تلخيص كتاب التفكير 5
- الموافق
- 1 تعليق
بسم الله الرحمن الرحيم
لا بد من التفكير في نوع العمل الذي يُراد اتخاذ أسلوب له، قبل اتخاذ الأسلوب، حتى يتم اتخاذ الأسلوب الفعال والناجح مع هذا العمل، والتشابه في الأساليب يجب ألا يجعل الناس يأخذون أساليب خاطئة في العمل. والأسلوب هو كيفية القيام بالعمل، وهي بعكس الطريقة، إذ أن الطريقة دائمة ويقينية أو أصلها يقيني، وليست بحاجة إلى كثير تفكير. فالأسلوب يحتاج إلى عقل مبدع، وحل المشاكل إنما يكون باستخدام الأساليب، فمن له عقليه حل المشاكل إذا استعصت عليه حل مشكلة يحاول حلها بأسلوب آخر ولا يهرب منها، حتى إذا لم يستطع حلها بعد عدة أساليب تركها فترة من الزمن ثم عاود التفكير في الحل. أما التفكير بالوسائل فهو التفكير بالأمور المادية التي تستخدم، ولا قيمة للأسلوب إن لم تُستخدم الوسيلة المناسبة، ومعرفة الوسيلة المناسبة يتم عن طريق التجربة، واستخدام الوسيلة غير المناسبة للأسلوب يؤدي إلى الفشل، فيجب أن يتم التفكير في الوسائل عند التفكير بالأساليب، وأن يتم ذلك عن طريق التجربة؛ لأن الأساليب وإن كانت خفية لكن الوسائل أخفى، إذ يجب أن تتم التجربة عليها حتى تقرر صلاحيتها للأسلوب أم لا. أما التفكير في الغايات والأهداف فهو التفكير فيما تريد، وهو ليس بالأمر السهل، وقلما تجد من الناس من يعرف ما يريد، فالناس بشكل عام بسبب "وجود غريزة القطيع" كما يقولون، يغلب عليهم التقليد، فتوجد لديهم معلومات غير صادقة يندفعون بها دون غاية، أما الأفراد فلا توجد لديهم غاية لعدم وجود القصد عندهم. وهذه الغايات تختلف، فالأمة المتقدمة هدفها الإشباع التام، أما الأمة المتخلفة هدفها التقدم، وتحقيق الأهداف يحتاج إلى الصبر، وإشباع الحاجات سواء أكانت بعيدة أم قريبة هو أمر سهل، فالصبر عليه موجود في كل إنسان، ولكن الأهداف الأخرى مثل السعي لرفع مكانتك فإنها تحتاج إلى وقت وصبر وجدية في الأمر وملاحقة.
إن الصبر عند الأفراد أكبر منه عند الجماعات، فالرؤية عند الفرد أقوى من الرؤية عند الجماعة، وكلما ازداد العدد ضعف التفكير، والجماعات لا ترى أن الممكن عقلا ممكن فعلا، عكس الفرد فهو يرى ذلك، على أن الأهداف التي يسعى لتحقيقها يجب أن تكون ممكنة وليست فوق الطاقة البشرية، وأن تكون وسائلها موجودة، ولا تحتاج إلى أجيال لتتحقق. إن الشعوب لا تضع لنفسها غايات، ولكن لديها غايات، وهي إما التخلص من الحرمان، أو تحسين الإشباع، وهذه الغايات ممكنة التحقق فعلا. يجب التفريق بين الغايات وغاية الغايات (المثل الأعلى)، فمثلا المثل الأعلى للمسلم هو تحقيق رضوان الله، فهو قد يضع لنفسه غاية دخول الجنة أو النجاة من النار، والتي وإن كانت من الممكن أن تكون غاية الغايات، لأنها غاية لغاية قبلها، ولكنه لوجود غاية بعدها لا يطلق عليها المثل الأعلى، لأن المثل الأعلى لا توجد غاية بعده وهو عند المسلم نيل رضوان الله. على أن الغاية يجب معرفتها قبل القيام بالعمل وأثناءه، ولكن المثل الأعلى يجب ملاحظته قبل وأثناء القيام بالعمل وتكون كل الأعمال والأفكار من أجل تحقيقه. ولا يقال أن الغاية قد تستغرق أكثر من جيل وقد لا يتم تحقيقها على يد من قصدها؛ لأن الأمم يقاس عمرها بالعقد، وتتحول من حال لحال في عقد واحد، ومع وجود الاحتلال فإنها تحتاج إلى ثلاثة عقود فيجب أن تكون الغاية ممكنة التحقق على يد فاعليها، على أن ما يُرسم للأمة على مدار أجيال هي افتراضات وخطوط عامة، وليست غايات، فالغاية يشترط فيها أن تكون متحققة على يد فاعلها.
إنّ التفكير السطحي هو آفة الشعوب، وسببه إما ضعف الإحساس أو ضعف المعلومات أو ضعف الربط، ومعظم البشر لديهم خاصية ربط وإحساس قوي، إلا القليل، والناس تتجدد لهم المعلومات يومياً، إلا القلة القليلة منهم، ولكن الناس عندما تعودوا عليه استمرؤوه، وأما الجماعات فإن التفكير عندها ضعيف أصلا.
ولا يمكن علاج التفكير السطحي عند الجماعات ولكن يمكن رفع مستوى الواقع والوقائع، فيبقى التفكير سطحيا ولكن مرتفعا. أما الأفراد فيمكن علاج السطحية عندهم عن طريق إثارة استسخافهم لتفكيرهم، وإكثار التجارب لديهم، وجعلهم يسايرون الحياة ويتعايشون معها، وهكذا يسبقون أمتهم وينهضون بها بعد أن يتركوا التفكير السطحي؛ لأنهم يستطيعون تصور الحياة الراقية وقبول الآراء الصحيحة واعتناق الأفكار القطعية وبسبب قوة الربط عندهم يوجد التفكير العميق، ولكن لا بد أن تتبنّى الأمة هذه القدرة لدى هؤلاء الأفراد. ولا بد أن يتم السير في إزالة سطحية الأفراد وإزالة سطحية الأمة بشكل متزامن؛ لأن الأفراد جزء من المجتمع، والمجتمع مكون من أفراد.
أما التفكير العميق فهو عدم الاكتفاء بالإحساس وربط الإحساس بالمعومات الأولية، بل معاودة الإحساس بالواقع أكثر وأكثر، ومحاولة الربط بمعلومات أكثر من مجرد المعلومات الأولية. والفكر المستنير هو نفس الفكر العميق مع إضافة التفكير فيما حول الواقع للوصول إلى نتائج صادقة، لذلك قد تجد عالم الذرة الذي يفكر تفكيرا عميقا في الذرة يعبد الخشب، مع أن أبسط استنارة تُري أنها لا تنفع ولا تضر وأنها ليست مما يعبد، فالفكر العميق ليس مستنيرا، ولكن الفكر المستنير عميق. والتفكير العميق ليس ضروريا في العلوم والطب، ولكنه ضروري في رفع مستوى الفكر.
ومهما كان نوع الفكر يجب أن توجد فيه الجدية، وإن كانت السطحية لا تساعد على الجدية، والعمق يدفع إلى الجدية، والاستنارة تحتم الجدية، فالتفكير بالشيء يكون من أجل معرفته أو العمل به، وفي كلتا الحالتين يجب أن توجد الجدية والابتعاد عن التقليد والعادة في التفكير. ويجب أن تُصطنع الجدية حتى توجد، وهنا لا نعني مطلق الجدية، بل نعني أن تكون هناك أعمال تؤدي إلى المقصود، وفي مستوى ما تم التفكير به. وحتى توجد الجدية لا بد من الابتعاد عن الخجل والخوف والاعتماد على الغير لأنها كلها تتنافى مع الجدية. أما ضرورة وجود الجدية في العمل فذلك قادم من أن التفكير لا بد أن يكون من أجل العمل في الحياة، فلا يُقال بأن العلم يطلب للتلذذ، لأن غرضه هو أن يُعمل به في الحياة، لذلك لا تعدّ الفلسفة جدية مطلقا؛ لأنه ليس فيها إلا الاستمتاع بالدراسة والبحث، بينما يعدّ الشاعر جدياً لأن قراءة القصيدة توجد التلذذ والانتعاش، فالجدية تقتضي القصد وهم لم يقصدوا سوى مجرد البحث. وقد تطول المسافة وتقصر بين التفكير والعمل، ولكن هذا لا ينفي الجدية عنه. فيجب أن يكون التفكير جديا، وأن لا يكون رتيبا بحكم العادة والتقليد؛ لأن الذي يفكر هكذا يستمرئ الواقع ولا يفكر بالتغيير، ولا بد من التفكير بالتغيير لأن ركود الحياة من أخطر الآفات على الشعوب.