- الموافق
- 2 تعليقات
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
تركيا تدير ظهرها لتاريخها العثماني
(مترجم)
الخبر:
احتفلت تركيا في التاسع والعشرين من أيار/مايو بالفتح العثماني لاسطنبول عام 1453م في الذكرى الـ 536، بمراسم فخمة وبمشاركة الرئيس رجب طيب أردوغان ورئيس وزراء بينالي يلدريم، بالإضافة إلى مليون مشاهد في ميدان يبناكباي الساحلي للمدينة. آلاف من الناس لوحوا بالأعلام التركية وكانوا مبتهجين لسماع الموسيقى العسكرية العثمانية على شاطئ المدينة في ذكرى فتح القسطنطينية على يد السلطان محمد الفاتح.
وقد وصف الرئيس أردوغان يوم الأحد النظام السوري وتنظيم الدولة وحزب الاتحاد الديمقراطي PYD الموالي لحزب العمّال الكردستاني، وصفهم بمثلث "يمهّد ويدعم الطريق دائمًا للآخر". وقال أردوغان "للأسف والدول التي نعتبرها حليفة تتغاضى عن هذه اللّعبة، وحتى تدعمها"، وأضاف "الذين يستغلون داعش - تنظيم الدولة - ويغرقون سوريا بالدّماء ومثلهم الذين يستغلون حزب الاتحاد الديمقراطي ويحاولون محاصرة حدودها الجنوبية عندهم نفس الهدف؛ قطع جميع علاقات تركيا مع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا".
التعليق:
هذا الحدث، مرةً أخرى، أشعل الإحساس بالفخر والأمل عند المسلمين حول العالم، الذين يعتبرون تركيا وحكومتها دولة تساند الأمة وتتمسك بالتاريخ الإسلامي وقيمه. ولكن لا يمكن اعتبار ذلك صحيحًا على الإطلاق.
فقط هذا الأسبوع، اقترح وزير خارجية تركيا، مولود جاوش أوغلو، أن الولايات المتحدة وتركيا يجب أن تعملا معًا للقضاء على تنظيم الدولة، وادّعى أنّهما تستطيعان بسهولة التقدم نحو الرقّة، معقل التنظيم، والعمل باتجاه إغلاق الحدود السورية - التركية. وتركيا مستعدة لتقديم المزيد من المساعدة لحلفائها الغربيين، مع أنها تنتقد التعاون بين الولايات المتحدة وبين الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني - حزب الاتحاد الديمقراطي PYD، بل وتحث الغرب على وصم هذا الحزب بالإرهاب. ومع ذلك ومن أجل تأمين مصالحها الوطنية، تركيا مستعدةً للذهاب إلى أي مدى، وقد رأينا هجمات تنظيم الدولة الإرهابية الأخيرة في البلاد.
ليست تركيا بوضع جيد، فإنها تواجه حزب العمال الكردستاني، ولكن سنوات تعاملها وتعاونها مع الغرب كانت أهم أسباب هذا الوضع السيئ. إن المساعدات الأمريكية لها ومن ثمّ إذعانها لها ورغبتها بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي قد دفعتها إلى عدم إخضاع علاقاتها السياسية مع مشاعرها الإسلامية.
ومع ذلك، فإننا نرى أن الإعلام الغربي والسياسيين الغربيين ما يزالون غير راضين عن أعمال الحكومة التركية ويستمرون بالتركيز على تنامي المشاعر الإسلامية ووصف حزب العمال الكردستاني بالإرهاب كدليل على موقف تركيا الاستبدادي. في السنوات الأخيرة ذهب الإعلام بعيدًا إلى حد وصف تركيا بدولة إسلامية مما دفع الحكومة التركية إلى القيام بمحاولات جمّة لإثبات أنها نموذج إسلامي ليبرالي وبالتالي التخلي عن الإسلام في هذا السبيل، لهذا السبب اختار العديد من المسلمين الوقوف مع حزب أردوغان العدالة والتنمية، محتجين بأنهم يعملون باتجاه بعض التغيير وأنهم يشكلون تهديدًا للغرب ويجب مساندتهم. ولكن يجب علينا الاعتراف بأن تركيا تعمل من منطلق مصالحها فقط وليس من منطلق إسلامي.
ولأن الغالبية من الشعب هم من المسلمين، فمن الطبيعي أن تقوم الحكومة برفع بعض المحظورات الكمالية التي فرضت سابقًا، مثل حظر الحجاب الذي ألغي عام 2013. ولكن هذا لم يكن من أجل الإسلام، بل تحت شعار الحرية - حجر الزاوية للديمقراطية - التي تتبناها اليوم تركيا. إن المشاعر الإسلامية للمسلمين توجه نحو الوطنية والفخر بالدولة التركية بعيدًا عن أي رغبة طويلة الأمد لانبعاث الإسلام من جديد. بالإضافة لهذا، فإن سياسات الحكومة العريضة تثبت أن أي شكل مستقبلي للحكومة الإسلامية أو التعليم الإسلامي ليس من أولوياتها، بل إنها تكرس من سيادة الدولة التركية وتعتبر نفسها من الشمال العالمي (دول الشمال)، ومن المثير للسخرية أن الحكومة التركية، في احتفالها بفتح اسطنبول، تؤكد حقيقة أنها تمشي بنفس نهج السلطان محمد الفاتح، لقد نهج السلطان محمد الفاتح فقط تحقيق بشرى رسول الله ﷺ بفتح القسطنطينية على يد نعم الأمير.
لقد غيّر محمد الفاتح اسم المدينة إلى (إسلامبول)، مدينة الإسلام، واعتبر هذا النصر نصرًا لجميع المسلمين، وفوق ذلك، فقد حكم المدينة بالإسلام كما حكم جميع بقاع الخلافة العثمانية بالإسلام. ماذا سيقول لو نظر إلى تركيا اليوم؟؟ يلوّح الآلاف بالأعلام التركية ويتعهد أردوغان أن جميع أراضي تركيا ستبقى تحت سيطرة الدولة، وهذا يشير إلى أن اسطنبول ليست مدينة إسلامية وإنما مدينة تركية.
يجب على الأمّة ألاّ يشتت ذهنها مثلُ هذه الاستعراضات التاريخيّة المسرحية وتظنها مؤشرًا إسلاميًا للمستقبل. ولا يجب على الأمّة أن تقع فريسة القائد الملهم، ولكن يجب علينا الحكم على الحكومة من خلال السياسات التي تسنّها، إن تركيا سعيدة لتركها تاريخها الإسلامي الماضي وتهدف في المستقبل أن تكون جزءاً في المجتمع الدولي فقط كنموذج غربي ليبرالي.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عائشة حسن
وسائط
2 تعليقات
-
بارك الله فيكم وجزاكم الله كل خير
-
بوركت كتاباتكم المستنيرة الراقية، و أيد الله حزب التحرير وأميره العالم عطاء أبو الرشتة بنصر مؤزر وفتح قريب إن شاء الله