- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة أجوبة العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير
على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك "فقهي"
جواب سؤال
الوقف في الأرض الخراجية
إلى يوسف ابو اسلام
السؤال:
بارك الله فيك ونفعنا بعلمك. لكن شيخنا لي سؤالان لو تكرمت: الأول: ما هو الدليل على أنه في الوقف يشترط أن يكون الواقف مالكا لعين ما يقف؟ الثاني: هل هناك أحكام أخرى غير الوقف تفرق في التصرف في الأرض بين كونها عشرية أو خراجية؟ بارك الله لنا ولحزبنا في عمرك وعافيتك وفتح الله على يديك.
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
أولاً: مسألة الوقف في الأرض الخراجية مختلف فيها بين الفقهاء:
1- فمنهم من يجيز الوقف في ما يُحدَث عليها من مبانٍ أو مزروعات، فإذا بنى مدرسة على الأرض الخراجية التي يملكها فيجوز له أن يجعلها وقفاً للطلاب... أو إذا غرس فيها أشجار زيتون مثلاً فيجوز له أن يجعل ثمارها وقفاً للفقراء والمحتاجين على أن يكون هذا الوقف بشكل دائمي:
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:
[نَقَل ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الْخَصَّافِ أَنَّهُ قَال: (إِنَّ وَقْفَ حَوَانِيتِ الأَسْوَاقِ يَجُوزُ إِنْ كَانَتِ الأَرْضُ بِأَيْدِي الَّذِينَ بَنَوْهَا بِإِجَارَةٍ لاَ يُخْرِجُهُمُ السُّلْطَانُ عَنْهَا مِنْ قِبَل أَنَّا رَأَيْنَاهَا فِي أَيْدِي أَصْحَابِ الْبِنَاءِ تَوَارَثُوهَا وَتُقْسَمُ بَيْنَهُمْ لاَ يَتَعَرَّضُ لَهُمُ السُّلْطَانُ فِيهَا وَلاَ يُزْعِجُهُمْ مِنْهَا، وَإِنَّمَا لَهُ غَلَّةٌ يَأْخُذُهَا مِنْهُمْ وَتَدَاوَلَهَا خَلَفٌ عَنْ سَلَفٍ، وَمَضَى عَلَيْهَا الدُّهُورُ وَهِيَ فِي أَيْدِيهمْ يَتَبَايَعُونَهَا، وَيُؤَجِّرُونَهَا، وَتَجُوزُ فِي وَصَايَاهُمْ، وَيَهْدِمُونَ بِنَاءَهَا، وَيُعِيدُونَهُ، وَيَبْنُونَ غَيْرَهُ، فَكَذَلِكَ الْوَقْفُ جَائِزٌ). قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَأَقَرَّهُ فِي الْفَتْحِ وَوَجْهُهُ بَقَاءُ التَّأْبِيدِ.
وَإِنْ كَانَ مَا جَعَلَهُ فِي الأَرْضِ غِرَاساً فَالْحُكْمُ فِي وَقْفِهَا حُكْمُ الْبِنَاءِ. أَمَّا إِنْ كَانَ مَا عَمِلَهُ فِي الأَرْضِ مُجَرَّدَ كَبْسٍ بِالتُّرَابِ أَوِ السَّمَادِ فَلاَ يَصِحُّ وَقْفُهُ.] انتهى
2- ومنهم من يجيز وقف المنفعة حتى وإن كانت بشكل مؤقت، فإذا استأجر أحدهم بيتاً مدة سنة فيجوز له أن يجعل هذا البيت وقفاً للمحتاجين مدة السنة المذكورة في عقد الإجارة... أو يستأجر غرساً مدة انتهاء المحصول فيجعله وقفا للمحتاجين مدة ذلك المحصول وفق عقد الإجارة، أي هو يجيز وقف المنفعة وليس شرطاً بشكل دائم بل بشكل مؤقت أيضاً:
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: [ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ وَقْفِ الْمَنْفَعَةِ إِذْ إِنَّهُمْ يَشْتَرِطُونَ أَنْ يَكُونَ الْمَوْقُوفُ عَيْناً يُنْتَفَعُ بِهَا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا كَمَا أَنَّهُمْ يَشْتَرِطُونَ تَأْبِيدَ الْوَقْفِ (1)... وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى جَوَازِ وَقْفِ الْمَنْفَعَةِ فَمَنِ اسْتَأْجَرَ دَاراً مُدَّةً مَعْلُومَةً فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقِفَ مَنْفَعَتَهَا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ، وَيَنْقَضِيَ الْوَقْفُ بِانْقِضَائِهَا، لأِنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ عِنْدَهُمْ تَأْبِيدُ الْوَقْفِ (2)...
(1) مغني المحتاج 2 / 377، وشرح منتهى الإرادات 2 / 492، والبدائع 6 / 220، وحاشية ابن عابدين 3 / 359... (2) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي عليه 4 / 76، والشرح الصغير 2 / 298 ط. الحلبي.] انتهى
ثانياً: وهناك الرأي الراجح في أن الوقف لا يجوز إلا إذا كانت الرقبة مملوكة للواقف وبشكل دائمي، وهذا ما نرجحه في هذه المسألة وفق الأدلة الصحيحة في الموضوع وإليك البيان:
1- جاء في شرح المادة 133 من مقدمة الدستور القسم الثاني ما يلي:
(والأرض العشرية والخراجية يحق تبادلها وتورث عن مالكها لأنها ملك حقيقي لمالكها فتنطبق عليها جميع أحكام الملك. وهو بالنسبة للأرض العشرية ظاهر، أما بالنسبة للأرض الخراجية فإن ملكيتها كملكية الأرض العشرية سواء بسواء من حيث الملكية، ولا فرق بينهما إلا في أمرين اثنين فحسب: أحدهما بالنسبة لعين ما يملك، والثاني بالنسبة لما يجب على الأرض.
أما بالنسبة لعين ما يملك فإن مالك الأرض العشرية يملك رقبتها ومنفعتها، ومالك الأرض الخراجية يملك منفعتها فقط ولا يملك رقبتها. ويترتب على هذا أن مالك الأرض العشرية إذا أراد أن يوقف أرضه التي يملكها فإنه يستطيع ذلك في أي وقت يشاء، لأنه يملك عينها أي رقبتها. وأما مالك الأرض الخراجية إذا أراد أن يوقف أرضه التي يملكها فإنه لا يستطيع ذلك، لأن الوقف يشترط فيه أن يكون الواقف مالكاً لعين ما يقفه، ومالك الأرض الخراجية لا يملك عين الأرض أي رقبتها وإنما يملك منفعتها، لأن رقبتها ملك لبيت المال.
وأما بالنسبة لما يجب عليه في الأرض فإن الأرض العشرية يجب فيها العشر أو نصف العشر، أي تجب فيها الزكاة على عين الخارج إذا بلغ نصاباً. وأما الأرض الخراجية فيجب فيها الخراج، أي المقدار الذي تعينه الدولة سنوياً عليها...) انتهى، وكما ترى فإن الوقف لا يجوز في الأرض الخراجية لأن الوقف يُشترط فيه ملكية رقبة الأرض، والأرض الخراجية رقبتها لبيت المال، فلا يملكها صاحبها بل يملك منفعتها.
2- وقد سبق أن أصدرنا جواب سؤال في 13/2/2019 حول الموضوع، ولعلك تشير إليه في سؤالك، وقد جاء فيه: (... فمثلاً الوقف شرط في صحته ملكية عين الموقوف، وإذن فمالك الأرض العشرية إذا أراد أن يوقف أرضه التي يملكها فإنه يستطيع ذلك في أي وقت يشاء، لأنه يملك عينها أي رقبتها. أما مالك الأرض الخراجية إذا أراد أن يوقف أرضه التي يملكها فإنه لا يستطيع ذلك، لأن الواقف يشترط فيه أن يكون مالكاً لعين ما يقفه، ومالك الأرض الخراجية لا يملك عين الأرض أي رقبتها وإنما يملك منفعتها، لأن رقبتها ملك لبيت المال.) انتهى.
3- أما الأدلة على اشتراط ملكية الرقبة (أصل المنفعة) لصحة الوقف فمنها ما يلي:
- أخرج البخاري في صحيحه عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَصَابَ أَرْضاً بِخَيْبَرَ فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَأْمِرُهُ فِيهَا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ أَرْضاً بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالاً قَطُّ أَنْفَسَ عِنْدِي مِنْهُ فَمَا تَأْمُرُ بِهِ قَالَ: «إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا» قَالَ فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ وَتَصَدَّقَ بِهَا فِي الْفُقَرَاءِ وَفِي الْقُرْبَى وَفِي الرِّقَابِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَالضَّيْفِ لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ وَيُطْعِمَ غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ قَالَ فَحَدَّثْتُ بِهِ ابْنَ سِيرِينَ فَقَالَ غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ مَالاً.)
- وأخرج البخاري في صحيحه عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ عُمَرَ تَصَدَّقَ بِمَالٍ لَهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ يُقَالُ لَهُ ثَمْغٌ وَكَانَ نَخْلاً فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي اسْتَفَدْتُ مَالاً وَهُوَ عِنْدِي نَفِيسٌ فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «تَصَدَّقْ بِأَصْلِهِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ وَلَكِنْ يُنْفَقُ ثَمَرُهُ» فَتَصَدَّقَ بِهِ عُمَرُ فَصَدَقَتُهُ تِلْكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَفِي الرِّقَابِ وَالْمَسَاكِينِ وَالضَّيْفِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَلَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ أَوْ يُوكِلَ صَدِيقَهُ غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ بِهِ.)
- وكذلك أخرج مسلم في صحيحه عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: (أَصَابَ عُمَرُ أَرْضاً بِخَيْبَرَ فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَأْمِرُهُ فِيهَا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ أَرْضاً بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالاً قَطُّ هُوَ أَنْفَسُ عِنْدِي مِنْهُ فَمَا تَأْمُرُنِي بِهِ قَالَ: «إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا» قَالَ فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا وَلَا يُبْتَاعُ وَلَا يُورَثُ وَلَا يُوهَبُ قَالَ فَتَصَدَّقَ عُمَرُ فِي الْفُقَرَاءِ وَفِي الْقُرْبَى وَفِي الرِّقَابِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَالضَّيْفِ لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقاً غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ قَالَ فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ مُحَمَّداً فَلَمَّا بَلَغْتُ هَذَا الْمَكَانَ غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ قَالَ مُحَمَّدٌ غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ مَالاً قَالَ ابْنُ عَوْنٍ وَأَنْبَأَنِي مَنْ قَرَأَ هَذَا الْكِتَابَ أَنَّ فِيهِ غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ مَالاً...)
وهكذا فإن أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم واضحة في بيان الوقف أنه حبس العين الموقوفة وتسبيل منفعتها، وحبسها يقتضي أن تكون مملوكة الرقبة لحابسها أي لواقفها قبل أن يحبسها ويقفها لأن من لا يملك الشيء لا يستطيع حبسه، فحبس الشيء لا يكون إلا لمالكه لأنه تصرف في رقبة الشيء فإذا كانت رقبة الشيء ليست له فكيف يتصرف فيها بحبسها؟... وعمر بن الخطاب رضي الله عنه كان مالكاً لرقبة ما أمره النبي صلى الله عليه وسلم بحبسه كما هو في الأحاديث أعلاه، فهو رضي الله عنه: (أَصَابَ أَرْضاً بِخَيْبَرَ فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَأْمِرُهُ فِيهَا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ أَرْضاً بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالاً قَطُّ أَنْفَسَ عِنْدِي مِنْهُ فَمَا تَأْمُرُ بِهِ)، أي هو رضي الله عنه ملك تلك الأرض وأصبحت أرضه أي مَلَكَ رقبتها، ثم جاء يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن كيفية تصرفه بها... فإذن الحديث الدال على مشروعية الوقف واضح منه أن واقف العين لا بد من أن يكون مالكاً رقبتها... فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول كما هو في الأحاديث أعلاه:
«إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا...»، «تَصَدَّقْ بِأَصْلِهِ...»، «إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا...» والأرض الخراجية محبوسة الرقبة لبيت مال المسلمين فرقبتها ليست ملكاً لصاحبها وصاحبها يملك فقط منفعتها، وما دام صاحبها لا يملك رقبتها لأنها محبوسة لبيت المال فكيف إذن يقوم بحبس رقبتها؟
4- هذا ما نرجحه ونتبناه لانطباق الأدلة الشرعية عليه، أي لا يجوز وقف الأراضي الخراجية وإنما يجوز بيعها وهبتها والصدقة بها أو بثمنها وكل الأعمال الجائزة شرعاً، باستثناء كما قلنا الوقف الذي يشترط ملكية الرقبة، وهي في الأرض الخراجية مملوكة رقبتها لبيت المال.
ثالثاً: أما سؤالك (هل هناك أحكام أخرى غير الوقف تفرق في التصرف في الأرض بين كونها عشرية أو خراجية؟)، فالجواب على ذلك أننا لم نقف على فروق أخرى تتعلق بالتصرف بالأرض الخراجية والعشرية إلا الأمرين المذكورين أعلاه، أي ما يجب على الأرض العشرية من زكاة وعلى الأرض الخراجية من خراج، والأمر الثاني جواز الوقف في الأرض العشرية وعدم جواز الوقف في الأرض الخراجية.
هذا هو الراجح لدينا والمتبنى عندنا، والله أعلم وأحكم
أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة
21 ربيع الآخر 1441هـ
الموافق 18/12/2019م
رابط الجواب من صفحة الأمير (حفظه الله) على الفيسبوك
رابط الجواب من صفحة الأمير (حفظه الله) ويب