- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
العقدة الكبرى والعقد الصغرى
الحلقة الثامنة والثلاثون
نواصل حديثنا مع عقدة الغرور:
إن غيابَ المفاهيمِ الصحيحةِ عن الإنسانِ يجعلُه يرى نفسَه على غيرِ حقيقتِها، فيحسُّ بذاته، بل تتضخمُ ذاته لتصيرَ أكبرَ من حجمِها الطبيعي، حجمُها الطبيعي أنها مخلوقةٌ لله تعالى، تدينُ له بالعبودية، وتمتثل أوامرَ الله تعالى ونواهيَه، وتدركُ أنَّ كلَّ ما أوتيتْهُ إنما هو من عند الله، ومن كرمِ الله تعالى، ومن فضله عليها، ومن نعمِهِ عليها، وتدركُ أنها لا تملك شيئاً من النفعِ والضرِّ، لا لنفسها ولا لغيرها، هذا الرسولُ الذي اصطفاهُ اللهُ سبحانه وتعالى واختاره يأمرُه الله تعالى أن يقول: (قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)، فإن كان الرسولُ لا يملك لنفسه شيئاً إلا بإذن الله، وهو من هو عندَ الله تعالى، فما بالُنا بأنفسنا؟
المفاهيم الصحيحةُ المنبثقةُ من الحلِّ الصحيحِ للعقدةِ الكبرى –العقيدة الإسلامية- يقضيْ أن يعرفَ الإنسانُ قدرَه فلا يتجاوزَهُ، وعليه أن يدركَ أنه واحدٌ من عبيدِ اللهِ المخلوقين الضعفاء الفقراء، فمهما اغتنى فإنه لا يستغني عن الله، ومهما أوتي من علم فلن يستغني عن الله، ومهما صارَ قوياً فإنّه بالله ومن الله أوتي هذه القوة، فلا يتكبّرُ على عباد الله، ولا يرى نفسه فوقهم.
وليتصوّر المتكبر نفسه قبل أن يولّدَ وحين ولادته؟ وليتصور نفسه بعد موته، وليرَ الدودَ يرتعُ في بدنِه.
حرّمَت العقيدةُ الإسلاميةُ الكِبرَ والغرورَ، وجعلت عاقبتَه الذلَّ والهوان والصغارَ يوم القيامة، فالمتكبرون يحشرونَ كالذرّ في صور الرجال، يطؤهم الناس بأقدامهم، ثم تكون جهنمُّ مثواهم، يقول الله سبحانه وتعالى: (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ)، ويقول أيضاً: (قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ).
والله سبحانَه، المستحقُّ وحدَه للكبرياء، فهو المالك الحقيقيُّ لكلِّ شيءٍ، وهو القادرُ على كل شيءٍ، وهو الغنيُّ، وهو المحيطُ علمُه بكل شيءٍ، فكيفَ لهذا المخلوقِ الضعيف أن ينازعَ اللهَ سبحانَه وتعالى الكبرياء؟ قال الله سبحانه: (وَلَهُ الْكِبْرِيَاء فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
والمتكبرُ يُطبَعُ على قلبِهِ، فلا يعودُ يبصرُ، ولا يعودُ يسمعُ، ولا يعودُ يفقَه، فيفقدُ البصرَ والبصيرةَ، وتنسدُّ في وجهِه أبوابُ الهدايةِ ما دامَ متكبراً، يقول الله سبحانه وتعالى: (كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ).
والمتكبرُ محرومٌ من دخولِ الجنة، روى ابن ماجة عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدخل الجنةَ من كان في قلبه مثقالُ حبةٍ من خردلٍ من كبرٍ).
ومن ابتغى أن يرتفعَ قدرُه في الدنيا والآخرة فعليه بالتواضع، فقد روى مسلم عن أبي هريرةَ رضي الله عنه أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما نقصت صدقةٌ من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله).
وإبليسُ أولُ من استكبرَ، أمرَ بالسجودِ لآدمَ فاستعظمَ ذلك، وقال إنه خيرٌ من آدمَ، خلقَ من نارٍ وآدمُ خلقَ من طين، فرأى أن النارَ خيرٌ من الطينِ، فاستكبر عن أمرِ الله، فاستحقَّ غضبَ اللهِ ولعنتَه، وطردَ من الجنةِ، ثم أنظرَهُ الله تعالى إلى يوم القيامةِ، لينالَ جزاءَه في جهنمّ. فالموقف الصحيح أن يمتثلَ العبدُ لأمرِ اللهِ تعالى، دونَ أن يُعِمِلَ عقلَه في واقع الأمرِ، لأنَّ الأمرَ إن صدرَ من صاحبِ الأمرِ فإنّه لا يحتملُ إلا التنفيذ، ولا يحتملُ المناقشةَ أو الردَ والرفض. لكنه الكبرُ الذي أعمى بصرَه وبصيرتَه، فأحلّه دارَ البوارِ، وبئس المصير.
فالعقيدة الإسلاميةُ- التي هي الحلُّ الصحيحُ للعقدةِ الكبرى- وضعت الإنسانَ موضعَه الصحيحَ الذي لا يجوزُ له أن يتجاوزَه، فإن فعلَ فقد ظلم نفسَهُ وأوردَها مواردَ الردى، وأرداها في الحضيض، ومن وضعَ نفسَه موضعَها الصحيح بالتواضعِ أعزّه الله تعالى، ورفعَ قدرَه في الدنيا والآخرة.
كتبها لإذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير
أبو محمد – خليفة محمد - الأردن