- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
العقدة الكبرى والعقد الصغرى
الحلقة السادسة والثلاثون
نواصل حديثنا مع عقدة الأولاد والبنات:
وقد حذّرَنا سبحانه وتعالى أن ننشغلَ عن ذكر الله بأولادنا، أو بأموالنا، وحذّرنا أن في ذلك الخسرانَ المبين: قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)، بل حذّرنا أن منهم من هو عدوٌّ لنا وعلينا أن نحذّرَهُ، وكذلك إن منهم من هو فتنة لنا، فعلينا أن نحذرَ هذه الفتنة، فقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ، إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ، فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، وهنا إشارة إلى أن الولدَ ربما كانَ سبباً للبخل، يدفعُ أباهُ للشحِّ والبخلِ فحذرّنا الله سبحانه وتعالى من ذلك، وقد صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قولُهُ: (إن الولد مبخلة مجبنة محزنة)، فالولدُ يسببُ الحزنَ لأبيه، ويدفعُهُ للجبنِ خوفاً على ولده، ويدفعُهُ للبخل من أجل ولدِه، فعلى الأب أن يتنبّه لهذا، ولا يجعلْ ولدَه مانعاً له من ذكرِ الله، والقيامِ بما أمر الله سبحانَه وتعالى من فروض وواجبات.
وقد أخبرَ اللهُ سبحانَه على لسان نوحٍ عليه السلام، أن الكفارَ ازدادوا كفراً وخسراناً بسبب أموالهم وأولادهم، فقال سبحانه: (قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا).
وقد ابتلى اللهُ سبحانَه وتعالى بعضاً من عبادِه بأن جعله عقيماً، لحكمة يعلمها الله سبحانه، فعلى المبتَلى بهذا الابتلاء أن يصبرَ ويحتسبَ، لأنّ هذا يدخلُ في باب القضاء والقدر، وموقف الإنسان تجاهه الصبرُ والاحتساب.
وجعلَ الله سبحانَه وتعالى الاستفغار سبباً لزيادة الرزق والمال والولد، فقال على لسان نوحٍ عليه السلام: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا، يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا)
ونهى الإسلام عن تفضيل أحد الأولادِ على الآخرين، أو بعضهم على بعض، أو تفضيل الأولاد على البنات، وأمر بالمساواة بينهم في كل شيء، كالعطية مثلاً، روى مسلمٌ عن النعمان بن بشير قال: أتى بي أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني نحلت ابني هذا غلاما. فقال: (أكل بنيك نحلت؟) قال: لا. قال(فاردده).
وقد انساق بعضٌ من أبناء المسلمين اليوم وراء الحضارة الغربية، وغزوها الفكري، فتأثروا بالغربيين في النظرة إلى الأولاد والبنات من جهة أنهم عبءٌ كبيرُ يثقلُ كاهلُهم، ويتعلّلون لذلك بارتفاع تكلفة الحياة، وتغيرها، فقللوا عددَهم، وهذا إنما هو سوءُ ظنٍّ بالله سبحانَه، فهو الرزاقُ دونَ شكٍّ، ويقسمُ لكل مولود رزقه حتى يموت، فرزق الأولاد ليس على آبائهم، وإن كان آباؤهم غالباً طريق ذلك الرزق، يقول الحق جلّ وعلا: (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ) فحرّمَ قتلَهم بسبب الفقر، وقال سبحانه: (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم) فحرّمَ قتلَهم خَشيةَ الفقر مستقبلاً، وأخبرَ أنه الرزاق لنا ولهم، ولهم ولنا.
بهذا تكونُ النظرةُ الصحيحةُ المنبثقة عن العقيدةِ الإسلاميةِ –الحلِّ الصحيحِ للعقدةِ الكبرى-، فيسيرُ الإنسانُ في حياتِه مفوّضاً أمرَه وأمرَ أولادِه إلى الله تعالى، لا يخافُ عليهم شيئاً، ولا يخشى عليهم فقراً، فلا ينشأ عنده قلقٌ ولا اضطراب.
ونبقى مع هذه الآيات البينات المتعلقة بالأولاد في نهاية حديثنا: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ اللّهِ شَيْئًا وَأُولَـئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّار)
(وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ، قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ، وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ)
(قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)
(لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
كتبها لإذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير
أبو محمد – خليفة محمد - الأردن