- الموافق
- 5 تعليقات
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة المهندس عثمان بخاش مدير المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
لمؤتمر "الخلافة القادمة منقذة العالم"
الذي منعت السلطات التونسية عقده بتاريخ 2016/06/04م
الموقف الدولي الراهن وتداعياته على البلاد الإسلامية
كيف يبدو الموقف الدولي اليوم مقارنة مع ما كان عليه قبل مائة عام؟
- الصراع الاستعماري الدولي اليوم لا يختلف كثيرا عن سابقه في مطلع القرن العشرين:
- دولة كبرى تتحكم بالمسرح الدولي وتخطط لنهب الشعوب واستعبادها واستعمارها، أو استحمارها وتدميرها، فكلمة استعمار مضللة إذ تفيد التعمير، بينما واقع السياسة الاستعمارية هي التدمير والتخريب، وهذا كله لا يتم إلا على جثث وأشلاء الشعوب المغلوبة على أمرها سواء في حرب الأفيون التي فرضتها بريطانيا على الصين، أو في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وما تلاها من حروب لم تنته بعد حيثما طمعت الدول الاستعمارية (أوروبا من قبل وأمريكا التي ورثت تركة الاستعمار الأوروبي من بعد). ودائما سعت الدول الاستعمارية إلى تبرير جرائمها بأنها كانت لخدمة الإنسانية تارة، أو لنشر الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان وما شاكل ذلك من الشعارات المضللة تارة أخرى، وآخر ذلك شعار الحرب على الإرهاب الذي رفعته أمريكا بدلا من شعار الحرب الصليبية الذي رفعه جورج بوش بعد 11 أيلول 2001.
- هناك تفاصيل كثيرة تتعلق بالصراعات فيما بين الدول الاستعمارية التي تداعت على الأمة الإسلامية، ولكن الخط العريض الذي يجمع هذه الصراعات: أنه في الوقت الذي تظهر فيه بعض الخلافات الفرعية والتباينات في التنافس على حصص الكعكة الاستعمارية، فإن هناك إجماعاً بين دول الشرق والغرب من الصين وروسيا إلى أوروبا وأمريكا على الحيلولة دون عودة وحدة الأمة الإسلامية. فالدول الغربية التي واجهت المنظومة الاشتراكية الماركسية وصولا إلى تفتيت الاتحاد السوفياتي، لم ولن ترضى بتوحيد المسلمين تحت ظل دولة الخلافة التي تمتد من إندونيسيا شرقا إلى المغرب غربا.
- فدولة الخلافة تعني وجود نموذج حضاري بديل يكشف عوار الحضارة الرأسمالية الفاسدة، ويقدم بديلا ساميا للبشرية. ولهذا عمدت دول الغرب، وعلى رأسها أمريكا إلى شيطنة الإسلام والمسلمين، واخترعت فزّاعة "الإرهاب" والتي صنعت أدواته، لتبرر شن الحملات العسكرية في سوريا واليمن والعراق وسوريا وأفغانستان وحيثما اقتضت مصالحها ذلك. وفي الوقت نفسه فإن محاربة الإرهاب تفرض على حكام المسلمين الانضواء تحت عباءة أمريكا، لحماية عروشهم المهتزة، فما تأمر به أمريكا يسارعون إلى تنفيذه سواء في جعل الأنظمة أنظمة بوليسية مخابراتية تقوم بالبطش بالمسلمين العاملين على التحرر من القبضة الغربية، أو بالعمل على الترويج لمفاهيم الحضارة الغربية القائمة على عقيدة فصل الدين عن الحياة، وتزيين الحياة الغربية التي تقوم على أساس النظرة النفعية وتعظيم اتباع الشهوات والملذات، كما تقوم على العمل الحثيث المكثف لتحريف معاني الإسلام ومفاهيمه في نفوس المسلمين، عبر شن حملات متتالية تهدف إلى "علمنة الإسلام" تحت ذارئع شتى، منها ضرورة مواكبة الحداثة واللحاق بالعالم المعاصر، كيلا يتخلفوا عن ركب الحضارة المزعومة، ومنها الزعم الساقط بأن الإسلام اكتفى بتحديد القيم العليا للفرد والمجتمع، مع فتح الباب واسعا للاستفادة من الحضارة الإنسانية المشتركة، فلا تضارب بين الديمقراطية والشورى ولا بين مفهوم الحريات ومفهوم "لا إكراه في الدين"، بل زعم بعض المشايخ أن الحضارة الغربية تحقق القيم الإسلامية المستنبطة مما زعموه "مقاصد الشريعة"!!، ومن ذلك الفتوى الهندية الشهيرة لمحمد عبده الذي عُدّ من رواد الصحوة الإسلامية، حيث أفتى بأن النظام البريطاني في الهند يحقق قيم العدل ويحفظ مصالح الناس وعليه فالاحتكام إليه ليس رخصة بل واجب على المسلمين.
والمتتبع لمواقف الساسة الغربيين وتصريحاتهم يلمس بكل جلاء عداوتهم للإسلام والمسلمين، ومن ذلك تصريحات جورج بوش، وريتشارد كلارك، وديفيد كاميرون، وطوني بلير، وفرانسوا ميتران، ومانويل فالس، وسيلفيو بيرلسكوني... وهم لم يخفوا عزمهم على العمل على "علمنة الإسلام" وتحويله إلى دين كهنوتي لا يختلف بشيء عن النصرانية والهندوسية، فقد صدرت دعوات صريحة من كبار قادتهم يدعون إلى الحاجة لتعديل مناهج التعليم، وتطويع المؤسسات الدينية من معاهد وكليات ومنظمات كالأزهر، والمفتين وما يتبعهم.
وقد وجدنا أوباما يلقي خطابات في أنقرة (نيسان 2009) ثم في القاهرة (حزيران 2009) ثم في جاكرتا (تشرين الثاني 2010) ضمنها رسالة أساسية: فمن جهة حاول مخادعة المسلمين بأن أمريكا تكنّ لهم الود كله، وفي الوقت نفسه أرسل رسالة حازمة إلى حكام المسلمين لوجوب انصياعهم للإملاءات الأمريكية في العمل على منع عودة الإسلام إلى الحياة، وما هذا إلا استمرار لسياسة الأمن القومي التي وضعها جورج بوش في أيلول 2002، حيث دعا إلى ضرورة نشر الحضارة الغربية ومفاهيم الديمقراطية في أذهان المسلمين صغارا وكبارا مع التركيز على المناهج التعليمية.
- وتلبية لتعليمات أوباما بأن يقوم حكام المسلمين بمواجهة "الفكر المتطرف"، بادر السيسي في مصر بالدعوة إلى "ثورة دينية" تستهدف تصحيح المفاهيم المتشددة المتطرفة الموجودة في بطون المراجع الإسلامية، وقد شهدت المنابر المأجورة فورة في التصريحات والمقابلات والمقالات الداعية إلى "الإسلام الوسطي المعتدل" والتي تهاجم فكرة أن الإسلام يتضمن نظاما للحكم والحياة، وتروج لمقولة فصل الدين عن الدولة وعن الحياة العامة، فالدين، عندهم، أمر فردي شخصي ينحصر في علاقة الفرد بخالقه، وهو حر في ذلك سواء اختار التدين والتعبد أو اختار الإلحاد والكفر والضلال، فهذا كله تحت حرية العقيدة ولا إكراه في الدين، ومن ذلك تصريحات علي جمعة والريسوني وغيرهما...
- وأخيرا، ما خرج به قادة حركة النهضة وأولهم الغنوشي، الذي دعا صراحة إلى الفصل بين البعدين الديني المسمى بالدعوي والسياسي، فإن لم تكن هذه هي العلمانية فما هي العلمانية إذن؟!
- طبعا لتمرير هذه الشعارات والطروحات كان لا بد من "خلفية" مناسبة تخدع البسطاء من الناس فتحملهم على الفرار من شناعة "الإرهاب" الأعمى الذي يصور بأقبح الصور والنعوت، فعلى خلفية أخبار التفجيرات في مساجد وحسينيات وأسواق شعبية، ومشاهد القتل والسحل، يكتمل الإعداد المسرحي لحمل الناس على نبذ "الإرهاب الأعمى البغيض" وقبول سم الحضارة الغربية التي تزعم حرصها على حقوق الإنسان وحرياته، دون التوقف كثيرا عند سجلها الأسود في حروبها الاستعمارية في العالم القديم والجديد بما في ذلك استخدام القنابل النووية والتي ترفض أمريكا إلى الآن الاعتذار عنها، وقل مثل ذلك عن استخدامها الأسلحة المحرمة في فيتنام، ومن قبل حرب الأفيون الشهيرة لتفرض بريطانيا استعمارها على الصين، والسجل الاستعماري الأسود لفرنسا في تونس والجزائر وبقية إفريقيا... ثم بعد هذا كله تتعالى الصيحات من عواصم الحضارة والإنسانية المزعومة هلعا وجزعا من اللاجئين النازحين من جحيم سياساتهم الاستعمارية!!
أيها الأحبة،
كنت في 2011/1/11م، أي قبل فرار الطاغية بن علي بثلاثة أيام، توجهت بنداء إلى أهلنا وأحبتنا في تونس عنوانه: أما الآن فإلى أين يا تونس؟ تساءلت فيه:
1- هل ستنتهي تلك التظاهرات العارمة بتسلم أحد معاوني بن علي زمام الأمور!؟
2- هل ستنتهي الأمور ببقاء هذا الدستور الوضعي الظالم والذي تمّت كتابته وصياغة مواده في أوروبا!؟ هل سيستمر تطبيقه!؟
3- هل ستنتهي تلك الدماء التي سفكت لمصلحة أمريكا وأوروبا مرة أخرى!؟
4- هل ستسخَّرُ وتُركَبُ موجةُ التظاهرات العارمة هذه لتخدم مصالح الفاسدين والمفسدين محلياً... كما يحصل دائماً بعد كل حدث من هذا القبيل في عالمنا الإسلامي!؟
وفي 2011/1/18، أي بعد أسبوع من ندائي، أصدر حزب التحرير بيانا إلى أهلنا في تونس بعنوان: حكمُ الطاغية بن علي خرج من الباب في الخفاء ثم عاد من الشباك، بل من الباب، بعد كلِّ سفكِ الدِّماء!
منبها إلى أن "المشكلة ليست في شخص الطاغية بن علي، وإنما هي في النظام الوضعي الذي تركه من خلفه فهو الذي يُنتج الطغاة..."، وختمه بالقول:
"إن الرائد لا يكذب أهله، وإن حزب التحرير يستنهض هممكم لتجيبوا نداء الدماء الزكية التي سُفِكت خلال انتفاضتكم العظيمة: إن تلك الدماء تناديكم أن لا تُضيِّعوها سُدىً بسكوتكم على النظام الوضعي الجائر فوق رقابكم... إن تلك الدماء تناديكم أن تَقْلعوا النفوذَ الغربي وأدواتِه وعملاءَه المضبوعين بثقافته من بلادكم... إن تلك الدماء تناديكم أن تجيبوا داعي الله فتقيموا الخلافة الراشدة، وعدَ اللهِ سبحانه وبشرى رسوله e لكم فهل أنتم مجيبون؟"
اختتمت حركة النهضة التونسية مؤتمرها العاشر بإعلان التخصص داخل الحركة في العمل السياسي، وترك النشاط الدعوي للمنظمات المدنية، وعبّر الغنوشي عن التزامه بأن تتركز أعمال حركة النهضة حول اهتمامات المواطن التونسي اليومية، والانتقال من الصراع على الهوية إلى الاهتمام بمشاغل الناس.
إذن إعلان النهضة هو إعلان صريح بقبول منظومة العلمنة الغربية القائمة على فصل الدين عن الحياة، وبحصر الدين في الطقوس والشعائر التعبدية فحسب، وهذا لا يعني سوى الذوبان في الحضارة الغربية على حساب العقيدة الإسلامية، ورسالة الأمة الإسلامية التي أكرمها الله سبحانه بالشهادة على الناس، بعد أن وصفها بأنها خير أمة أخرجت للناس.
أما نحن فنرى أنّ بطولاتِ أهل تونس ضاربةٌ جذورُها في عمق التاريخ منذ أكرمها الله سبحانه بالإسلام، فأصبحت من مناراته التي بها يُهتدى، وانطلقت منها شرارة الفتح لشمال أفريقيا والأندلس... وعُرفت ببلد عُقبة بن نافع الذي انطلق منها حاملاً الإسلام إلى شمالي أفريقيا حتى وصل شواطئ المحيط الأطلسي، فوقف أمام أمواجه الهادرة مخاطباً: لو كنت أعلم أن وراءك أناساً لخضت عُبابك بسنابك خيلي فاتحاً!
نعم هكذا هي تونس الخضراء، وهكذا كان أبناؤها رجالاً مجاهدين في سبيل إعلاء كلمة الله ونصرة دينه.
حقا هذا هو جوهر الصراع الدائر اليوم:
الاستعمار العالمي بشقيه الغربي والشرقي يسخّر كل ما أوتي من قوة وحيلة لتكريس هيمنة الحضارة المادية المفلسة على العالم، ولمنع ظهور المارد الإسلامي الذي هو أمل البشرية في التخلص من ويلات تلك الحضارة.
ولكن يأبى الله ورسوله إلا النصر للإسلام، فالله سبحانه وعد ووعده الحق: ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾. والرسول e بشرنا في الحديث: «إن الله زوى لي الأرض فأريت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها».
وصدق الله ورسوله ولو رغم الكافرون والمنافقون والمرجفون والذين في قلوبهم مرض.
5 تعليقات
-
#الخلافة_منقذة_العالم
#العلمانية_ترتجف_مؤتمر_تونس
#KhilafahConferenceTunisia -
طيب الله الانفاس أخانا عثمان بخاش
-
بارك الله بكم . ونسأله تعالى أن يَمُنَّ علينا بقيام دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة .
-
بارك الله فيكم وجزاكم الله كل خير
-
جزاكم الله خيرا وبارك جهودكم