- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي
شرح وتبسيط الشيخ فتحي سليم لمقدمة كتاب النظام الاقتصادي (ح11)
الحَمْدُ للهِ الذِي شَرَعَ لِلنَّاسِ أحكَامَ الرَّشَاد, وَحَذَّرَهُم سُبُلَ الفَسَاد, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَيرِ هَاد, المَبعُوثِ رَحمَةً لِلعِبَاد, الَّذِي جَاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ الجِهَادِ, وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الأَطهَارِ الأمجَاد, الَّذِينَ طبَّقُوا نِظَامَ الِإسلامِ فِي الحُكْمِ وَالاجتِمَاعِ وَالسِّيَاسَةِ وَالاقتِصَاد, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ يَومَ يَقُومُ الأَشْهَادُ يَومَ التَّنَاد, يَومَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العِبَادِ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا إِروَاءُ الصَّادِي مِنْ نَمِيرِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي وَمَعَ الحَلْقَةِ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ, وَحَدِيثُنَا عَنْ شَرْحِ وَتَبسِيطِ الشَّيخِ فَتحِي سَلِيم لِمُقَدِّمَةِ كِتَابِ النِّظَامِ الاقتِصَادِيِّ فِي الإِسلامِ. نَقُولُ وَبِاللهِ التَّوفِيقُ:
يَقُولُ عَالِمُنَا الجَلِيلُ الشَّيخُ فَتْحِي سَلِيمْ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى فِي شَرْحِ وَتَبسِيطِ مُقَدِّمَةِ كِتَابِ النِّظَامِ الاقتِصَادِيِّ في الإِسلامِ: "يقولون: إنَّ تَطَوُّرَ الحَضَارَةِ الإِنسَانِيَّةِ مِنْ مَرحَلَةٍ إِلَى أُخرَى يَدُلُّنَا عَلَى أَنَّ التَّقدُّمَ فِي المَعرِفَةِ أَدَّى إِلَى زِيَادَةِ حَجْمِ المَوَارِدِ المُتَاحَةِ وَإِلَى الاهتِدَاءِ إِلَى وَسَائِلِ زِيَادَةِ الاستِفَادَةِ مِنهَا اقتِصَادِيًا, وَمِنْ ثَمَّ أمكَنَ زِيَادَةُ الحَاجَاتِ المُشبَعَةِ. وَهَذَا يَعنِي أَنَّ زِيَادَةَ الحَاجَاتِ، وَعَدَمَ مَحدُودِيَّتِهَا، قَد شَارَكَ فِي وُجُودِهَا الإِنسَانُ نَفسُهُ، لأَنَّ التَّقْنِيَاتِ قَدْ سَاهَمَتْ فِي إِيجَادِ خِدْمَاتٍ وَسِلَعٍ جَدِيدَةٍ وَكَثِيرَةٍ، أَي نَمَّتِ الرَّغبَةَ عِندَ الإِنسَانِ، وَفَتَحَتْ أَمَامَهُ أَبوَابًا كَثِيرَةً، استَجَدَّ عِندَهُ مِنهَا رَغْبَاتٌ وَحَاجَاتٌ كَثِيرَةٌ، امتِدَادًا لِحَاجَاتِهِ وَرَغْبَاتِهِ التِي كَانَتْ بَسِيطَةً فِي زَمَنٍ مَا".
الحَاجَةُ عِندَهُمْ هِيَ الرَّغبَةُ، وَهِيَ نَاشِئَةٌ عَنْ شُعُورٍ شَخْصِيٍّ بِالمَيلِ لِلحُصُولِ عَلَى شَيءٍ مِنَ الأَشيَاءِ، يَختَلِفُ حَدُّهُ بِاختِلافِ مَدَى أَهمِّيةِ هَذَا الشَّيءِ فِي نَظَرِ صَاحِبِ الرَّغبَةِ. فَالحَاجَاتُ عِندَهُمْ تَعبِيرٌ عَنْ رَغْبَاتِ الإِنسَانِ, وَالمَوَارِدُ انعِكَاسٌ لِمَعَارِفِهِ وَقُدْرَاتِهِ. وَلِذَلِكَ نَجِدُ الإِنسَانَ فِي طَرَفَيِ المُشكِلَةِ، لأَنَّهُ يَملِكُ القُدْرَاتِ وَالمَوَارِدِ التِي تُشبِعُ، وَيَملِكُ تَطوِيرَهَا بِمَعَارِفِهِ التَّقنِيَّةِ، فَتَزدَادُ السِّلَعُ وَالخِدْمَاتُ المُصَنَّعَةُ وَالمُطَوَّرَةُ، فَتَزدَادُ مَعَهَا رَغْبَاتُهُ وَحَاجَاتُهُ التِي تَتَطَلَّبُ الإِشبَاعَ. فَبِالإِنسَانِ وَلَهُ تَقُومُ المُشكِلَةُ الاقتِصَادِيَّةُ وَتُحَلُّ.
الحَاجَةُ بِالمَعنَى الاقتِصَادِيِّ هِيَ كُلُّ رَغْبَةٍ تَجِدُ مَا يُشبِعُهَا مِنْ مَورِدٍ أو مَالٍ مِنَ المَوَارِدِ الاقتِصَادِيَّةِ, فَهِيَ حَالَةٌ نَفسِيَّةٌ تَقُومُ بِالفَرْدِ، فَمَتَى شَعَرَ بِهَذِهِ الحَالَةِ نَقُولُ: إِنَّ هُنَاكَ حَاجَةٌ. وَلا يَهُمُّ عِندَهُمْ أَنْ يَكُونَ هَذَا الشُّعُورُ مُتَّفِقًا أو غَيرَ مُتَّفِقٍ مَعَ الأحكَامِ الأَخلاقِيَّةِ، أَوِ القَوَاعِدِ القَانُونِيَّةِ، أَو الأُصُولِ الصِّحِيَّةِ.
وَمَعَ وُجُودِ الحَاجَاتِ الأَوَّلِيَّةِ كَالغِذَاءِ وَالكِسَاءِ وَالسَّكَنِ. وَلَكِنَّ الإِنسَانَ يَحتَاجُ إِلَى مَزِيدٍ وَتَنوِيعٍ مِنْ هَذِهِ الأَشيَاءِ، فَهُوَ يَرغَبُ فِي أَنْ يُعَدِّدَ فِي أنوَاعِ مَأكَلِهِ وَمَشرَبِهِ، وَأنْ يُبَدِّلَ فِي أشكَالِ مَلبَسِهِ، ثُمَّ لا يَلبَثُ أَنْ تَظْهَرَ لَهُ حَاجَاتٌ أُخرَى يَفرِضُهَا عَلَيهِ التَّطَوُّرِ الاجتِمَاعِيِّ، فَهُوَ يَسعَى لِلتَّعلِيمِ وَالحُصُولِ عَلَى مَا يَلزَمُ لِذَلِكَ, وَلِلحُصُولِ عَلَى أَدَوَاتٍ تُسَاعِدُهُ عَلَى زِيَادَةِ قُدرَتِهِ فِي العَمَلِ، كَمَا يَرغَبُ أنْ تُوضَعَ فِي خِدْمَتِهِ سُبُلُ المُوَاصَلاتِ الحَدِيثَةُ، وَوَسَائِلُ التَّرفِيهِ المُختَلِفَةُ.
وَهَكذَا نَستَطِيعُ أَنْ نُعَدِّدَ إِلَى مَا لا نِهَايَةَ حَاجَاتِ الإِنسَانِ غَيرَ المَحدُودَةِ عِندَهُمْ. وَمَعَ التَّقَدُّمِ التِكنُولُوجِيِّ تَظهَرُ حَاجَاتٌ جَدِيدَةٌ، وَتَتَزَايَدُ أَهَمِّيتُهَا بِالنِّسبَةِ لِلحَاجَاتِ الأَوَّلِيَّةِ، وَكُلَّمَا زَادَ ثَرَاءُ الدَّولَةِ وَتَقَدُّمُهَا قَلَّتْ نِسبَةُ الحَاجَاتِ الأَوَّلِيَّةِ إِلَى مَجمُوعِ الحَاجَاتِ. فَمِنَ المُشَاهَدِ أَنَّ الفَقِيرَ يُخَصِّصُ نِسبَةً ضَخْمَةً مِنْ دَخلِهِ لِلإِنفَاقِ عَلَى الغِذَاءِ، أَمَّا عِندَ الغَنِيِّ فَإِنَّ هَذِهِ النِّسبَةَ تَنخَفِضُ كَثِيرًا بِالنِّسبَةِ لِحَجْمِ دَخلِهِ أَوِ الزِّيَادَةِ التِي تَطْرَأُ عَلَيهِ. وَهُنَاكَ مَا يُعَبَّرُ عَنهُ بِـ (لا نِهَائِيَّةِ الحَاجَاتَ) كَمَا أَنَّهَا تَتَّصِفُ بِصِفَةِ النِّسبِيَّةِ. وَبَيَانُ ذَلِكَ يَتَّضِحُ مِنْ خِلالِ النُّقَاطِ الآتِيَةِ:
أوَّلاً: حَاجَاتُ الفَردِ فِي مَجْمُوعِهَا تَتَزَايَدُ بِاستِمْرَارٍ, لأَنَّ حَاجَاتٍ جَدِيدَةً تَظهَرُ لِلفَردِ, كُلَّمَا نَجَحَ فِي إِشبَاعِ عَدَدٍ مِنهَا ظَهَرَتْ لَهُ حَاجَةٌ جَدِيدَةٌ يَسعَى إِلَى إِشبَاعِهَا، وَبِالتَّالِي فَإِنَّ حَاجَاتِهِ مُتَعَدِّدَةٌ وَغَيرُ مُتَنَاهِيَةٍ.
ثَانِيًا: نَرَى الإِنسَانَ فِي سَعْيٍ مُستَمِرٍّ نَحْوَ هَدَفٍ مُتَحَرِّكٍ؛ فَهُوَ لا يَثبُتُ عَلَى وَضْعٍ مُستَقِرٍّ، وَهُنَا تَظهَرُ لا نِهَائِيَّةُ الحَاجَاتِ. فَمِنَ المُشَاهَدِ أَنَّ حَاجَاتِ الإِنسَانِ فِي الوَقْتِ الحَاضِرِ لا تَقتَصِرُ عَلَى الضَّرُورَاتِ الحَيَوِيَّةِ أَوِ النَّفسِيَّةِ بَلْ تَتَعَدَّاهَا إِلَى الأَوضَاعِ الاجتِمَاعِيَّةِ التِي تَحكُمُهَا ظُرُوفُ الزَّمَانِ وَالمَكَانِ, فَحَاجَاتُ الفَردِ فِي قَبِيلَةٍ بِدَائِيَّةٍ، لا تُقَارَنُ بِحَاجَاتِ مُوَاطِنٍ فِي مُجتَمَعٍ مُتَحَضِّرٍ, وَحَاجَاتُ أَجدَادِنَا لَيسَتْ مِثلَ حَاجَاتِنَا التِي تَختَلِفُ بِدَورِهَا عَنْ حَاجَاتِ أَحفَادِنَا بَلْ وَفِي الزمان والمكان نفسه.
ثالثًا: تَختَلِفُ حَاجَاتُ الأَفرَادِ بِاختِلافِ مُستَوَيَاتِهِمُ الاجتِمَاعِيَّةِ وَالثَّقَافِيَّةِ, فَالسِّلَعُ التِي يَقتَنِيهَا العَامِلُ لَيسَتْ كَالسِّلَعِ التِي يَقتَنِيهَا الثَّرِيُّ، وَإِنفَاقُ المُزَارِعِ فِي الرِّيفِ لَيسَ كَإِنفَاقِ سُكَّانِ المُدُنِ، وَحَاجَاتُ رَجُلِ العِلْمِ لا تَتَطَابَقُ وَحَاجَاتِ رَجُلِ الأَعمَالِ. وَهَكَذَا فَهِيَ نِسبِيَّةٌ تَكَادُ تَجعَلُ لِكُلِّ فِئَةٍ مَجمُوعَةً مِنَ الحَاجَاتِ وَالرَّغْبَاتِ المُختَلِفَةِ الخَاصَّةِ بِهَا وَالمُمَيِّزَةِ لَهَا.
وَقَبلَ أَنْ نُوَدِّعَكُمْ مُستَمِعِينَا الكِرَامَ نُذَكِّرُكُمْ بِأَبرَزِ الأَفكَارِ التِي تَنَاوَلهَا مَوضُوعُنَا لِهَذَا اليَومِ:
1. لَقَد سَاهَمَتِ التَّقنِيَاتُ فِي زِيَادَةِ حَاجَاتِ الإِنسَانِ, وَقَد شَارَكَ فِي وُجُودِهَا الإِنسَانُ نَفسُهُ.
2. الحَاجَةُ عِندَ الرَّأسمَالِيِّينَ هِيَ الرَّغبَةُ، وَهِيَ نَاشِئَةٌ عَنْ شُعُورٍ شَخْصِيٍّ بِالمَيلِ لِلحُصُولِ عَلَى شَيءٍ مَا.
3. الحَاجَةُ بِالمَعنَى الاقتِصَادِيِّ هِيَ كُلُّ رَغْبَةٍ تَجِدُ مَا يُشبِعُهَا مِنْ مَورِدٍ أو مَالٍ مِنَ المَوَارِدِ الاقتِصَادِيَّةِ. بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ كَونِ الرَّغبَةِ أو مَا يُشبِعُهَا حَلالاً أو حَرَامًا!
4. حَاجَاتُ الفَردِ فِي مَجْمُوعِهَا تَتَزَايَدُ بِاستِمْرَارٍ، وَبِالتَّالِي فَإِنَّ حَاجَاتِهِ مُتَعَدِّدَةٌ وَغَيرُ مُتَنَاهِيَةٍ.
5. لا نِهَائِيَّةُ الحَاجَاتِ تَظهَرُ فِي سَعْيِ الإِنسَانِ المُستَمِرٍّ نَحْوَ هَدَفٍ مُتَحَرِّكٍ؛ فَهُوَ لا يَثبُتُ عَلَى وَضْعٍ مُستَقِرٍّ, بَلْ يَستَمِرُّ فِي سَعيِهِ لِتَحقِيقِ أهدَافِهِ إِلَى أنْ يَمُوتَ!.
6. تَختَلِفُ حَاجَاتُ الأَفرَادِ بِاختِلافِ مُستَوَيَاتِهِمُ الاجتِمَاعِيَّةِ وَالثَّقَافِيَّةِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّة, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الَمولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ على منهاج النبوة في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.
إعداد وتنسيق
الأستاذ محمد أحمد النادي