الأربعاء، 15 ربيع الأول 1446هـ| 2024/09/18م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
مناقب ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب رضي الله عنه  (ح24)عمر رضي الله عنه يصدر قانونا يضمن حرية التعبير

بسم الله الرحمن الرحيم

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

مناقب ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب رضي الله عنه

  (ح24) عمر رضي الله عنه يصدر قانونا يضمن حرية التعبير

 

 

 

الحَمْدُ للهِ مُنْزِلِ الكِتَابْ، وَمُجْرِي السَّحَابْ، وَهَازِمِ الأَحْزَابِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا محمد، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أُولِي الأَلْبَابْ، وَعَلَى وَزِيرَيهِ: أَبِي بَكْرِ الصِّدِّيقْ، مَنْ لِدَعْوَةِ الحَقِّ استَجَابْ، وَالفَارُوقِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابْ، الحَاكِمِ بِالعَدْلِ، وَالنَّاطِقِ بِالصَّوَابْ، ارزُقنَا الَّلهُمَّ خَلِيفَةً مِثْلَهُ، يَخَافُكَ وَيَتَّقِيكَ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَتَرْضَى عَنْهُ يَوْمَ يَقُومُ الحِسَابْ، وَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ، وَاحْشُرْنَا فِي زُمرَتِهِمْ، بِرَحْمَتِكَ يَا كَرِيمُ يَا وَهَابْ... آمِينَ.

 

أيها المؤمنون:

 

 

أحبتنا الكرام:

 

السَّلَامُ عَلَيكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وبركاتُه، وَبَعْد: نُواصِلُ مَعَكُمْ حَلْقَاتِ كِتَابِنَا:"مَنَاقِبُ ثَانِي الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ t ". وَمَعَ الحَلْقَةِ الرَّابِعَةِ والعِشْرِينَ، وَهِيَ بِعُنْوَانِ: "عُمَرَ t يصدر قانونا يضمن حرية التعبير". نَقُولُ وَبِاللهِ التَّوفِيقُ:

 

كَانَ الفَارُوقُ يُحِبُّ أَخَاهُ زَيدًا حُبًّا شَدِيدًا، وَكَانَ زَيدٌ هَذَا قَدْ استُشْهِدَ فِي حُرُوبِ الرِّدَّةِ. إن زَيدَ بنَ الخَطَّابِ أخُو عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، أَجَلْ أَخُوهُ الأَكْبَرُ، وَالأَسْبَقُ، جَاءَ الحَيَاةَ قَبْلَ عُمَرَ، فَكَانَ أَكْبَرَ مِنهُ سِنًّا، وَسَبَقَهُ إِلَى الإِسْلَامِ، كَمَا سَبَقَهُ إِلَى الشَّهَادَةِ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَكَانَ زَيدٌ بَطَلًا بَاهِرَ البُطُولَةِ، وَكَانَ العَمَلُ الصَّامِتُ، الـمُمْعِنُ فِي الصَّمْتِ جَوهَرَ بُطُولَتِهِ، وَكَانَ إِيمَانُهُ بِاللهِ، وَبِرَسُولِهِ، وَبِدِينِهِ إِيمَانًا وَثِيقًا، وَلَم يَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَشْهَدٍ، وَلَا فِي غَزَاةٍ.

 

وَفِي كُلِّ مَشْهَدٍ لَمْ يَكُنْ يَبْحَثُ عَنِ النَّصْرِ، بِقَدْرِ مَا يَبْحَثُ عَنِ الشَّهَادَةِ!! فَفِي يَومِ أُحُدٍ، حِينَ حَمِيَ القِتَالُ بَينَ المسْلِمِينَ وَالمشْرِكِينَ وَالمؤْمِنِينَ رَاحَ زَيْدُ بنُ الخَطَّابِ t يَضْرِبُ وَيَضْرِبُ، وَأَبْصَرَهُ أَخُوهُ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ t ، وَقَدْ سَقَطَ دِرْعُهُ عَنهُ، وَأَصْبَحَ أَدْنَى مَنَالًا لِلأَعْدَاءِ، فَصَاحَ بِهِ عُمَرُ t : "خُذْ دِرْعِي يَا زَيدُ فَقَاتِلْ بِهَا". فَأَجَابَهُ زَيدٌ t : "إِنِّي أُرِيدُ مِنَ الشَّهَادَةِ مَا تُرِيدُ يَا عُمَرُ؟!". وَظَلَّ زَيدٌ t يُقَاتِلُ بِغَيرِ دِرْعٍ فِي فِدَائِيَّةٍ بَاهِرَةٍ، وَاستِبْسَالٍ عَظِيمٍ!

 

وَفِي يَومِ اليَمَامَةِ أَثْنَاءَ حَرْبِ المرتَدِّينَ كَانَ زَيدٌ t يَتَحَرَّقُ شَوقًا لِلِقَاءِ الرَّجَّالِ بنِ عُنْفُوَةَ مُتَمَنِّيًا أَنْ يَكُونَ الإِجْهَازُ عَلَى حَيَاتِهِ الخَبِيثَةِ مِنْ حَظِّهِ وَحْدَهُ، ذَلِكَ الـمُرتَدُّ الَّذِي عَنَاهُ رَسُولُ اللهِ r بِقَولِهِ وَالصَّحَابَةُ مُلْتَفُّونَ حَولَهُ: «إِنَّ فِيكُمْ لَرَجُلًا ضِرْسُهُ فِي النَّارِ أَثْقَلُ مِنْ جَبَلِ أُحُد!!»، فَالرَّجَّالُ فِي رَأْيِ زَيدٍ، لَمْ يَكُنْ مُرتَدًّا فَحَسْبُ، بَلْ كَانَ كَذَّابًا مُنَافِقًا، وُصُولِيًّا. لَمْ يَرتَدَّ عَنِ اقتِنَاعٍ، بَلْ عَنْ وُصُولِيَّةٍ حَقِيرَةٍ، وَنِفَاقٍ بَغِيضٍ هَزِيلٍ. وَزَيدٌ فِي بُغْضِهِ النِّفَاقَ وَالكَذِبَ، كَأَخِيهِ عُمَرَ تَمَامًا!! كِلَاهُمَا لَا يُثِيرُ اشمِئْزَازَهُ، وَلَا يَسْتَجيشُ بَغْضَاءَهُ مِثْلُ النِّفَاقِ الَّذِي تُزْجِيهِ النَّفْعِيَّةُ الهَابِطَةُ، وَالأَغْرَاضُ الدَّنِيئَةُ.

 

هُنَالِكَ وَقَدْ رَأَى زَيدٌ رِيَاحَ النَّصْرِ مُقْبِلَةً، لَمْ يَعْرِفْ لِحَيَاتِهِ خِتَامًا أَرْوَعَ مِنْ هَذَا الخِتَامِ، فَتَمَنَّى لَوْ يَرزُقُهُ اللهُ الشَّهَادَةَ فِي يَومِ اليَمَامَةِ هَذَا، وَهَبَّتْ رِيَاحُ الجَنَّةِ فَمَلَأَتْ نَفْسَهُ شَوقًا، وَمَآقِيهِ دُمُوعًا، وَعَزمَهُ إِصْرَارًا، وَرَاحَ يَضْرِبُ ضَرْبَ البَاحِثِ عَنْ مَصِيرِهِ العَظِيمِ، وَسَقَطَ البَطَلُ شَهِيدًا، بَلْ قُولُوا: صَعَدَ شَهِيدًا، صَعَدَ عَظِيمًا، مُمَجَّدًا، سَعِيدًا، وَعَادَ جَيشُ الإِسْلَامِ إِلَى المدِينَةِ ظَافِرًا.

 

وَبَينَمَا كَانَ عُمَرُ، يَسْتَقْبِلُ مَعَ الخَلِيفَةِ أَبِي بَكْرٍ أُولَئِكَ العَائِدِينَ الظَّافِرِينَ، رَاحَ يَرْمُقُ بِعَينَينِ مُشْتَاقَتَينِ أَخَاهُ العَائِدَ، وَكَانَ زَيدٌ طَوِيلًا بَائِنَ الطًّولِ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ تَعَرُّفُ العَينِ عَلَيهِ أَمرًا مَيسُورًا، وَلَكِنْ قَبْلَ أَنْ يُجْهِدَ بَصَرَهُ، اقْتَرَبَ إِلَيهِ مِنَ المسْلِمِينَ العَائِدِينَ مَنْ عَزَّاهُ فِي زَيدٍ، فَقَالَ عُمَرُ:"رَحِمَ اللهُ أَخِي زَيدًا، سَبَقَنِي إِلَى الحسنيين: أَسْلَمَ قَبْلِي، وَاسْتُشْهِدَ قَبْلِي"!وَعَلَى كَثْرَةِ الانتِصَارَاتِ الَّتِي رَاحَ الإِسْلَامُ يَظْفَرُ بِهَا وَيَنعُمُ، فَإِنَّ زَيدًا لَمْ يَغِبْ عَنْ خَاطِرِ أَخِيهِ الفَارُوقِ لحْظَةً، وَدَائِمًا كَانَ يَقُولُ: "مَا هَبَّتِ الصَّبَا، إِلَّا وَجَدْتُ مِنْهَا رِيحَ زَيدٍ".

 

ذَاتَ نَهَارٍ فِي سُوقِ المدِينَةِ يَلْتَقِي الفَارُوقُ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ t - وَجْهًا لِوَجْهٍ- بِقَاتِلِ أَخِيهِ زَيدٍ، وَكَانَ قَدْ أَسْلَمَ، وَصَارَ فَردًا فِي رَعِيَّتِهِ. يُخَاطِبُهُ الفَارُوقُ غَاضِبًا: "وَاللهِ إِنِّي لَا أُحِبُّكَ حَتَّى تُحِبَّ الأَرضُ الدَّمَ المسْفُوحَ". فَيَسْأَلُهُ الأَعرَابِيُّ مُتَوَجِّسًا: "وَهَلْ سَيُنْقِصُ ذَاكَ مِنْ حُقُوقِي يَا أَمِيرَ المؤْمِنِينَ؟". ويُطَمْئِنُهُ أَمِيرُ المؤْمِنِينَ قًائٍلًا: لَا، فَيُغَادِرُهُ الأَعْرَابِيُّ بِمُنتَهَى اللَّامُبَالَاةِ قَائِلًا: "إِنَّما تَأْسَى عَلَى الحُبِّ النِّسَاءُ". أَيْ مَالِي أَنَا وَحُبِّكَ إِذْ لَيسَ بَينِي وَبَينَكَ غَيرُ الحُقُوقِ وَالوَاجِبَاتِ.

 

لَمْ يَغْضَبْ أَمِيرُ المؤْمِنِينَ، وَلَمْ يَزُجَّ بِهِ فِي السِّجْنِ، بَلْ كَظَمَ غَضَبَهُ عَلَى جُرأَةِ الأَعرَابِيِّ، وَسُخْرِيَتِهِ، وَوَاصَلَ التِّجْوَالَ. لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ إِلَّا إِيمَانًا بِحَقَّ هَذَا الأَعْرَابِيِّ فِي التَّعْبِيرِ، وَبِكَظْمِ الغَضَبِ، وَهُوَ فِي قِمَّةِ السُّلْطَةِ، وَبِفَضْلِ شَجَاعَةِ هَذَا الأَعْرَابِيِّ تَشَكَّل فِي الـمُجْتَمَعِ قَانُونُ حُرِّيَّةِ التَّعْبِيرِ.

 

بُورِكَ آلُ الخَطَّابِ تَحْتَ رَايَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، بُورِكُوا يَومَ أَسْلَمُوا، وَبُورِكُوا أَيَّامَ جَاهَدُوا، وَاستُشْهِدُوا، وَبُورِكُوا يَومَ يُبْعَثُونَ!!

 

أيها المؤمنون:

 

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِمًا، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فِي القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.

 

 

 

كتبها لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

الأستاذ: محمد أحمد النادي

آخر تعديل علىالخميس, 06 أيار/مايو 2021

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع