الجمعة، 20 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/22م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • 3 تعليقات
الكلمة الثالثة في مؤتمر "الشباب المسلم.. روّاد التغيير الحقيقي" الشباب الفرصة السانحة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

الكلمة الثالثة في مؤتمر "الشباب المسلم.. روّاد التغيير الحقيقي"
الشباب الفرصة السانحة


فئة الشباب هي محل اهتمام الدول والمنظمات والمجتمعات الإنسانية منذ قديم الزمان وإلى يومنا هذا وستظل كذلك. وذلك بسبب ما يرافق هذه المرحلة من تطورات جسمية وعقلية تجعل هذه الفئة العمرية الأكثر استعدادا وقابلية للنشاط والحيوية والإبداع والتفوق والريادة والحماس والبذل والعطاء والتضحية والإقدام، وغيرها من جميل الصفات.


وفي عالم العولمة الثقافية التي نعيشها اليوم يلاحظ أن كلمة شاب ترتبط في أذهان الكثيرين بمرحلة يحرص فيها على نيل أكبر قسط من المتع الجسدية، ويكون بارزا فيها حب المرح والمزاح والسهر، وتتشابه فيها الاهتمامات بشتى ألوان الرياضة والفنون. مرحلة لخصتها الحملة الإعلامية لشركة كوكا كولا بشعار الحملة الإعلامية لهذا العام "ذوق اللحظة" ولم تأت الشركة العملاقة بشعار فقط بل صاحب هذا الشعار طريقة مدروسة في كتابة كوكا كولا وتصميم القرص الأحمر والمظهر الخارجي للزجاجة وكتيبة المشاهير المجندين لترويج هذا المنتج. الحملة الإعلامية العالمية لكوكا كولا تختزل تفاصيل تحمل قيما عن الحياة وتلخص فلسفة غربية عن صلة الإنسان بالكون والحياة في ثوانٍ معدودة.


يخدر الإعلامُ المتلقيَ ليستسلم للرسالة الإعلامية وينقاد لها ويتقبل ما فيها من رسائل مشفرة. أصبحت المجتمعات في بلاد المسلمين مجتمعات استهلاكية خاملة بعد أن كانت مجمتعات منتجة وبناءة. والإشكالية ليست في ثقافة الاستهلاك فقط بل في إفساد الذوق وتمييع الهوية. يصور الإعلام العربي منذ بدايته الشاب المنطبع بالثقافة الغربية في حديثه وزيّه وذوقه العام كشاب متطور ومتوازن وسعيد، بينما الملتزم شخصية مضطربة وكئيبة. زخم إعلامي يتجاهل التباين بين ثقافة الشاب المسلم الذي يفكر ويتفاعل وينتج ويعمل في إطار الحكم الشرعي لينير دربه وثقافة "ذوق اللحظة" التي تعيش للحظة فقط وتحصر السعادة في المتع الجسدية الآنية. ولكنه الاختراق الثقافي والعولمة الفكرية التي فرضت علينا في العالم الإسلامي قسرا والتي يراد لمفاهيمها عن الحياة النابعة عن غير مبدئنا، الإسلام العظيم، أن تكون مفاهيم لنا نتبناها وندافع عنها ونسعى لتركيزها في مجتمعاتنا، وإن خالفت عقيدتنا ونظرتنا عن الحياة.


يصور الإعلام الشباب كفئة عمرية تنتهز لحظات السعادة وتتفانى في البحث عن اللذة ولكنه في الوقت ذاته يبالغ في التذمر من واقع الشباب ومشكلاته من البطالة والفراغ والضياع والإحباط. يحاصِر الشباب بالصور السلبية والجريمة والمخدرات والرذيلة وفساد الأخلاق ويركز على تركيز السلوكيات والأنماط السلبية حتى تصبح هاجسا يطبق على أنفاس الشباب ويزيدهم كدرا على كدر. إن الإعلام لا يسعى لغرس صورة إيجابية تبث الأمل وتظهر للشاب أن هذه المرحلة هي مرحلة الإنجاز والبناء والتطور؛ ذلك أن هذا الإعلام لا يعمل لرفعة الأمة.


أخواتي الكريمات..


في عالم اليوم ومع تطور وسائل الاتصال والتواصل أصبحت قدرة من يملك المال والنفوذ عالية جدا في نشر فكرته والترويج لها. وسائل الإعلام المرئية، والمسموعة، والمقروءة اسفيريا وورقيا تجوب الدنيا من أقصاها إلى أدناها دون موانع تذكر، فتدخل لكل بيت ويقرع صوتها كل أذن وتعانق صورتها كل عين. تعمل وسائل الإعلام هذه على إرسال رسالة للشباب ديدنها تسطيح الفكر، فهي لا تطرح مشاكل الحياة اليومية الحقيقية بجدية وموضوعية وحيادية، وإن فعلت فإنما من أجل التوجيه في اتجاه بعينه يرضاها مالك القناة أو الواسطة الإعلامية أيا كان نوعها، تعمل على تهييج الغرائز ودغدغة المشاعر وإثارتها دون طائل يذكر وفائدة ترجى سوى التأثير السلبي. فالإلهاء المنظم عبر بث دوري لكرة القدم المحلية والقارية والدولية لا يكاد ينقطع، وما أن تنتهي مباراة أو منافسة حتى تتبعها أخرى، ومن نجا من التعلق بكرة القدم تُقدَّم له المصارعة، وسباق السيارات، وغيرها من ضروب إضاعة الوقت المختلفة. لا نسمع عن ذكر أشقائنا في الكاميرون وجزر القمر وغامبيا إلا في إطار كأس أفريقيا وكأن أواصر الأخوة تختزل في هذه الكرة الدائرية!!


ومن كان لا يهتم بالرياضة فلا بد أن يغزو العالم بمواهبه الدفينة في الغناء والرسم والرقص وعروض الأزياء والتمثيل، وفي كل هذا متسع لينفق فيه من ماله ووقته مع المنفقين. يغرونه بالبحث عن الموهبة في الميوعة والإسفاف فيهدر نفسه في البحث وراء كل ما هو دون المعالي. برامج ومسابقات وفعاليات للبحث عن المواهب الفنية بينما يفترس الإحباط الموهوبين والعاملين في مجال البحث العلمي والمخترعين والنابغين. يخدِّر الإعلام الشباب بينما تستمر قافلة هجرة العقول وتتوالى قوافل العلماء النجباء المغادرين لبلاد تنكرت لتفوقهم وأحبطت مواهبهم.


لقد شوه الإعلام صورة المجتمع في بلاد المسلمين وطمس الحقائق وأفسد ذوق الشباب وعكس صورة منافية لواقع هذا المجتمع؛ فالأنثى نرجسية مرفهة لا شغل لها سوى المساحيق والموضة وبرامج الطبخ، والذكر أناني مراوغ متعدد العلاقات، والعلاقات الاجتماعية قائمة على المادية والنفعية والأوهام والمشاعر الزائفة. ولعلي أستحضر هنا كتاب الأغاني لأبي فرج الأصفهاني وهو كتاب لهو وسمر شوه تاريخ صدر الإسلام وصورة العصر الذهبي للحضارة الإسلامية التي ملأت السمع والبصر وأبهرت العالم بأسره وحصرها في جو الجواري والقصور ونوادر الملوك! صور المجتمع المسلم على أنه مجتمع خامل يسوده اللهو وتتحكم فيه الشهوات، مجتمع عيش اللحظة و"ذوق اللحظة". ولا يفوتنا أن نذكر أن هذا الكتاب نشرت أول طبعة منه في الغرب وقام المستشرقون على الاهتمام به وجندوا جيشا من المحققين والنقاد لرفع ذكره لغاية في أنفسهم.


في عالم اليوم تلعب الدولة دورا محوريا ومركزيا في مساعدة وسائل الإعلام على القيام بدورها. فالدولة هي التي تعطي التصاريح بمزاولة العمل للوسائط الخاصة، وهي التي تدعمها معنويا وتحميها أخلاقيا. هذا إن لم تكن الدولة هي المالك الفعلي للوسيلة الإعلامية والسند لها. إن ما يتعرض له الشباب في بلادنا الإسلامية بكلمات أخرى هو هجمة منظمة ممنهجة يسعى من خلالها لتركيز مفاهيم تخالف وجهة نظرنا عن الحياة وتجعل شبابنا فلذات أكبادنا لا قيمة لهم في سعينا الحثيث والذي بدأ يؤتي أكله في عملية التغيير الضخمة وثورات الأمة المباركة التي بدأت شرارتها من تونس الخير الخضراء. تقف الدول الاستعمارية الغربية وسدنة العولمة خلف هذه المنظومة الفكرية وتدعمها معنويا وماديا، ويشكل مالكو القنوات التلفزيونية الخاصة، والوسائط الإعلامية الأخرى، الذين تبنوا فكرهم وساروا على دربهم، يشكلون رأس الرمح في تنفيذ هذه الهجمة، يقف بجانبهم بل وأمامهم طبقة حاكمة في بلاد المسلمين تبنت نفس النهج والفكر، تسهل لهؤلاء نشر ثقافة الفساد والإسفاف التي نراها اليوم.


إن الرسالة الإعلامية المتكررة هي اترُكْ نفسك لنا وإياك وأن تغادر الأريكة المخملية المريحة.. ولماذا تتحرك وبوسعك أن ترى وتناقش وتبحث وتطبخ وتمارس الرياضة وأنت أمام التلفزيون. لماذا تتحرك وبوسعك أن تقوم بحراك سياسي وتفاعل مع الحدث وأنت جالس على أريكتك المخملية تشاهد التلفزيون وتستخدم مواقع التواصل. وكأن الإعلام يطلب من الشباب المسلم أن يترك دوره كرواد للتغيير الحقيقي ويقبل بالمتعة الزائفة وتضييع أجمل سنوات العمر وعدم تحمل المسؤولية. وكأنه ليس مكلفا/أهلا بذلك.


أخواتي الفاضلات..


حينما ينشأ الطفل في حضن الهاتف الذكي وبرامج التسلية بلا ضوابط ويشب بلا انضباط يحد من إتيان الشباب لكل فعل وتصرف، فلا عجب أن نرى الهوة الحالية الموجودة في كثير من الأسر إلا من رحم ربك. وبعد أن كنا ننشئ النشء على أن يبادر شبابه قبل هرمه وصحته قبل سقمه وأن يجهد نفسه في صغره لينال في كبره وأن يدور في رحى الإسلام وينهل من معين العلم ويتزود من مكارم الأخلاق، أصبحنا نعاملهم كمن يمر بسَكْرة.. حاضر في البيت بجسده غائب روحاً ووجدانا يعيش بعيدا في صومعته الخاصة فتحقق قول الشاعر:


قد مات قوم وما ماتت مكارمهم وعاش قوم وهم في الناس أموات


إن الإعلام والوسائط الإعلامية هي سلاح ذو حدين، فمن جهة تفتح للمرء آفاقاً وتمكنه من التواصل والمواكبة والاستفادة، ومن جهة أخرى توجه تفكيره وتؤثر على سلوكه وتجعله لقمة سائغة لكل فكر منحرف ونهج متطرف.. تتجاذبه الرياح بدون حول منه ولا قوة.


ومن أجل مواجهة هذا التحدي لا بد من مراجعة وفهم نظرة الإسلام للفئة العمرية هذه، هل خصها بشيء مميز من الأحكام؟ وهل جعل لها مكانة واعتبارا مخصوصين؟


ولمواجهة هذا المد الإعلامي والضغط الذي يطمس هوية الشباب المسلم لا بد من قوة مساوية له ومعاكسة في الاتجاه، قوة إعلامية قائمة على أسس مبدئية ترفض فصل الدين عن الحياة وتؤسس للإعلام في إطار منظومة متكاملة تعالج مشاكل المسلمين على أساس الحكم الشرعي. هذا التلوث الإعلامي لا يمكن مواجهته بإعلام إسلامي محدود يخاطب فئات معينة وبالتالي لا يؤثر على المجتمع، بل لا بد له من تغيير جذري للمجتمع يعيد الأمور إلى نصابها ويحقق التوازن بين عقيدة الأمة وثقافتها والخطاب الإعلامي الموجه لها. وقد يبدو هذا الأمر كمهمة صعبة ولكن ما يسهلها هو تجذر الإسلام العظيم في حياة المسلمين.


لقد وجد الإعلام التابع أرضاً خصبة، وجد شباباً يعاني من الفراغ الفكري والعاطفي، ثائر على واقعه ومتعطش للتغيير ولكنها ثورة تدور في فلك محدد مقنن.. ثورة تفتقر إلى الغاية فلا بد من التركيز على هذه الغاية حتى تستقيم الأمور.. لا بد من تحفيز الفكر وتعزيز الهوية الإسلامية وتركيز معنى العبودية لله.


يعلو الصخب من حولنا ويبقى ذكر الله هو الأجمل.. سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.


﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾

 

﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾

 

هدى محمد (أم يحيى)

 

3 تعليقات

  • khadija
    khadija السبت، 07 أيار/مايو 2016م 21:59 تعليق

    بارك الله بكم . ونسأله تعالى أن يَمُنَّ علينا بقيام دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة

  • إبتهال
    إبتهال السبت، 07 أيار/مايو 2016م 14:43 تعليق

    بارك الله فيك أختي

  • أم راية
    أم راية السبت، 07 أيار/مايو 2016م 14:31 تعليق

    جزاكم الله خيرا

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع