- الموافق
- 2 تعليقات
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة تونس في مؤتمر: "الشباب المسلم... روّاد التغيير الحقيقي"
يقظة شباب مسلم رائد للتغيير
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي المصطفى الكريم وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين، رب اغفر ذنوبنا وفرج كروبنا وآمن روعاتنا واجعلنا من عبادك المخلَصين المخلِصين، الذين لا يَظلمون ولا يُظلمون، رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي.
أخواتي الكريمات، أحييكن بتحية الإسلام، فالسلام عليكن ورحمة الله وبركاته، بورك جمعكن وبورك لقاؤكن، وأتوجه بالشكر لكل من لبى الدعوة ولكل من ساهم في إنجاح هذا اللقاء...
الشباب هو عنوان الطاقة والإبداع، وعنوان العطاء والاندفاع، ولكنه يعاني اليوم من وضع مأساوي أليم، وسوء رعاية وتهميش، وعدم امتثال لتطلعاته بوصفه شبابا مسلما يأمل في استرداد سيادته وأرضه المغتصبة واسترجاع ثرواته المنهوبة.
فقد عمل المستعمر منذ ما يقارب القرن على تغريب الشباب المسلم وتشكيكه في قناعاته وهويته، وأسقط دولة الخلافة، واختار نخبة رباها على المفاهيم الغربية، ثم سخرها لضرب الإسلام، والدعوة للتحرر من كل المفاهيم التي نشأت وتربت عليها الأمة، والتسليم بأن التطور والتقدم لن يكون إلا بضرب كل موروث فكري إسلامي ثم اللحاق بركب الحضارة الغربية بكل مقوماتها، فأربك الشباب بأفكاره المسمومة التي تطلق الغرائز وتجعل المقياس هو المصلحة وتلغي العقيدة الإسلامية كأصل في التفكير؛ مما سبب اضطرابا في شخصية الشباب المسلم بدغدغة مشاعره بعناوين رنانة كالحرية وغيرها، وأنتج سلوكيات غير منسجمة. ثم تتنصل الأنظمة القائمة من كل مسؤولية بدعوى أن هذه السلوكات طبيعية نتيجة تغيرات فسيولوجية عبروا عنها بسن المراهقة، وتحمل فشلهم الفكري على التركيبة العمرية لا على أفكارهم التي أنتجت التعاسة والخيبة.
وليس بالغريب ممن راهن على ضرب الأمة الإسلامية حتى يوجد لنفسه موقعا بين الأمم، ليس غريبا أن يستميت في سبيل تحقيق هدفه، وهذا قول أحدهم يعكس نواياهم (كأس وغانية تفعلان في تحطيم الأمة المحمدية أكثر ما يفعله ألف مدفع)، فأغرقوها في حب المادة والشهوات.
ولما اطمأن الغرب إلى حكومات سلطها على رقاب المسلمين تحمل أجنداته، يسر لها المجال لتهميش الشباب ضمن منظومة تعليمية فاسدة واقتصادية مهترئة وسياسية عميلة فاشلة، فوجد الشباب نفسه في معاناة لا يعلم سبيل الخلاص منها.
فمن الشباب فئة مبدعة، يسر لها المستعمر الهجرة إلى معاقله ووظفها في مختبراته، ونسوق إحصائيات على سبيل المثال لا الحصر؛ فبحسب جامعة الدول العربية فإن 50% من الأطباء و23% من المهندسين من مجموع الكفاءة العربية يتوجهون إلى أوروبا، ونسبة 54% من العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى بلدهم، وعن كتابة الدولة للهجرة عام 2012، فإن 57 ألف طالب من تونس هاجروا إلى الخارج بنسبة عودة لا تتجاوز 10%، كما أن عدد الإطارات المهاجرة من تونس تبلغ 83529، وورد عن دراسة صادرة لإدارة السياسات السكانية والهجرة في الجامعة العربية أن العرب يخسرون 1.57 مليار دولار سنويا بسبب هجرة الأدمغة.
ومن الشباب من ألفى نفسه بين مستنقع البطالة والانحراف والهجرة فرارا من واقع مأساوي إلى آخر أكثر منه سوءًا، ذلك أن الغرب يعتمد سياسة الإيواء والطرد لليد العاملة حسب حاجته.
وعلى المستوى المغاربي يمثل الشباب قرابة نصف السكان، لا يزال غالبيتهم خارج سوق الشغل، وغالبيتهم دون زواج بل يعتمدون على آبائهم في تدبير حاجياتهم الحياتية، والغريب أن في كل قطر وزارة باسمه (وزارة الشباب)، وما لا يستغرب أنها ما أفادت بشيء وذلك لصوريتها وعدم جدواها.
أما المؤسسات التعليمية فهي فضاء يبصم الشباب بقيمه ومعطياته، ويعمل على ضمان إعادة إنتاج نفس الرموز في الاتجاه الذي يخدم مصالح النافذين في المجتمع وبالتحديد المستعمر وأذنابه، فكان المحتوى التعليمي المحدد في البرامج والمقررات لا يتردد في إعادة ذاته، وإن كانت هناك دعاوى للإصلاح فهي تتمحور أساسا في تغييرات شكلية للتوقيت والفضاء المدرسي والآليات المعتمدة.
ففي تونس مثلا ادعوا أنهم سيصلحون التعليم وأنفقوا الجهد والمال لبعث نوادٍ تنشيطية وتثقيفية على حد زعمهم، لكن أي تثقيف شملهم؟! ألعاب سميت بالسحرية ورقص على إيقاع صاخب مخل بأبسط عناوين الحياء والاستقامة التي كان الأولى مراعاتها وإرساؤها في ثقافة النشء، وكيف لهم أن يولوا لبرامج التعليم تغييرا ولم يؤذن لهم، بل هم ينتظرون تعديلا ممن وظفهم.
وفي مثل هذا الوضع الكارثي للشباب تجندت الجمعيات والمنظمات داعية أن يكون الشباب عنصرا فاعلا في عملية الإصلاح كما يسمونها، بتأييد إعلامي ممنهج خشية أن يحدث التغيير الجذري الصحيح على يد المخلصين من أبناء الأمة.
وتضاف إليها جمعيات أجنبية تعمل تحت عنوان "قادة الغد" تستقطب الشباب فتلقنهم الثقافة الغربية بأساليب مغرية، وتنتقي منهم من يحمل الصفات القيادية لتورطهم في وضعيات مشبوهة ثم تساومهم حتى يكونوا صدى لصوتهم وبيادق بيدهم.
ومن خلال هذا الواقع كثرت الدراسات التي ما انفكت تعدد أسباب التهميش للشباب وانحلاله القيمي، ولكنها جانبت الصواب عندما أرجعته إلى التفكك الأسري أو لقصوره المعرفي أو لانغلاقه أو لظروفه المادية، فكل ما ذكر ليست بالأسباب وإنما هي معاناة، سببها الأصلي سلطان الغرب عليه بأدوات محلية تتمثل في حكومات عميلة متعاقبة تأتمر بأمره وتنفذ مخططاته.
ولكن هذا الشباب وإن حاولوا تغريبه فهو شباب مسلم؛ وجهة نظره منبثقة من عقيدته، فمن خلال إحصائيات لمنتدى مغاربي، فإن من مجموع أفراد العينة الشبابية 79 بالمائة يرون وجوب تطبيق الشريعة كنظام حياة، والمؤيدون للباس المرأة الشرعي 95 بالمائة.
والثورة الشبابية في تونس هي خير دليل على صحوته، ثورة صدمت المستعمر وأذنابه وبعثرت أوراقه وأربكت مخططاته، لتمتد إلى العالم الإسلامي لولا وجود عملاء ساعدوا الغرب للالتفاف عليها وتحريف مسارها.
فكيف للشباب أن يكون رائدا للتغيير كما كان على عهد رسول الله ﷺ؟ إن التاريخ الإسلامي حافل بمواقف تخلد مناصرة الشباب لقضاياه المصيرية ومساهمته في بناء الدولة، فكما أسند ﷺ للشباب مهمة قيادة الجيش وأعظم بها من مسؤولية، وإمامة الصلاة وكتابة الوحي وولاية القضاء، حري بهم أن يكونوا اليوم كما كانوا بالأمس، قال ﷺ: «أوصيكم بالشباب خيراً، فإنهم أرق أفئدة.. لقد بعثني الله بالحنيفية السمحة.. فحالفني الشباب وخالفني الشيوخ» رواه البخاري. وقال ﷺ: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله...». إذن لا بد أن يكون الشباب رجال دولة لا مراهقين باعتبار أن سنهم هو سن الرشد، يرفق فيه التغير الحيوي بالتغير الفكري، وباعتباره بداية المسؤولية والتكليف حيث تمتزج الطاقة الإسلامية بالطاقة الشبابية لتنتج قادة عظماء وروادا للتغيير.
وحتى ينشأ الشباب في عبادة الله لا بد من رفع سلطان المستعمر عن المسلمين، وهذا لن يكون إلا بإسقاط النظام المسلط عليهم، لا بتغيير وجوه بأخرى ولا بنود دستورية بغيرها وضعية مثلها، وإنما بإقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة؛ نظامها منبثق من عقيدة الأمة.
قال تعالى: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هدًى﴾ صدق الله العظيم
فلا تركن أيها الشباب لمن ظلمك واتهمك بالعجز والقصور والاضطراب، فكما كان على عهد السابقين رجال بنوا مجد الأمة وحضارتها وصانوا الدين والأرض والعرض، كن أنت أيضا عزيزا بدينك، عزيزة بك أمتك، مستنيرا بعقيدتك، مستجيبا لدعوتك، عاملا على استئناف الحياة الإسلامية، تصلح حال العباد وترضي رب العباد.
2 تعليقات
-
بارك الله بكم . ونسأله تعالى أن يَمُنَّ علينا بقيام دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة
-
بارك الله فيكن