الجمعة، 20 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/22م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • 1 تعليق
العقدة الكبرى والعقد الصغرى - الحلقة السادسة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

العقدة الكبرى والعقد الصغرى

 

الحلقة السادسة

 

 

فالإنسان لم يُرَدْ له أن يكونَ كالحيوان، يتمتع ويأكل كما تأكل الأنعام، ولم يُرَدْ له أن يجعلَ غايته وهدفَه المتعة في هذه الحياة الدنيا، بل إنه موعود بها في الآخرة، (وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ) وقوله تعالى: ( يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ  وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)، وإذا علمنا أن الله تعالى قد ضمن لكل إنسان رزقه، أدركنا أن غاية وجود الإنسان في الأرض ليست تحصيل الرزق، فهو تحصيل حاصل، مضمون لكل إنسان، (أَهُمْ  يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ  الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ)  وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نفث روح القدُس في رُوعِي أنه لن تموت نفسٌ حتى تستوفيَ رزقَها وأجلَها وما قُدِّرَ لها)، وإذا علم الإنسان أنه سبحانه وتعالى له ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ ، أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) فلا يجعل أكبرَ همّه الأولاد والبنات، وإذا علم أنه سبحانه القائل: (نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم) لم يقلق على رزق أولاده، وإذا علم الإنسان أنه تعالى القائل: (نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ) لم يقلق على أجله، ولم يخف على حياته، وإذا علم الإنسان أن ما يصيبه في هذه الدنيا هو بسبب ذنوبه (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) أدرك أنه يستطيع تجنب وقوع المصائب به بتجنب الوقوع في الذنوب، وإذا أيقن أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأنّ ما أخطأه لم يكن ليصيبه، سدّ باب الندم والحسرة على ما فات، وأيقن أن ما هو مقدّر له أن يقع عليه فإنه سيقع عليه مهما فعل، فيلتزم ما أمره الله تعالى به، ويجتنب ما نهى عنه، وإذا أدركَ الإنسان وجودَ خالقِهِ سبحانه وتعالى، وأدرك قوته وعظمته، وقدرته، وعلمه، وحكمته، أدركَ أنّه قويٌّ بالله وحده، واستطاع أن يتجاوزَ ضعفَهَ وعجزَه الطبيعيّ، فيسير في حياته الدنيا لا يهاب غير الله تعالى، فيصنع ما يشبه المعجزات، كما صنعها الصحابة الكرام الأوائل، فكانوا لا كالبشر، وإنما طاقات هائلة متفجرة، حملوا الإسلام إلى الناس في فترة قياسية بالنسبة لما كان متاحاً لهم من إمكانات.

 

وإذا علم الإنسانُ أنه لا نصر إلا من عند الله، وأنه تعالى وحده الناصر: (وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ) فإنّه يُقدِمُ مقبِلاً على ما أمره الله سبحانه وتعالى به من أعمال، موقناً أنه يحقق ما يريد من نتائج بتوكله على الله، واستعانته به، واستنصاره به وحده.

 

وإذا علم الإنسانُ أن النفعَ والضرَّ بيد الله تعالى وحده، أيقن أنه لو اجتمعت الأمة على أن يضروه، لم يضرّوه إلا بشيءٍ قد كتبه الله عليه، وأنه لو اجتمعت الأمة على أن ينفعوه بشيء لم ينفعوه إلا بشيء قد كتبه الله له، فلا يرجو غيرَ الله، لأنه المالك الحقيقي للسموات والأرض وما فيهما، وهو وحده المعطي، ولا يخاف غير الله، فلا يقدِرُ أحدٌ من البشر ولو اجتمعوا على أن يضرّوه إلا بما أراده الله سبحانه وقدّره عليه.

 

إذا علم الإنسانُ كلّ ذلك، والتزم بما أراده الله سبحانه وتعالى، كان كلُّ أمره خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، فيؤتى أجر الصابر وأجر الشاكر، وهذا لا يكون إلا للمؤمن، الذي حلّ العقدة الكبرى حلا صحيحاً مقنعاً، فيوقن أنّ كل ما يصيبه خيرٌ له حتى لو كان في ظاهره شراً، (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ). ويترتب على كل ما سبق أن يجعل الإنسانُ الآخرةَ أكبرَ همّه، ولا يجعل الدنيا أكبر همّه، فهو حتى لو أراد الدنيا فإنه لن يجدها عند غير الله: (مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ) وإن أرادَ الدنيا وجعلها غايته ندم وخسر: (مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ ، أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) ويجعل غايته من الدنيا لقاء الله تعالى: (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) ويخاف من الوعيد الشديد لمن لا يرجون لقاء الله، ولم يعملوا للقاء الله، وعملوا لدنياهم وحسب: (إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ ،  أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) ويوقن أن كل ما عنده في هذه الحياة الدنيا إنما هو من عند الله وحده، وأنه كله متاع زائل بزوال الدنيا: (وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ)، فهل يبقى بعد كل هذا أي سببٍ للقلق أو الاضطراب أو التوتر؟ وهل يبقى مجال عند كل من آمن وعمل صالحاً، وحمل مفاهيم الإسلام الصحيحة؛ أن تنشأ لديه عقدة صغرى، فضلاً عن عقدة كبرى؟

 

 

كتبها لإذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير

أبو محمد – خليفة محمد - الأردن

 


  

لمتابعة باقي حلقات السلسلة

 

اضغط هنا

 

OQdaKubra

 

 

 

 

 

وسائط

1 تعليق

  • Khadija
    Khadija الخميس، 02 شباط/فبراير 2017م 11:29 تعليق

    اللهم سدد خطى حزب التحرير واجعل اللهم أفئدة الناس تهوي إليه ولين اللهم قلوب من بيدهم القوة لنصرة دعوته.

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع