- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة أجوبة العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير
على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك "فقهي"
جواب سؤال
اختلاف الآراء الفقهية
إثبات بدء صوم رمضان مثالاً
إلى أسد الله القرشي
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سؤال إلى أميرنا وشيخنا أمير حزب التحرير الشيخ العلامة عطاء بن خليل أبو الرشتة حفظه الله وجعل نصر الإسلام وعزه على يديه وأيدي الثلة المؤمنة من شباب حزب التحرير معه.
شيخنا الجليل لدي سؤال حول الآراء الفقهية للأئمة الأربعة وغيرهم من المجتهدين الذين يخالفوننا في المتبنى من الآراء الفقهية في الحزب والتي تدخل فيما يسمى فقه الخلاف. مثال: إثبات صوم رمضان عن طريق الحساب الفلكي والذي قال فيه بعض الفقهاء قديما كابن سريج الشافعي على تفصيل في رأيه وغيره من الفقهاء كالشيخ أحمد شاكر المصري والشيخ مصطفى الزرقاء الحلبي الحنفي على ما أظن. والسؤال: كيف نتعامل مع الآراء المخالفة للمتبنى عندنا في الحزب وخصوصا إذا كانت لأئمة كبار مجتهدين. فمثلا هل نقبل في مسألة إثبات الصوم عن طريق حساب الفلك، أن في المسألة رأيين وأن رأي الجمهور هو على الجواز وليس على الوجوب، ونقبل قول القائل لا تلزمني في مسألة مختلف فيها بين الفقهاء وأيها قلدت فهو جائز؟
إن الغاية من السؤال هو أن يتبلور لدي فهم فقه الخلاف ومتى يكون الرأي الثاني مرجوحاً مثلا، ومتى يكون الرأي الثاني رأياً منكراً يجب محاربته، ومتى مثلا يكون الرأي الثاني يقبل الخلاف ولو كان مرجوحا من وجهة نظرنا؟ فمثلا: ما الفرق بين مسألة إثبات صوم رمضان بالحساب الفلكي من حيث قبول الرأي الآخر وبين مثلا عورة المرأة بالنسبة للرجل المخالف لرأي الحزب الذي يقول إن الوجه والكفين عورة؟
أعتذر عن الإطالة. ولكن أرجو التوضيح لماذا كانت النظرة مختلفة، طبعا من وجهة نظري "وأعتذر إن كنت مخطئا"؟ هل السبب هو قُرب وبُعد هذه الأحكام من وحدة الخلافة وتوحيد النظرة إليها أم غير ذلك؟
وجزاكم الله خيرا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
بارك الله فيك على دعائك الطيب لنا ونحن نبادلك الدعاء بالخير والبركات...
إن الحكم المستنبط من الأدلة الشرعية باجتهاد شرعي صحيح هو حكم شرعي في حق صاحبه وهو رأي إسلامي حتى لو خالف الرأي الذي نقول به نحن والرأي الذي نتبناه، خاصة إذا كان هذا الرأي رأي مجتهد من أئمة المذاهب المشهورين بالعلم والتقوى كاجتهادات أئمة المذاهب الأربعة ومجتهدي تلك المذاهب... وقد بيَّنا كيفية التعامل مع الآراء الفقهية التي تخالف الرأي الفقهي الذي نتبناه في أكثر من كتاب من كتب الثقافة الحزبية، وأنقل لك من موضعين ما يحسن أن يكون جواباً على تساؤلك بإذن الله:
1- جاء في كتاب مفاهيم حزب التحرير ما يلي:
[والإيمان بالإسلام غير فهم أحكامه وتشريعاته، لأنّ الإيمان به ثبت عن طريق العقل، أو عن طريق ثبت أصلها بالعقل، ولذلك لا يتطرق إليه ارتياب. أما فهم أحكامه فلا يتوقف على العقل وحده وإنّما يتوقف على معرفة اللغة العربية ووجود قوة الاستنباط، ومعرفة الأحاديث الصحيحة من الضعيفة، ولذلك كان على حملة الدعوة أن يعتبروا فهمهم للأحكام فهماً صواباً يحتمل الخطأ، وأن يعتبروا فهم غيرهم خطأ يحتمل الصواب، حتى يتسنى لهم أن يدعوا للإسلام ولأحكامه حسب فهمهم لها واستنباطهم إياها، وأن يحوّلوا أفهام الآخرين التي يعتبرونها خطأ يحتمل الصواب إلى أفهامهم التي يعتبرونها صواباً يحتمل الخطأ. ولذلك لا يصح أن يقول حملة الدعوة عن فهمهم، إن هذا هو رأي الإسلام، بل عليهم أن يقولوا عن رأيهم، إن هذا رأي إسلامي. وكان أصحاب المذاهب من المجتهدين يعتبرون استنباطهم للأحكام صواباً يحتمل الخطأ، وكان كل واحد منهم يقول: «إذا صح الحديث فهو مذهبي واضربوا بقولي عرض الحائط». وكذلك يجب أن يعتبر حملة الدعوة آراءهم التي يتبنونها، أو يصلون إليها من الإسلام باعتبار فهمها، آراء صائبة تحتمل الخطأ...] انتهى.
2- وجاء في كتيب دخول المجتمع ما يلي:
[... أما من ناحية الدخول فإنه يجب أن لا يسمح إلا بدخول الإسلام وحده خالصاً من كل شائبة، إذ سيحاول الكفار والحكام والسياسيون إدخال أفكار غير إسلامية للمجتمع تحت اسم الإسلام، حتى يوجدوا الميوعة في المجتمع من ناحية الإسلام، فيجب أن يكون المسلمون على وعي تام من هذه الجهة، فيهاجموا أي فكر مخالف للإسلام كما يهاجم أي فكر كفر، لأنه كفر صراح.
إلا أن هذا الهجوم إنما يكون على الأفكار السياسية أو التشريعية أي على الأفكار التي تتعلق بعلاقات المجتمع التي يجري بحثها في شؤون الدولة حين إصدار الفكر أو حين البحث. ومثال ذلك منع تعدد الزوجات، إباحة الجمعيات التعاونية، الاشتراك في الوزارات، التقارب بين حكام الدول القائمة في العالم الإسلامي في المحافظة على بقاء كل حاكم على ما هو عليه، الجامعة الإسلامية، رفع مستوى المعيشة، إدخال الأموال الأجنبية للبلاد، وما شاكل ذلك من الأفكار. فهذه كلها أفكار غير إسلامية تدخل على اعتبار أنها إسلامية، أو أنها لا تخالف الإسلام. فهذه يجب أن تهاجم وتحارب ولا تمكن من دخول المجتمع حتى لا تحدث الميوعة فيه. أما الأفكار الإسلامية التي تخالف ما تبناه الحزب فإنه يبين خطأ الفهم فيها، ولكن لا تهاجم بل يصرح بأنها رأي إسلامي ولكنها ضعيفة الدليل. فمثلاً من المجتهدين من لا يجيز أن يكون الخليفة إلا قرشياً أو من آل البيت، ومنهم من يرى عدم جواز أن تكون المرأة قاضياً، ومنهم من يرى جواز كنز الذهب والفضة إذا أخرجت زكاته، ومنهم من يرى جواز تأجير الأرض للزراعة، وما شاكل ذلك. فهذه الآراء كلها آراء إسلامية ولا تمنع من دخول المجتمع لأنها لا تحدث فيه ميوعة إذ هي إسلام كالآراء التي تبناها الحزب تستند إلى دليل أو شبهة دليل. ويكتفى بالنسبة لهذه الأفكار الإسلامية ببيان خطئها.
إلا أن الحزب في صحفه ونشراته ومناقشاته لا يحمل أي رأي يخالف الرأي الذي تبناه مطلقاً ولكنه يجوز أن ينشر آراء لم يسبق أن تبناها كنماذج للفهم الفقهي أو التشريعي ولكن غير منسوبة لمن صدرت عنه بل يكتفى بدليلها. هذا من حيث الآراء التي يقوم الحزب بنشرها، أما إذا نشر رأي إسلامي، عن غير طريق الحزب وكان هذا الرأي يخالف رأي الحزب فإنه يكتفي بمناقشته إن كانت هناك ضرورة لمناقشته وإلا أهمله. وبذلك كله يحول الحزب بين المجتمع وبين الميوعة التي تخشى أن تحصل فيه. وتظل المعركة دائرة بين الإسلام وبين الكفر حتى يهزم الكفر وينتصر الإسلام.] انتهى.
وواضح من المنقول في الأعلى أن الحزب لا ينكر على الآخرين القول بآراء فقهية تخالف ما يتبناه ما دامت استنبطت باجتهاد شرعي صحيح، فإن كان الأمر هكذا فلا ينكر عليهم، بل يناقشهم فيها ويحاول أن يقنعهم بخطأ آرائهم وصحة آرائه هو بناء على الأدلة، ولا يحارب آراءهم ولا يهاجمها بل يكتفي ببيان الخطأ فيها، ويسمح بوجودها في المجتمع لأنها آراء إسلامية حتى لو كانت مرجوحة وضعيفة الدليل بالنسبة للحزب...
- ومن الأمثلة على ذلك القول بأن وجه المرأة وكفيها عورة فهو رأي فقهي إسلامي قال به بعض الفقهاء والمجتهدين، ونحن لا ننكر على القائلين به، ولكننا ندعوهم إلى رأينا القائل بأن وجه المرأة وكفيها ليسا عورة، ونبين لهم بالأدلة الشرعية صحة رأينا، ولكننا لا نهاجم آراءهم هذه ولا ننكر عليهم اتباعها لأنها آراء إسلامية قال بها فقهاء مجتهدون...
- أما القول بالحساب الفلكي ففيه أكثر من قول عند قائليه... فمنهم من يرى أن الهلال إن طلع في الليل فإن تلك الليلة هي الأول من رمضان... ومنهم من يقول إذا طلع الهلال في النهار وغاب بعد الغروب مهما كانت مدة الغياب فهذه ليلة رمضان... ومنهم من يحاول التوفيق بين الحساب والرؤية فيقول إذا طلع في النهار وغاب بعد الغروب بمدة يحتمل معها إمكانية الرؤية فإذن تلك الليلة من أول رمضان... ثم يختلفون في مقدار هذه المدة أهي 10 دقائق أو 15 أو 20 وهكذا... وأنا لا أميل إلى أن هذا اجتهاد صحيح فالنصوص واضحة بربط الصوم والفطر بالرؤية «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» أخرجه مسلم، فكيف يعدلون عن ذلك إلى الحساب؟ خاصة أن الرسول ﷺ جعل عدم الرؤية لغيم مثلاً حتى وإن كان الهلال موجوداً خلف الغيم ولكن يحجبه الغيم فلا يرى، جعل عدم الرؤية في هذه الحالة موجبة لإكمال شعبان 30 يوماً حتى وإن كان الهلال موجوداً خلف الغيم ولكن لا يرى «فَإِنْ غُمِّيَ عَلَيْكُمُ الشَّهْرُ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ» أخرجه مسلم، وكل ذلك لتأكيد أن سبب الصوم والفطر هو الرؤية وليس أي سبب آخر. ولذلك فإن في نفسي شيئاً من اعتبار الحساب الفلكي مستنبطاً باجتهاد شرعي صحيح... ولقد تبنينا الرؤية الشرعية بأنها المعتمدة بناء على اجتهاد صحيح وفق الأصول الشرعية الصحيحة بإذن الله.
- والخلاصة أننا لا نهاجم أي رأي إسلامي قال به المجتهدون المعتبرون ما دام مستنبطاً من الإسلام باجتهاد شرعي بل نناقشهم بالحسنى بأن رأينا هو الصواب ونذكر الأدلة ونسمع منهم... ولكننا نقف بشدة في وجه الذين يريدون إدخال آراء غير إسلامية ويضللون الناس بها وهي بعيدة عن الإسلام بعد المشرقين! فهذه الآراء لا يصح التهاون في بيان زيفها مثل القول بإباحة الفوائد الربوية، والقول بجواز المشاركة في أنظمة الكفر والحكم بغير ما أنزل الله، حتى إن الحال وصل بهم أن يقولوا بجواز الصلح (السلام) مع اليهود وتطبيع العلاقات مع كيانهم ﴿أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾، ونحو ذلك من آراء انتشرت في زمننا وهي غير مستنبطة استنباطاً شرعياً صحيحاً بل إن بعضها يصادم الأدلة القاطعة من كتاب الله سبحانه وسنة رسول ﷺ، فمثل هذه الآراء لا تعد أحكاماً شرعية ولا آراء إسلامية، وينكر على قائلها والآخذ بها، وتحارب ويمنع وجودها...
آمل أن يكون في هذا الكفاية، والله أعلم وأحكم.
أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة
25 شعبان 1442هـ
الموافق 2021/04/07م
رابط الجواب من صفحة الأمير (حفظه الله) على الفيسبوك
رابط الجواب من صفحة الأمير(حفظه الله) ويب