- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الميزان
ميزان الفكر والنفس والسلوك
الحلقة السابعة
بسم الله الرحمن الرحيم
قلنا إن الإنسان هو المخلوق المحسوس الوحيد الذي تنشأ مشكلات عن أي خلل في فكره ونفسيته وسلوكه، وذكرنا أمثلة على فكره، والآن من ناحية نفسيته.
ب- من ناحية نفسيته:
- الفهم الخاطئ لواقع النفس عند الإنسان أنتج كثيراً من الأخطاء في التعامل معها، وفي العيش، وكذلك أفقد الإنسان العيش الهنيء، الخالي من القلق والاضطراب والتوتر والشقاء.
- فالفهم الخاطئ لواقع الغريزة وعدم التفريق بينها وبين الحاجة العضوية، وعدم فهم واقع كل منهما من جهة الإثارة وكونها داخلية في الحاجات العضوية أنتج خللاً في المعالجة، وخطأ في النظر إلى الحاجات الأساسية للإنسان، وخطأ في إيجاد الإثارة لمختلف الغرائز ومظاهرها في الحياة العامة.
- والفهم الخاطئ لواقع الغريزة من جهة حتمية الإشباع أوقع الباحثين في النفس في خطأ النظرة إلى المشاكل الناتجة عن عدم إشباع الغرائز ومظاهرها، فظنوا أن عدم إشباع مظهر غريزي ما يُوقع الإنسان في الأمراض النفسية أو الجسمانية، ونتج عن ذلك خطأ معالجة الخلل في التشريعات والقوانين.
- والفهم الخاطئ لواقع المظهر الغريزي أنتج خلل عدم التفريق بين الغريزة ومظهرها، ففقدوا بذلك إمكانيات معالجة بعض المظاهر ببعضها.
- والفهم الخاطئ لضرورة تنظيم الغرائز وإشباعات مظاهرها التنظيم الصحيح أوقع الناس في فوضى الغرائز، أوقعهم في الشقاء والأمراض النفسية.
- والفهم الخاطئ لغريزة التدين، وجعلُ التدين أمراً فردياً أوقع كثيراً من الناس في أخطاء إشباعها، فانصرف كثير من الناس إلى تقديس الأشخاص أو الأفكار، والبحث عن العجائب والغرائب والسعي نحو الأرقام القياسية.
- والفهم الخاطئ لمفهوم الدافع عند الإنسان جعل منه -أي من الدافع- مقياساً لإشباعه، وليس مجرد دافع يدفع الإنسان ليبحث عن المشبع الصحيح بمقياس صحيح.
- والفهم الخاطئ لواقع الشعور والميل عند الإنسان وعدم فهم واقع العلاقة بين الفكر والنفس أوقع الناس في الخطأ في كيفية بناء النفسية، فحدث الانفصام في شخصيات كثير من الناس، تنتابهم مشاعر وأحاسيس لا يجدون لها مفهوماً يتعلق بها وينظم إثارتها وإشباعها، فيعيشون القلق والاضطراب.
كما أوقع الناس في خطأ معالجة ذلك الانفصام، وانصرفوا عن البحث عن المفهوم الصحيح المتعلق بذلك الشعور إلى حلول ترقيعية كالتسلية وقضاء الوقت في أعمال أخرى ونسيان تأثير ذلك الشعور.
ج- من ناحية سلوكه:
والفهم الخاطئ لحقيقة السلوك عند الإنسان أدّى بدارسي النفس والتربية والسلوك إلى قياس الإنسان على الحيوان، يُجرون التجارب على الحيوان ثم يحاولون تعميم نتائجهم على الإنسان مع الفارق الكبير بين سلوك الإنسان وسلوك الحيوان, مع أن سلوك كل منهما ينتج من دافع غريزي أو دافع من حاجة عضوية، ولكنهما يختلفان في وجود العقل المميز عند الإنسان، فاختلفا من هذه الجهة.
بل ودفعهم الفهم الخاطئ لحقيقة السلوك الإنساني أن أخضعوا الإنسان للتجربة، يعرضونه لظروف الاختبارات ليقيسوا سلوكه مع مختلف الظروف،
وغفلوا عن حقيقة ارتباط سلوك الإنسان بمفاهيمه، وليس بدوافعه السلوكية وحسب.
والفهم الخاطئ لحقيقة سلوك الإنسان كان من نتائجه أن شَرَّقَ علماء النفس والتربية والاجتماع وغرَّبوا محاولين تفسير سلوكات تصدر من البشر، مغفلين ارتباط السلوك بالمفهوم، ولو أدركوا هذه الحقيقة لاختلف الأمر عندهم.
والفهم الخاطئ لحقيقة سلوك الإنسان أدّى بعلماء النفس وعلماء النقد الأدبي إلى افتراضات لا أساس لها في تفسير الموهبة عند الإنسان، فافترض فريق منهم أن الموهبة تولد مع الإنسان، كما أدّى الفهم الخاطئ لحقيقة السلوك الإنساني ببعض علماء الجريمة إلى افتراض تأصّل الجريمة في طبع الإنسان، بل وافترضوا أن بعض الناس يرثون الجريمة من آبائهم.
والفهم الخاطئ لحقيقة سلوك الإنسان أدّى ببعض الناس إلى التنصُّل من مسؤوليتهم تجاه أفعال صدرت منهم مبررين ذلك بمبررات واهية، كأن يقول أحدهم: رغماً عني، وآخر: مكتوب عليّ، وثالث: يفترض مؤثرات غيبية، ورابع.. وخامس.. وهكذا.
كتبها للإذاعة وأعدها: خليفة محمد- الأردن