الأحد، 20 جمادى الثانية 1446هـ| 2024/12/22م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • 1 تعليق

بسم الله الرحمن الرحيم

 جواب سؤال

الوضع السياسي في غامبيا

 

السؤال: نرجو اهتمام الحزب بقضايا المسلمين في إفريقيا كما يهتم بقضايا المسلمين الأخرى التي ما إن يحدث فيها حدث إلا ويصدر فيها بعد يوم أو يومين... ولكن غامبيا مثلاً لم يصدر فيها حتى اليوم شيء مع أن أحداثها استمرت ما يقرب من شهرين فنرجو توضيح ما جرى. ثم لماذا هذا الدعم من دول غرب إفريقيا للرئيس الجديد أداما بارو؟ ولماذا ضغطهم القوي على الرئيس السابق ليتنحى عن السلطة؟ وهل لانسحابه من الجنائية الدولية أو تسمية غامبيا بجمهورية غامبيا الإسلامية، هل لكل هذا علاقة؟ خاصة وأن الرئيس الجديد في مؤتمر صحفي 2017/01/28 بالعاصمة بانجول قال: ("إنه سيفي بوعده ويبطل قرار انسحاب بلاده من المحكمة الجنائية الدولية الذي اتخذه الرئيس السابق يحيى جامع"... وكشف عن عزمه على "تغيير اسم الدولة من جمهورية غامبيا الإسلامية لتصبح جمهورية غامبيا في إطار إصلاحات دستورية...") (الجزيرة، 2017/01/29)؟

 

الجواب: إن حزب التحرير هو حزب سياسي مبدؤه الإسلام فكل قضايا المسلمين هي قضاياه، ومراعاته للأولويات فيصدر في هذه ويؤجل تلك لا يعني عدم الاهتمام، وآمل أن يكون هذا واضحاً دون لبس، ومسيرة الحزب في فكرته وطريقته تنطق بذلك، والله المستعان. بعد ذلك أجيب على السؤال، وبالله التوفيق:

 

إن الجواب يقتضي استعراض واقع غامبيا السياسي منذ أن دخلها الإسلام ثم الصراع الدولي حولها... على النحو التالي:

 

1- إن غامبيا بلد إسلامي، حيث دخل أهلها الإسلام، فأصبح المسلمون يشكلون حوالي 95% من سكان البلد البالغ عددهم حوالي مليوني نسمة. استعمرت غامبيا من قبل بريطانيا وأعطتها الاستقلال عام 1965، وألحقتها بالكومنولث البريطاني... ونصبت داود جاورا رئيسا للوزراء في ظل نظام ملكي يتبع التاج البريطاني، ومن ثم جعلته يعلن الجمهورية عام 1970 ليصبح أول رئيس جمهورية، وذلك في ظل الهجمة الأمريكية على الدول الإفريقية التي تتبع الاستعمار الأوروبي وخاصة الدول التي تكون أنظمتها ملكية، ومثل ذلك فعلت بريطانيا في ليبيا عندما كثفت أمريكا هجمتها عليها في عهد الملكية، حيث جعلت ضابطا مغمورا كالقذافي وهو عمره 26 عاما يقوم بانقلاب أبيض على عميلها الملك عام 1969 ويعلن الجمهورية لقطع الطريق على المحاولات المكثفة لأمريكا لعمل انقلاب على النظام الملكي بليبيا. وهكذا فبريطانيا لا يهمها أن يجري تغيير في شكل نظام الحكم ولكن المهم أن يبقى المضمون الذي يضمن لها نفوذها واستعمارها.

 

2- وعندما وقعت غامبيا تحت الضغوطات والهجمات الأمريكية بشكل متزايد في نهاية القرن الماضي، أتت بريطانيا بضابط عسكري مغمور وهو يحيى جامع ولم يتجاوز عمره 29 عاما وجعلته يقوم بانقلاب أبيض يوم 1994/7/22 على أول رئيس للبلاد عميلها داود جاورا الذي استمر حكمه حوالي 30 عاما، وذلك للحفاظ على النفوذ البريطاني في البلد. وكانت ليبيا على عهد القذافي تدرب جنود غامبيا حيث كانت بريطانيا تستخدم عميلها القذافي لحماية عملائها في أفريقيا. وكما بدأ القذافي بالتصريحات التحررية ويخلطها ببعض الكلمات الإسلامية وكلمات العروبة ضد الاستعمار في الوقت الذي هو ينفذ مخططات بريطانيا وبعيد عن تطبيق الإسلام فكذلك كانت إجراءات يحيى جامع حيث أعلن عام 2013 انسحاب غامبيا من عضوية رابطة دول الكومنولث البريطاني ووصف الرابطة بأنها "تكريس لاستعمار جديد" وأنها قائمة "لفرض خطط الهيمنة الغربية على جميع دول العالم النامي"، وألغى اللغة الإنجليزية كلغة رسمية للبلاد متخذا العربية لغة رسمية، فقال: (طوال 300 سنة من الاستعمار لم تعلمنا بريطانيا سوى كيفية إنشاد "حفظ الله الملكة"). وأعلن جمهورية غامبيا بأنها دولة إسلامية عام 2015. فقال في تلفزيون بلاده الرسمي يوم 2015/12/11 إنه "تمشيا مع الهوية والقيم الدينية أعلن "غامبيا دولة إسلامية"... وإنه نظرا لأن المسلمين يمثلون أغلبية أهل البلد فإنها لا تستطيع مواصلة الإرث الاستعماري"، حيث كان دستورها ينص على نظام العلمانية الذي أقامه المستعمر الإنجليزي للبلاد التي هيمن عليها واستعمرها مئات السنين. وبذلك أصبح اسمها جمهورية غامبيا الإسلامية. فالتغيير جرى بالاسم وليس بالمضمون ولا بالتطبيق الفعلي للإسلام، مثله كمثل موريتانيا المجاورة لها حيث تسمى جمهورية موريتانيا الإسلامية وهي لا تطبق الإسلام بل تتبع الاستعمار الأوروبي. وخطوة يحيى جامع هي محاولة لتثبيت حكمه وكسب شعبية أكثر وسط الانتقادات لحكمه ومحاولات أمريكا إسقاطه وقلبه. وكدليل على حب الناس للإسلام فقد عارض السكان إرسال أبنائهم إلى المدارس الإنجليزية باعتبارها مدارس تغريبية تخرج أجيالاً مسلوبة الهوية تابعة للمستعمر، واشترطوا أن يكون التدريس بالعربية وأن تدخل مادة التربية الإسلامية في المناهج. ومع كل هذا وذاك فقد استمر نفوذ بريطانيا لم يمس، وبقيت هي ممسكة بزمام الأمور مباشرة أو من وراء ستار بواسطة العملاء في البلد. ولم تجد بريطانيا لإضافة اسم الإسلام للجمهورية تأثيراً ما دام باقياً لفظاً دون معنى، أي دون تطبيق للإسلام، وما دام يحافظ على شعبية عميلها أمام الضغط الأمريكي.

 

3- قامت محاولة انقلاب يوم 2014/12/30 ضد يحيى جامع، إذ هاجموا قصره الرئاسي على أمل إسقاطه وهو خارج البلاد. وكانت وراء تلك المحاولة أمريكا حيث تبين أن العقل المدبر هو رجل الأعمال "تشيرنو نجي" المقيم بولاية تكساس بأمريكا ومعه ثلاثة آخرون يقيمون بأمريكا. وبعدما فشل الانقلاب حوكم هؤلاء الأربعة بأمريكا بعقوبات خفيفة، حيث حكم على "تشيرنو نجي" سنة سجن واحدة، لأنهم كما قال وزير العدل الأمريكي أندرو لوغر: "إن الرجال الأربعة قاموا بانتهاك القوانين الموجودة لحماية السياسة الخارجية لبلادنا وجميع الأمريكيين على حد سواء داخل وخارج الولايات المتحدة". (رويترز 2016/5/13) فأمريكا حاكمت مواطنيها من أصل غامبي للتغطية على الحقيقة وكأنها ليست على علم بذلك، ولو نجح الانقلاب لأيدته، ولكن بما أنه قد فشل قامت بهذه العملية التمثيلية بمحاكمة هؤلاء الأشخاص بعقوبات خفيفة.

 

4- وهكذا فإن الهجمة الأمريكية على النفوذ الأوروبي ومنه البريطاني في تزايد في منطقة غرب أفريقيا كما هي في المناطق الأخرى. وكانت ذريعتها هي سوء سجل هذه الدولة أو تلك في مجال حقوق الإنسان، وهم في الحقيقة لا يقيمون وزناً لحقوق الإنسان! وركزت أمريكا هذه الذريعة على يحيى جامع في غامبيا لتغييره وإدخال نفوذها مكان النفوذ البريطاني، وكانت تلك الهجمة من الشدة لدرجة أن أوروبا سايرت الهجمة لتقطع الطريق على أمريكا... فقام الاتحاد الأوروبي وعلق مساعداته لغامبيا بشكل مؤقت بالذريعة نفسها "سوء سجلها في مجال حقوق الإنسان". وأرادت بريطانيا تبديل العملاء بصورة لا تستطيع أمريكا الوقوف في وجهها لأنها باسم الديمقراطية، وهي الوسيلة التي تستعملها الدول الغربية لسحب النفوذ من بعضها بعضاً أو تستخدمها ذريعة للتدخل، علما أن الدستور الغامبي يقضي بإجراء انتخابات كل خمس سنوات، وأن داود جاورا كان يفوز دائما في الانتخابات وكذلك حزبه حزب الشعب التقدمي الذي كان مسيطرا على السياسة الغامبية، أي أن الوسط السياسي في غامبيا إنجليزي. وكذلك كان على عهد يحيى جامع مدة 22 عاما والذي كان يعلن دائما عن فوزه. وهكذا جرت انتخابات الرئاسة في نهاية السنة الماضية يوم 2016/12/02. فأعلن عن فوز منافسه آداما بارو الذي كان يعمل في لندن ببريطانيا كحارس أمن في متاجرها، وعاد إلى بلده غامبيا عام 2006 حيث أسس شركة عقارات وما زال يديرها. فهو مرتبط بالإنجليز من أوله إلى آخره.

 

5- اعترف يحيى جامع بالهزيمة معلنا في التلفزيون الرسمي أن "الغامبيين قرروا أن أنسحب وصوتوا لشخص آخر لقيادة البلاد"، واتصل هاتفيا بمنافسه قائلا: "أنت الرئيس المنتخب لغامبيا، أتمنى لك النجاح والأفضل"، ولكنه تراجع عن ذلك عندما أعلنت هيئة مراجعة الفرز النهائي تقلص الفرق بين المتنافسين من 60 ألفا إلى أقل من 20 ألفا، وتحدث عن "عدم تمكن البعض من الاقتراع بينما منعت معلومات خاطئة آخرين من الاقتراع"، وقال: "سنعود إلى صناديق الاقتراع لأنني أريد التأكد من أن كل غامبي يصوت تحت سلطة لجنة غير منحازة ومستقلة وحيادية ولا تخضع لأي تأثير أجنبي". وكأن هناك اتفاقاً كان معه على أن ينسحب ويتخلى عن منصب الرئيس للعميل الجديد، ولكنه ظن أن بإمكانه إقناع بريطانيا بأن تمدد بقاءه سنوات أخرى! إلا أن الأوروبيين وخاصة بريطانيا رأت أنه لم يعد بالإمكان بقاؤه خوفا من تسلط أمريكا على البلد وأخذه من بريطانيا، وبخاصة أن أمريكا قد أدانت على لسان المتحدث باسم خارجيتها مارك تونر يوم 2016/12/10 رفض الرئيس الغامبي نتائج الانتخابات فقال المتحدث الأمريكي: "إن موقف جامع خرق مستهجن لثقة الشعب الغامبي في بلاده، وهي محاولة فاضحة لتقويض إيمان الشعب الغامبي بعملية انتخابية ذات مصداقية وإن هدف جامع هو البقاء في السلطة بطريقة غير شرعية" وهذه حجة قوية لتدخُّل أمريكا ولهذا رفضت بريطانيا بقاءه، وحسمت الموضوع بقرار دول غرب إفريقيا (إكواس) بالتدخل وهي عميلة لأوروبا وخاصة بريطانيا وفرنسا صاحبتا النفوذ في المنطقة. فتقدمت السنغال العضو غير الدائم في مجلس الأمن يوم 2017/1/19 بمسودة قرار إلى المجلس لإتاحة التدخل بدعم من بريطانيا وفرنسا العضوين الأوروبيين الدائمين في المجلس. وأمريكا لن تستطيع أن تقول لا، وهي التي تقود المعارضة لنظام يحيى جامع، وهي تبحث عن وسائل للتدخل، وبذلك أقر مجلس الأمن مسودة القرار بالإجماع يوم الخميس 2017/01/19م إذ عبر مجلس الأمن عن "دعمه الكامل لمجموعة دول غرب أفريقيا في التزامها لضمان احترام رغبة الشعب في غامبيا، عبر الوسائل السياسية في المقام الأول". أي أنه يجوز استعمال الوسائل غير السياسية عندما تفشل هذه الوسائل، فتلجأ إلى استعمال الوسائل العسكرية.

 

6- وهكذا حُسمت المسألة... وأقسم آداما بارو المقيم في السنغال منذ 2016/12/15، أقسم اليمين في سفارة بلاده بالسنغال يوم 2017/1/19... وأرسلت السنغال ونيجيريا وغانا قوات برية نحو حدود غامبيا، مع القيام بالوساطات لحمل جامع على التنحي ومغادرة البلاد. فمنحت دول غرب أفريقيا يحيى جامع فرصة حتى ظهر يوم 2017/1/20 للتنحي ومغادرة البلاد، وقد وصل قادة هذه الدول إلى عاصمة غامبيا لمنح يحيى جامع الفرصة الأخيرة لتسليم السلطة سلميا قبل أن تطيح به قوة عسكرية إقليمية وصلت البلاد بالفعل... وفي اليوم نفسه 2017/1/20 أعلن قائد الجيش الغامبي أنه "يعترف بالرئيس الجديد أداما بارو قائدا أعلى، ولن يقاتل قوة إقليمية تستعد لخلع الرئيس المنتهية ولايته يحيى جامع"... فاضطر يحيى جامع يوم 2017/1/21 إلى اتخاذ قرار بالتنحي ومغادرة البلاد إذ لم يعد لديه قوة تدافع عنه لا في الداخل ولا في الخارج... ومن ثم أعلنت الأمم الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا توقف العملية العسكرية في غامبيا مع ضمان الحق ليحيى جامع بالعودة إلى بلاده بعد إعلانه تنحيه عن السلطة ومغادرته البلاد. وقد أكد المتحدث باسم حكومة غينيا الاستوائية أوجيو نزي يوم 2017/1/24 أن بلاده منحت الرئيس الغامبي يحيى جامع حق اللجوء السياسي. وذلك لتجنب أي مواجهة مسلحة في غامبيا. (أ ف ب 2017/1/25) وبذلك انتهت أزمة سياسية في غامبيا استمرت مدة ستة أسابيع، وهكذا أسدل الستار على حكم يحيى جامع الذي استمر 22 عاما، وذلك باستبدال عميل بعميل ليحفظ النفوذ الأوروبي.

 

7- والخلاصة هي أن التغيير الذي حدث في غامبيا لم يكن لأن يحيى جامع انسحب من الجنائية الدولية فهناك دول كثيرة ليست في الجنائية الدولية ومنها أمريكا... ولا هو لأن يحيى جامع وضع في اسم الدولة كلمة "الإسلامية" فعدد من الدول فيها هذا الاسم، وذلك لأن الذي يخيف الغرب هو تطبيق الإسلام في دولة الإسلام، وأما مجرد اللفظ دون معنى فلا يخيفهم... وإنما التغيير الذي حدث هو في باب الصراع الدولي، فأمريكا تلاحق الأوروبيين في مستعمراتهم الإفريقية لتُطبق عليها حيث تجد الفرصة المتاحة، وكأنها وجدتها في غامبيا تحت حكم يحيى جامع بذريعة انتهاك حقوق الإنسان، فرأت أوروبا "بريطانيا" أن تركب هي الموجة وتستبدل عميلاً بعميل فتقطع الطريق على أمريكا ومن ثم تحافظ على استمرار النفوذ البريطاني في غامبيا حتى ولو إلى حين...

 

إن أهل غامبيا كغيرهم من المسلمين يتوقون لحكم الإسلام وينتظرون من يخلصهم من ربقة الاستعمار ومن حكم الكفر، وهي مسئولية كل مسلم قادر أن يبذل الوسع في حمل الدعوة كما حملها رسول الله r وسار على نهجه صحابته رضوان الله عليهم، ومن ثم إقامة الخلافة الراشدة، فيحيا بها من حيَّ عن بينة ويهلك من هلك عن بيِّنة:

 

﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ

 

 

 

الثالث من جمادى الأولى 1438هـ

2017/1/31م

1 تعليق

  • Khadija
    Khadija الأربعاء، 01 شباط/فبراير 2017م 00:35 تعليق

    جزاكم الله خيرا يا أميرنا ونصركم ورضي عنكم

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع