تلخيص كتاب التفكير 8
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
إنّ التفكير السياسي الحق، وهو التفكير في الأحداث، يتطلب خمسة أمور، أولها متابعة الأخبار ومع المران يتم تمييز أيها يجب متابعتها، وأيها مهم في حلقات المعرفة. ثانيها معلومات ولو أولية عن مدلولات الأحداث، سواء أكانت جغرافية أم تاريخية، بشكل يُستطاع معها معرفة حقيقة مدلولات الأخبار. وثالثها عدم تجريد الوقائع من ظروفها، وعدم تعميمها، حيث يجب أن تؤخذ أخذا واحدا مع ظروفها، ولكن لا يُقاس عليها، ولا تعمم على كل الأحداث. ورابعها هو تمييز الخبر، فيعرف مصدره، وموقع الحدث، والقصد من وجوده، أو من سوّق الخبر، أو الإيجاز أو الإسهاب فيه. وخامسها هو الربط الصحيح، فإن ربط الخبر بغير ما يجب أن يُربط به يحصل الخطأ، فمثلاً ربط الخبر المتعلق بالسياسة الدولية بالسياسة المحلية يؤدي إلى الخطأ.
ولا يُقال أن هذه الأمور كثيرة ويصعُب تحقيقها، لأنها يمكن أن تنتج مع الزمن والتتبع، فالتتبع هو المهم، شرط أن يكون تتبعا متصلاً، لأنه إذا كان منقطعا فإنه لا يصبح بمقدور المرء أن يربط الأحداث ويفهمها.
إن التفكير السياسي يوجد في الجماعات كما في الأفراد، ويجب أن يوجد في الأفراد حتى يوجد الحكم الصالح، ولأن الحكم للشعب ولا تستطيع قوة أن تأخذه إلا إذا أعطاه الشعب، وإن اغتُصب منها فإنه إما أن تقبل فيستمر أو تصرّ على استرجاعه؛ لذلك كله كان التفكير السياسي ضروري للجماعة والأمة والشعب، وكان واجباً إعطاء الأمة الأفكار السياسية الصحيحة، والصادق من الأخبار، فهذا الأمر يوجد الحياة في الأمة. إن الخطأ في فهم السياسة يكمن في التفكير فيها كالتفكير في النصوص الفكرية فتُفهم معاني الألفاظ، أو أن تُفهم كالنصوص الأدبية فتفهم الألفاظ والتراكيب أو مدلولات الألفاظ، مع أن الأمر مختلف فقد يكون في الألفاظ كالتصريحات أو المعاهدات، وقد يكون في المدلولات، على أن التصريح مثلا يُكشف صدقه وكذبه وما يراد منه من خلال الملابسات والظروف، فقد يقوم المصرّح بعمل يخالف التصريح أو يوافقه.
إن التفكير السياسي هو الذي يدمر الشعوب ويقيم الأمم، ونتائجه من أخطر النتائج، لذلك لا بد من العناية به أيما عناية، لذلك يجب أن يُدرك أن التفكير السياسي في الأفراد غير منتج إنما التفكير السياسي في الشعوب هو الذي يقيم الأمم ويحميها، فسوء التفكير السياسي لا يشكل خطرا على الأفراد بل على الشعوب والجماعات، إذ أن سوء التفكير السياسي لو اجتاح أمة ما فإنه لن تنفع عبقرية الأفراد، على أن التفكير السياسي الصحيح الذي يسير في الطريق المستقيم في الأفراد يمكن أن يقف في وجه الأمة إذا انتقل التفكير من الأفراد إلى الأمة وأصبح عند الأمة كما هو عند الأفراد، فالذي يقف في وجه الأعداء هو تفكير الشعوب وليس تفكير الأفراد، كما حصل عند هدم الخلافة على سبيل المثال.
إن الأفراد العباقرة هم أناسٌ عاديون وإن أنتجوا شيئا فإنه يُرى في بداية الأمر عاديا، فهم وإن كانوا مثقفين فيوجد غيرهم، وإن كانوا أذكياء فيوجد غيرهم، ولكن لفت النظر إلى عبقريتهم كان من قبل أفراد آخرين أقبلوا على إنتاجاتهم ليكونوا مثلهم. أما إذا ظل الفرد العبقري في شرنقة العزلة فإنه لن يقدر على الوقوف في وجه الأعداء، لذلك وجب تثقيف الأمة تثقيفا سياسيا، وتعليم الأمة التفكير السياسي، فالتفكير السياسي في الوقائع والأحداث هو واجب على الكفاية، ويجب أن يُعمل لإيجاده في الأمة.
إن ملايين الكتب مثل هذا الكتاب لن توجد التفكير في الأمة، بل الذي يوجده هو الأحداث الموجعة، لاسيما بعد أن وجدت جماعات تفكر وأخرى تحاول التفكير، بعد أن بليت الأمة بعلماء نادوا بإغلاق باب الاجتهاد وصار الناس يتحرجون منه، والإنسان بطبعه حيوان كسول لذلك تعطل التفكير. وهذان الأمران (الأحداث الموجعة، وجماعات تفكر أو تحاول ذلك) يوجدان أملا أن ينتقل التفكير من الأفراد إلى الجماعات، فتصبح الأمة الإسلامية أمة مفكرة.
انتهى