- الموافق
- 3 تعليقات
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة الرابعة في مؤتمر: "الشباب المسلم... رواد التغيير الحقيقي"
إعادة مكانة وحيوية الشباب المسلم
(مترجمة)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
الحمدُ للهِ الذي هدانا إلى صراطِهِ المستقيم، والسيرِ على هَدْيِ سيدِ المرسَلين، وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلىَ رَسُوْلِ اللهِ، وَعَلىَ آلهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ دَعَا بِدَعْوَتِهِ، وَالْتَزَمَ بِشَرِيْعَتِهِ، وَبَذَلَ جُهْدَهُ لِإِقَامَةِ الْخِلاَفَةِ عَلىَ مِنْهَاجِهِ، وَمَنْ جاَهَدَ فِيْ سَبِيْلِ اللهِ حَقَّ جِهاَدِه. آمين
الأخوات العزيزات، الحضور الكريم، والناشطون الشباب
علينا أن ندرك حجم العلمانية التي توجّهها الدول الغربية ضد أبناء المسلمين وشباب المسلمين في إندونيسيا. لقد قام الغرب بتصميم خطط عالمية وبرامج متنوعة للفوز بقلوب وعقول وولاء شباب المسلمين، حتى يكونوا مخلصين للفكرة العلمانية، والقيم التحررية، وطراز الحياة الغربية ونظامها. ونتيجة لذلك، فإن شباب المسلمين قد فقدوا مكانتهم التي حددها الإسلام باعتبارهم رواد التغيير الحقيقي وحماة الإسلام والأوصياء على تطبيقه، وهو ما يعني خسارة إمكانياتهم وطاقاتهم وحيويتهم.
إن خطة الغرب لعلمنة أطفال وشباب المسلمين تظهر بوضوح في وثيقة "خطة العمل لمنع التطرف العنيف" التي اعتمدتها الأمم المتحدة والتي بدأ العمل بها في 12 شباط/فبراير عام 2016. وهناك أمران اثنان لا بد من التحذير منهما: أولًا: الجهود التي تُبذل لدفع شباب المسلمين بعيدًا عن الإسلام الحقيقي. وثانيًا، الجهود لسرقة إمكانيات وطاقات شباب المسلمين من أجل الحفاظ على هيمنة الدول الرأسمالية الغربية - وخاصة أمريكا - التي تسيطر على الأمم المتحدة.
وتَظْهر محاولات دفع شباب المسلمين بعيدًا عن فهم الإسلام الصحيح في خطة تفعيل دور الشباب في منع التطرف العنيف. وقد بين الأمين العام للأمم المتحدة نتائج "بيان الشباب" في عمان في عام 2015، وأشار إلى أن الشباب يجب أن يكونوا روادًا في حفظ السلام العالمي وفعَّالين في منع التطرف العنيف. ولكن قبل هذا بوقت طويل، أخذ الغرب يروج لفكرة أن مرتكبي العنف هم الحركات الإسلامية. فقد بدأ بذلك منذ تفجير مركز التجارة العالمي عام 2001 وحتى الهجمات الأخيرة في باريس، وتفجيرات أنقرة، وتفجيرات سارينا، والتفجيرات الأخيرة في بروكسل هذا العام، فدائمًا ما يتم ربط الفاعلين بالحركات الإسلامية.
والخطط الغربية لمواجهة التطرف العنيف لم تعد تقتصر فقط على الحرب المادية، ولكنها باتت أيضًا حرب أفكار وسياسة. وبناء على اقتراح مؤسسة راند، فقد شكلت أمريكا شبكة من المسلمين المعتدلين ليكونوا شركاءها. إضافة إلى شركائها المهمين من أكاديميين ليبراليين وعلمانيين من أبناء المسلمين، وكذلك شخصيات معتدلة من الشباب المثقف والعلماء. ويُعَرّف الباحث الكبير في مؤسسة راند، أنجل راباسا، المسلمين المعتدلين بأنهم هؤلاء الذين يقبلون التعددية والنسوية والمساواة بين الجنسين والديمقراطية والحركات الإنسانية والمجتمع المدني.
الأخوات العزيزات، الحضور الكريم، والناشطون الشباب... يرحمكم الله
تعمل الحكومة الإندونيسية الآن على تعميم الإسلام المعتدل حيث إنها تُركز على الجامعات والمدارس والمدارس الإسلامية الداخلية التقليدية. وقد دعا الرئيس جوكوي مؤخرًا شيخ الأزهر وطلب منه نشر أفكار الإسلام المعتدل. وعلاوة على ذلك، فإن الحكومة، ومن خلال وزارة الشؤون الدينية، ستقوم بتغيير مناهج التربية الإسلامية لتستعمل اسم الإسلام السلمي أو الإسلام رحمة للعالمين. وقد صرح وزير الشؤون الدينية بوضوح أن هذا المنهج قد تمت صياغته بهدف تعليم الطلاب تعاليم الإسلام بطريقة أكثر احترامًا للتنوع والاختلاف، ومن أجل تعزيز السلام والتسامح والديمقراطية. وبحسب ما قاله، فإن المنهاج يمكن أن يكون أيضًا وسيلة لمنع انتشار التطرف الذي قد ينشأ في المؤسسات التعليمية. وتقوم وزارة الدفاع بطرح برنامج وطني لنشر الوعي حول "الدفاع عن البلاد" وخاصة للطلاب: طلاب الجامعات وطلاب المدارس الإسلامية الداخلية التقليدية. وهو يهدف إلى غرس القيم القومية في الشباب من أجل مواجهة الأفكار المتطرفة العالمية القادمة إلى البلاد.
والإسلام المعتدل هو في جوهره فكرة مفادها قبول كل ما يخالف أفكار الإسلام وأحكامه. وهو ليس مجرد قبول واقع الفروقات، ولكن لا بد من تقبُّل فكرة الاختلاف نفسها. والمعتدلون هم الذين لا ينتقدون المثليين، ويتقبلون قادة الكفر باسم حقوق الإنسان؛ يفرحون بحضور قداس الكنائس، ويقبلون بمساومة أعراف الكفر وأنظمته باسم التعددية. ولذلك فإن خطر فكرة الإسلام المعتدل ماثل بشكل واضح. وقد أخذت الريبة المتبادلة بالظهور في صفوف الأمة الإسلامية. فَقُسمت الأمة إلى حركات إسلامية أصولية وحركات إسلامية معتدلة. في الواقع، يجب رعاية شباب المسلمين حتى تتكون عندهم شخصيات إسلامية حقيقية تحمل بقوة العقيدة الإسلامية وتتحلى بالأخلاق الإسلامية النبيلة، إضافة إلى اهتمامهم بالمشاكل التي تواجهها هذه الأمة. ولكن الجهود التي تصب في هذا الباب يجري الآن إعاقتها. وتقع الاتحادات الطلابية الإسلامية في المدارس والكليات والجامعات، والمدارس الإسلامية الداخلية ضمن دائرة الاشتباه بأنها أوكار للإرهابيين. ونتيجة لذلك، سيبقى جيل الشباب بعيدًا عن الفهم الصحيح للإسلام. وسيكون حملة الدعوة المخلصون الذين يكافحون من أجل إقامة الحكم بما أنزل الله سبحانه وتعالى بعيدين عن الأمة أو يتم اتهامهم بالتطرف. في الحقيقة، إن الأمة تحتاج للإسلام السياسي من أجل حل المشاكل ذات الأبعاد المتعددة الناتجة عن تطبيق الأنظمة الديمقراطية العلمانية والاقتصاد الرأسمالي. وعلى الرغم من كل ذلك، يريد الغرب من المسلمين أن يظهروا العداء لكافة أحكام الشريعة الإسلامية والداعين لها. ويريد الغرب من شباب المسلمين - كقادة الأمة في المستقبل - أن يكونوا جيلًا معتدلًا، وذلك لأن المسلمين المعتدلين لا يهددون وجودهم.
الأخوات العزيزات، الحضور الكريم، والناشطون الشباب
والمسألة الحاسمة الثانية هي دعم الشباب في المجالات الاقتصادية والحياتية، والتي في الحقيقة هي جزء من الجهود الغربية لاختطاف إمكانيات شباب المسلمين. ففي نفس وثيقة "خطة العمل لمنع التطرف العنيف"، قالت الأمم المتحدة إن محفزات العنف - إضافة للدوافع الدينية - هي التهميش المجتمعي والفقر. ولمنع ذلك، قامت الأمم المتحدة بتصميم خطة مُتَابعة تستهدف من خلالها الشباب بقضايا تتعلق بالتعليم وتنمية المهارات، وتسهيل العمل والتواصل الاستراتيجي، وشبكة الإنترنت، ومواقع التواصل. وفيما يتعلق بمسألة التعليم، فإن إحدى النقاط التي لا بد من الوقوف عليها هي ضرورة حصول الشباب على مصادر التعليم المهني واحتضان المواهب الريادية. فنظام التعليم الرأسمالي يقوم على المنفعة ويدعم التوجه نحو الأسواق، ولم يعد الهدف منه تخريج العلماء وإنما صناعة العمال. فيتم فيه تحضير خريجي المدارس المهنية والدبلوم والجامعات ليصبحوا عمالًا عند الشركات الرأسمالية الغربية. ولم تعد الدولة تدعم التوجه نحو البحث العلمي في الجامعات لبناء اقتصاد مستقل للبلاد وإنما تقوم الشركات بإدارته وفقًا لمصالحها. في واقع الأمر، إن تطبيق النظام الاقتصادي الرأسمالي الجشع هو السبب الحقيقي لمشكلة الفقر.
وأما فيما يتعلق بمسألة الاتصال والإنترنت ومواقع التواصل، وبحجة أن هذه التقنيات يستخدمها المتطرفون لنشر أفكار العنف وتمكنوا من استغلالها لتجنيد الشباب، فإن الأمم المتحدة ستدعم آلاف الشباب الناشطين والفنانين في جميع أنحاء العالم في الصراع ضد التطرف العنيف من خلال استخدام وسائل الإعلام عبر الإنترنت، ومن خلال الموسيقى والفن والأفلام والرسوم الساخرة والفكاهة. ولكننا في الوقت نفسه نعلم أن الدول الغربية خلال القرن الماضي هي التي قادت الابتكار في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. ولقد جعلوا من هذه التكنولوجيا أداة لنشر الثقافة العلمانية وذلك من خلال الترويج لطراز الحياة الغربية التي لا تهتم إلا بالشهوات، والقيم المادية والاستهلاكية والفردية والإباحية، فقد دمروا بواسطتها أطفال وشباب المسلمين.
وفي عصر اقتصاد اليوم القائم على المعرفة، فإن السياسة تتشكل وفق إرادة الشركات الرأسمالية التي تنتج أجهزة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الرقمية التي تستغلها بشكل كبير لجني أرباح ضخمة. ورؤية جوكوي لإندونيسيا كأكبر سوق للاقتصاد الرقمي في جنوب شرق آسيا بهدف جني أرباح تقدر بنحو 130 مليار دولار في عام 2020، قد جعلته يطلب من وزرائه تأسيس علاقات جيدة مع وادي السليكون، مركز صناعة الإبداع في أمريكا. إلا أنه لا بد من السؤال عمن يملك هذا الوادي الذي غالبًا ما يشار إليه باسم "وادي الأمل"؟ إنها شركات التكنولوجيا الرأسمالية التي تروج لطراز حياتهم المنحلة.
لقد خدرت مواقع التواصل أطفال وشباب المسلمين، فهم يقضون معظم أوقاتهم في إجراء تحديثات لملفاتهم على هذه الوسائل والتي لا طائل منها، ويقومون بالدردشة مع الأصدقاء وخاصة من الجنس الآخر، ويتتبعون الإشاعات عن طريقة عيش الفنانين. وإن فكرة الإغراء التي يقدمها العمل في مجال الترفيه، أو تحقيق غنى سريع من خلال العمل كممثل أو مغنٍ، قد جعل أطفال وشباب المسلمين على استعداد للوقوف في طوابير طويلة وفي الطقس الحار والبارد للمشاركة في تجارب الأداء لمسابقات المواهب المتعددة. ناهيك عن المسلسلات التي تروج لأسلوب حياة المتعة، والندّية بين الأطفال وآبائهم، والتي تُعَلِّم الأطفال عدم احترام آبائهم وتبني وجهات النظر التي تتعارض مع الأخلاق في الإسلام.
إن هذه الاستراتيجية العالمية والخطط الغربية تهدف إلى إِبعاد أجيال المسلمين عن الإسلام الصحيح ولاختطاف طاقاتهم. فلقد أصبحوا سفراء العلمانية وضحايا قيم وطراز الحياة الغربية وأنظمتها. أما الشباب الذين يقبلون على دراسة الإسلام بشغف فإنهم يُوَجَّهون ليكونوا مسلمين معتدلين خدمة لمصالح الغرب وأفكاره وقيمه وأنظمته. بينما يُوجَّه الآخرون لكي يصبحوا جيلًا "مائعًا" يعاني من أزمة في الهوية، وسيتدمر مستقبلهم من خلال فكرة حرية التصرف وفق شهواتهم. وبذلك يقعون فريسة سهلة للعالم المظلم، فيتورطوا في عالم المخدرات والجنس والخمور والدعارة وغيرها من التصرفات المنحرفة.
ونحن بالتأكيد قد خسرنا كنزنا الثمين. ونرى أن دول الاستعمار قد سيطرت عليه وهي التي تبغض الخير لهذه الأمة. يجب علينا إنقاذهم، فإنهم يعيشون انحرافًا حقيقيًا، قال رسول الله ﷺ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ».
إن هذا واجبٌ قد فرضه الله علينا، فيجب أن نعمل على تغيير المنكر ونستعيد مكانة الشباب ودورهم كما بين الإسلام. فيجب أن يكونوا قادة التغيير، وحماة الإسلام المخلصين. فعندما واجه رسول الله ﷺ تحديات الدعوة في قريش، فقد كان الشباب وقتها في الصفوف الأولى ضد الكفار. ويجب أن يكون الشباب سفراء الإسلام كما جسد ذلك مصعب بن عمير رضي الله عنه الذي أرسله النبي لحمل الدعوة إلى المدينة المنورة وبذلك أصبح أول سفير في الإسلام. فقد ترك مصعب متاع الدنيا الزائل وضحى في سبيل الحياة الحقيقية، الآخرة. ونتيجة لنضاله وكفاحه، فقد أصبح الإسلام في المدينة المنورة بعد أقل من عام رأيًا عامًا ودخلت المدينة في الإسلام، ما شاء الله... الله أكبر.
ولاستعادة مكانة وحيوية وطاقات شباب وأطفال المسلمين، لا بد من وجود تحرك يقوده حزب سياسي إسلامي لنشر الوعي والنهضة بشباب المسلمين. وإن لم يتصد لهذا التغيير حزب إسلامي سياسي يقوم على المبدأ الإسلامي (فكرة وطريقة)، فإن استعادة مكانة الشباب وحيويتهم وفق الإسلام لن تتحقق. ولن يقوم بهذا الدور إلا حزب سياسي إسلامي، فيكشف عن تآمر الدول الغربية لتدمير أجيال المسلمين الشابة، ويكشف زيف وفشل الحضارة الغربية العلمانية، ويكشف حقيقة الديمقراطية التي لم تجلب للبشرية سوى التعاسة والشقاء.
في الحقيقة، إن الدور الفعال للشباب لن يتحقق إلا في مجتمع يطبق كافة أحكام الإسلام ويتبنى عقائده وأفكاره. إن دولة الخلافة هي الوحيدة التي ستُعِدُّ كل ما يلزم لدعم الشباب. فنظام التعليم، والنظام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي التي سيطبقها خليفة المسلمين ستدعم جميعها الشباب كحماة وأوصياء حقيقيين على الإسلام، وهي من ستحقق الأمن للأمة الإسلامية وتنهض بالعالم أجمع النهضة الحقيقية الصحيحة، وبها سترتبط قلوبهم وعقولهم بشكل دائم بالإسلام وعزة الأمة. ولذلك فإن الاتجاه الذي يُعمل له اليوم لتحقيق النهضة الفكرية لشباب المسلمين واستعادة مكانتهم يهدف إلى إقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
وأخيرًا، أخاطب شباب المسلمين بقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف: 28]
والحمد لله رب العالمين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كتبته
أم فضيلة – إندونيسيا
3 تعليقات
-
بارك الله بكم . ونسأله تعالى أن يَمُنَّ علينا بقيام دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة
-
جزاك الله خيرا أختاه
-
جزاكم الله خيرا