- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
مع الحديث الشريف
إِذَا حَكَمَ الْحَاكِم فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ
نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
روى البخاري في صحيحه قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ الْمَكِّيُّ حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي قَيْسٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ"
جاء في كتاب فتح الباري لابن حجر:
قَوْله (إِذَا حَكَمَ الْحَاكِم فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ) فِي رِوَايَة أَحْمَد "فَأَصَابَ" قَالَ الْقُرْطُبِيّ: هَكَذَا وَقَعَ فِي الْحَدِيث بَدَأَ بِالْحُكْمِ قَبْل الِاجْتِهَاد، وَالْأَمْر بِالْعَكْسِ فَإِنَّ الِاجْتِهَاد يَتَقَدَّم الْحُكْم إِذْ لَا يَجُوز الْحُكْم قَبْل الِاجْتِهَاد اِتِّفَاقًا، لَكِنَّ التَّقْدِير فِي قَوْله "إِذَا حَكَمَ" إِذَا أَرَادَ أَنْ يَحْكُم فَعِنْد ذَلِكَ يَجْتَهِد، قَالَ وَيُؤَيِّدهُ أَنَّ أَهْل الْأُصُول قَالُوا: يَجِب عَلَى الْمُجْتَهِد أَنْ يُجَدِّد النَّظَر عِنْد وُقُوع النَّازِلَة، وَلَا يَعْتَمِد عَلَى مَا تَقَدَّمَ لَهُ لِإِمْكَانِ أَنْ يَظْهَر لَهُ خِلَاف غَيْره. اِنْتَهَى، وَيَحْتَمِل أَنْ تَكُون الْفَاء تَفْسِيرِيَّة لَا تَعْقِيبِيَّة
وَقَوْله (فَأَصَابَ) أَيْ صَادَفَ مَا فِي نَفْس الْأَمْر مِنْ حُكْم اللَّه تَعَالَى.
قَوْله (ثُمَّ أَخْطَأَ) أَيْ ظَنَّ أَنَّ الْحَقّ فِي جِهَة، فَصَادَفَ أَنَّ الَّذِي فِي نَفْس الْأَمْر بِخِلَافِ ذَلِكَ، فَالْأَوَّل لَهُ أَجْرَانِ: أَجْر الِاجْتِهَاد وَأَجْر الْإِصَابَة. وَالْآخَر لَهُ أَجْر الِاجْتِهَاد فَقَطْ.
إن المسلم مكلف بالتزام أحكام الشرع في أموره كلها، ولكن معظم الأحكام الشرعية استنبطت وتستنبط من أدلتها باجتهاد، وكثيراً ما تتعدد الأحكام الشرعية بالنسبة للمسألة الواحدة تبعاً لتعدد أفهام المجتهدين وتعدد طرق الاستنباط لديهم، مع أن حكم الله في المسألة الواحدة لا يتعدد، إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم أقر المسلمين حين اجتهدوا، ولم يذم اختلافهم في الفهم، والقياس، فكانت مشروعية الاجتهاد، ومشروعية تعدد الأحكام في المسألة الواحدة .... إلا أنه لا بد من التأكيد أن حكم الله في المسألة الواحدة لا يتعدد، وإنما الذي يتعدد هو الأفهام، وطرق الاستنباط، ولذا فقد رأينا الرسول يَعِدُ المجتهد الذي يصيب بأجرين، أجر الاجتهاد، وأجر إصابة الحكم الصحيح في المسألة.... بينما يَعِدُ المجتهد الذي أخطأ في إصابة الحكم الصحيح في المسألة بأجر واحد هو أجر الاجتهاد وبذل الوسع في معرفة الحكم .... وحكم الله في المسألة بالنسبة للمجتهد هو الحكم الذي أداه إليه اجتهاده، فحكم الله في المسألة الخلافية لا يعرف حقيقة، وإنما يستدل عليه بغلبة الظن، فيبقى صواباً في حق مستنبطه يحتمل الخطأ... وفي رأي غيره ممن يخالفونه في الفهم: خطأ يحتمل الصواب. وحكم الله في عنق كل منهم هو الحكم الذي استنبطه هو فعليه أن يتبناه ويعمل به، ولا يخالفه ... لأنه حكم الله في حقه.
والمسلم في أخذه للأحكام أحد اثنين، مجتهد يستنبط الأحكام بنفسه، فيتبنى ما يؤديه إليه اجتهاده، أو مقلد، يأخذ الحكم من أحد المجتهدين فعليه، أن يتبنى ذلك الحكم ويلتزم به لأنه يصبح حكم الله في حقه إذا اتصل عمله به... وعلى كُلٍّ فعلى المسلم أن يتبنى من الأحكام ما يحتاجه في حياته، سواء تبنى ما اجتهد به واستنبطه بنفسه أو ما قلد به غيره من المجتهدين فالمهم أن لا يكون كالريشة في مهب الريح يميل حيث تميل به الريح، حين يتنقل بين آراء المجتهدين تبعاً للمصلحة والظروف والهوى، بل عليه الالتزام بفهم معين للحكم الشرعي لأنه سيكون هو حكم الله في حقه الذي سيحاسب على مدى التزامه به في الدنيا، أمام العلي القدير يوم القيامة.
والخليفة وهو واحد من المسلمين، ينطبق عليه ما ينطبق على كل مسلم:
هو مكلف بتطبيق شرع الله في حياته كفرد مسلم، ومكلف بتطبيق شرع الله على المسلمين كخليفة لهم وولي لأمرهم، لقوله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}،
لذا فهو مكلف بتبني أحكام معينة مما يحتاجه في حياته، وكذلك هو مكلف أن يتبنى من الأحكام الشرعية ما يلزمه لرعاية شؤون الأمة ... وهو مقيد بالأحكام الشرعية في تنبيه سواء على الصعيد الفردي أو الصعيد العام كولي للأمر له وحده حق إصدار القوانين ... فيجب أن تكون كل القوانين التي يتبناها لإدارة الدولة ورعاية شؤون الأمة أحكام شرعية مستنبطة استنباطاً صحيحاً سواء أكان هو من استنبطها أو كان قلد غيره فيها ... فهو منصب لتنفيذ أحكام الشرع فلا يجوز له أن يأخذ أحكاما من غير الشرع ليسنها قوانين يحكم بها البلاد والعباد .... فهكذا نص عقد البيعة بينه وبين الأمة .... على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله، أي الحكم بشرع الله.
وخلاصة القول: أن الخليفة مقيد في التبني أي في سنه للقوانين بالأحكام الشرعية:
فأولاً: يحرم عليه أن يتبنى حكماً لم يستنبط استنباطاً صحيحاً من الأدلة الشرعية
وثانياً: هو مقيد بما يتبناه من أحكام، وبما التزمه من طريقة استنباط،
ا- فلا يجوز له أن يتبنى حكماً استنبط حسب طريقة تناقض الطريقة التي يتبناها،
ب- ولا أن يعطي أمراً يناقض الأحكام التي يتبناها.
أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.