي وهو التشبيه إلى غير التشبيه وهو الزيادة الدالة على التوكيد... فسرى المجاز الذي في لفظ "كمثله" ضمن الجملة بأكملها، سرى إلى الحرف "كاف"، أي سرى من متعلقات الحرف إلى الحرف...
والخلاصة: أن المجاز المذكور في الآية ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ باعتبار زيادة الحرف "كاف" هو من مجاز التبع الذي يدخل على الحروف وذلك لأن زيادة الكاف اقتضتها جملة (ليس كمثله شيء)، فكان صرف حرف الكاف عن إفادته التشبيه بسبب التركيب الذي وضع فيه حرف الكاف، أي حصل المجاز فيه بسبب الجملة التي وضع فيها...
آمل أن يكون الأمر أصبح واضحاً.
وتقبل تحياتي
أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة
28 ربيع الأول 1441هـ
الموافق 2019/11/25م
رابط الجواب من صفحة الأمير (حفظه الله) على الفيسبوك
رابط الجواب من صفحة الأمير (حفظه الله) ويب