السبت، 21 محرّم 1446هـ| 2024/07/27م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
الرعاية الصحية في الدولة الإسلامية – الحلقة الثلاثون

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

الرعاية الصحية في الدولة الإسلامية – الحلقة الثلاثون

 


بعد أن استعرضنا ما يتعلق بموضوع تعليم الطب والتأهيل المهني والبحث العلمي وصناعة الدواء في الدولة الإسلامية، لا بد في هذا المقامِ منْ أنْ نُعرج على ما يُسمَّى بحقوقِ الطبعِ وبراءةِ الاختراعِ المتَّبَعَةِ في الأنظمةِ الرأسماليةِ، فبراءة الاختراع تندرج تحت ما يسمى بالملكية الفكرية والتي تعطي لمن يسبق إلى تسجيل الابتكار (حتى ولو لم يكن له في الابتكار نصيب) من أفراد وشركات، الحقَّ بتملك الابتكارات تملك عين ومنفعة ولا يحق لغيره أن ينتفع به إلا بإذنه، فهو إما أن يحتكره أو يبيع حق المنفعة لغيره، ببيع تسجيل البراءة أو أخذ مال مقابل كل مرة يُستخدم بها الابتكار.


ووضع الغرب للملكية الفكرية قوانين حماية، لكن حقيقة هذه القوانين تهدف إلى حماية أصحاب رؤوس الأموال وتمكينهم من احتكار رؤوس الأموال وتضييق دائرة السيولة النقدية بل وحصرها في دائرة الرأسماليين، فالشركات تعطي المبتكرين مكافآت مالية تعتبر شحيحة إذا ما قورنت بالعائد الحقيقي إلى أصحاب أسهم الشركات الكبرى والشركات الأقوى، وهذه تُعتبر إحدى أدوات الرأسمالية المستخدمة في ذبح الفقراء، وذلك في القطاع الأكثر حساسية والأهم بالنسبة لحياة البشر، فقد ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن شركة "نكست سورس بيوتكنولوجي" رفعت ثمن عقار "لوموستين" - وهو دواء لسرطان الدماغ - بنسبة 1400%؛ ليصبح ثمن القرص الواحد منه أكثر من 700 دولار، بعدما كان يباع بـ50 دولاراً.


وهذه الشركات في كثير من الأحيان تؤخر الانتفاع بالمكتشفات المهمة خاصة في مجال الطب وصناعة الأدوية لسنوات كثيرة مع أن الناس في أمس الحاجة إليها وذلك لعدم التمكن من حمايتها بسبب بساطة الاختراع ـ لأنه إذا عرف تمكنت الشركات الأخرى من إعادة الاختراع بطرق أخرى غير محمية، فكم من دواء مفيد لم يتم إنتاجه لعدم توفر الجدوى الاقتصادية، وكم من أدوية رخيصة الثمن وفي متناول الأيدي لأنها لا تخضع لقوانين الاحتكار التجاري قد وجد مؤخرا أن للعديد من هذه الأدوية استخدامات جديدة في معالجة العديد من الأمراض المستعصية، لكن شركات الأدوية تفضل التغاضي عنها وإنفاق المليارات على بحوث لتطوير وترويج مستحضرات دوائية جديدة باهظة الثمن قليلة الفائدة تقوم باحتكار تصنيعها وبراءة اختراعها حيث تحقق لها ربحاً أكبر.

 

ومن عادة النظام الرأسمالي النفعي فإنه أحيانا يلتف على بعض قوانينه، ففي ظل أزمة فيروس كورونا تم إقرار تشريع لحالات الطوارئ في كندا، يمنح وزير الصحة صلاحيات الالتفاف حول قانون براءات الاختراع، لضمان إمكانية إنتاج الإمدادات الطبية أو الأدوية أو اللقاحات محلياً. وكذلك استند كيان يهود إلى بند لتعليق براءات الاختراع في ظروف الطوارئ، بما يسمح لها باستيراد نسخة عامة من عقار كاليترا المضاد للفيروسات الذي تنتجه الشركة العالمية للصناعات الدوائية أبفي.


إن شروط حماية الملكية الفكرية هي شروط غير شرعية، لا يجب الالتزام بها، فهي تجعل الانتفاع بالعين المباعة مقصورا على انتفاع دون انتفاع آخر وهذا مخالف لمقتضى عقد البيع الشرعي ،لأن مقتضى عقد البيع في الإسلام، كما يعطي للمشتري حق الملكية يعطيه أيضا حق التصرف بما يملك، ولا سلطان للبائع على ما باع بعد البيع.


وكل شرط مخالف لمقتضى عقد البيع باطل يكون المشتري في حل منه، ولو كان مائة شرط، والشروط التي تحرم الحلال شروط باطلة لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إِلا شَرْطًا حَرَّمَ حَلالاً أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا»، رواه الترمذي بسند صححه الألباني.

 

ولا تحاسب الدولة ولا تمنع أيا من الشركات أو الأفراد تحت حكمها من التصرف والانتفاع بما استوردوه أو نقلوه من دول أخرى، وذلك ضمن حدود الشرع، مثل تحليل الأدوية المحمية دوليا ببراءة اختراع ثم إعادة تصنيعها وفق الأسس الطبية الصحيحة وبيعها، أو إعادة طبع المقالات العلمية ونشرها دون إذن من كاتبها أو ناشرها.

 

ولا ينظر إلى ما يسمى باتفاقية حقوق الملكية الفكرية (TRIPS)، أو الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة (GATT)، فتحت حجة براءة الاختراع لا تنفك الشركات الكبرى ومافيات سوق الأدوية الدولية تحتكر تصنيع الأدوية وبراءة اختراعها مستغلة تلك الاتفاقيات الدولية فترفع سعر الدواء بصورة فاحشة والمتضررون هم الأفراد الفقراء أو دول العالم الثالث، فمثلا 10% من سكان جنوب إفريقيا مصابون وتقدر التكلفة الإجمالية لعلاجه بألف دولار شهريا وهو رقم تعجز الدولة عن توفيره لمرضاها فعرضت شركة هندية للدواء بيع كمية نوعية من الدواء بسعر أدنى من سعر الشركة المحتكرة بخمس وثلاثين مرة، وعندما منحته جنوب إفريقيا ترخيصا لإنتاج الدواء اعتبر ذلك انتهاكا لاتفاقية التجارة الحرة التي تفرض حقوقا للملكية الفكرية! وأقامت شركات الدواء المتضامنة دعوى على جنوب إفريقيا لانتهاكها تلك الحقوق.


إن العقوبات الدولية أو المقاطعة التجارية التي قد تستخدمها الدول الأخرى أو الأمم المتحدة ضد الدولة الإسلامية في حال خرق مثل هذه الاتفاقيات هي مسألة سياسية ينبغي للدولة التعامل معها دون التنازل أو مخالفة الشرع، ويمكن أن يستخدم الإعلام لمحاولة كشف الجشع الرأسمالي واستغلاله لهذه الاتفاقيات لحرمان الدول والشعوب الفقيرة من الانتفاع بخيرات العلم، ومحاولة استمالة الرأي العالمي من أجل كسر هذه الاتفاقيات والتخلص من تبعاتها.

 

 

جمع وإعداد: راضية عبد الله

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع