- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الميزان
ميزان الفكر والنفس والسلوك
الحلقة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله العلي الأعلى، الذي خلق فسوى، والذي قدّر فهدى، الحمد لله الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم، الحمد لله القائل: (هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنّة في بطون أمهاتكم)، الحمد لله القائل: (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون). الحمد لله الذي أنزل كتابه الكريم ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، وأرسل رسله عليهم الصلاة والسلام يبلغون رسالات الله ويبلغون الناس نظام ربهم الذي يصلح لهم ويصلحهم ويصلح أحوالهم.
والصلاة والسلام على خاتم النبيين، المبعوث رحمة للعالمين، الذي بلغ شريعة الله الخالدة إلى يوم القيامة، الذي أخرج الناس من الظلمات إلى النور، الذي بلّغ نظامَ الله إلى الناس، وأوجده في واقع الحياة قبل أن ينتقل إلى الرفيق الأعلى، صلّى عليه الله وسلم تسليماً كثيراً، وجزاه خير ما جزى نبياً عن أمته. وبعد،
فالإنسان يختلف عن بقية المخلوقات التي تقع تحت الحس، ويتميز عنها، تميّز عنها باختصاصه بأحسن تقويم، وتميّز عنها بدوافعه السلوكية وبخاصة غريزة التدين، وتميّز عنها بعقله الذي يستطيع من خلاله التمييز بين الأشياء والحكم عليها ضمن حدود عمله وإمكاناته. وهذه المميزات تكسبه الميزة الكبرى، وهي ميزة الاستخلاف في الأرض، ميزة الأمانة التي أبت السموات والأرض والجبال أن يحملنها وأشفقن منها، ميزة تحمّل المسؤولية التي قبل الإنسان أن يحملها على عظمها.
ولكن المشاهد المحسوس على البشرية أنها تنحرف وتضلّ بغير اتباع نظام الله تعالى، ويشيع فيها الظلم والاستبداد، والتعاسة والشقاء، يستعبد الناس بعضهم بعضاً، ويأكل القوي فيهم الضعيف، وتشيع فيهم مقاييس لا تصلح لإقامة العدل بينهم، مقاييس تنبع من الميول والأهواء، وتنبع من رغبات فئة معينة فيهم، ويغلفون تلك المقاييس النابعة من ميول فئة معينة في المجتمع يغلفونها بأوصاف برّاقة خدّاعة كالديمقراطية ورأي الأكثرية، ولا تختلف في ذلك عن الجاهلية الأولى إلا في التسميات والأوصاف. وبهذا الانحراف في المقاييس تنحرف عن الميزة الأساسية، ميزة حمل الأمانة.
إن مقاييس البشر وحدها بعيدةً عن نظام الله تعالى؛ مقاييسُ محدودةٌ لا تصلح لتحقيق ميزة الأمانة وتحمل المسؤولية في الكون، وبيان ذلك:
أن مقاييس الإنسان المجردة لا تأتي إلا من إحدى جهتين، هما:
- غرائزه وحاجاته العضوية وما ينتج عنها من مشاعر وميول
- عقله
أما الغرائز والحاجات العضوية فإنما هي دوافع داخلية تدفع صاحبها للإشباع، ويصاحبها في العادة شعور معين، وهي مجرد دوافع لا تحدّد للإنسان نوع الإشباع أو كيفيته، بل إن اختيار نوع الإشباع أو كيفيته يختارها العقل، وانسياق الإنسان وراء الدافع هو هذا الذي يُعبَّر عنه بالأهواء، وهو الشيء الذي يحصل مع الحيوان حين يثور لديه دافع غريزي، أو حاجة عضوية، فإنه يندفع للإشباع دون تمييز ودون مقياس للإشباع، بل هو مفطور على أن يندفع للإشباع بمجرد تحرك الدافع لديه.
كتبها للإذاعة وأعدها: خليفة محمد- الأردن