- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
العقدة الكبرى والعقد الصغرى
الحلقة العاشرة
إن الإنسان بوصفه إنساناً يتصف بصفات العجز والنقص والمحدودية والاحتياج، واحتياجه ليس مقصوراً على حاجته للطعام والشراب والهواء والنوم وغيرها، بل إنه يحتاج أكثر ما يحتاج إلى النظام، النظام الذي يسير بحسبه في إشباع حاجاته العضوية وغرائزه، وتنظيم علاقاته، علاقته مع نفسه بالمطعومات والملبوسات والأخلاق، وعلاقته مع خالقه في الدينونة له بالعبودية، وعلاقته مع غيره بالمعاملات والعقوبات، وتنشأ عن ذلك أنظمة الحياة المختلفة، من نظام سياسي ونظام اقتصادي ونظام اجتماعي، وغير ذلك، فالإنسان بوصفه إنساناً عاجز عن وضع نظام يسير بحسبه، ولعل تجربة النظام الرأسمالي المعاصر، الذي لم يؤدّ إلا إلى الشقاء لمن طبق عليهم، والويلات والدمار والخراب ونهب ثروات البشرية، يعيش نفر من أصحاب رؤوس الأموال على دماء وعرق الملايين من البشر، ولم يبق نوعٌ من الشذوذ لم تعرفه البشرية جراء تطبيق هذا المبدأ، وتطبيق فكرة الحريات. هذه التجربة بالنظام الرأسمالي المعاصر خيرُ دليلٍ على عجز الإنسان عن وضع نظام يسعده في حياته.
جاء في قول ربعي بن عامر لرستم ملك الفرس: (جئنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة..) يقول ربعي بن عامر رضي الله عنه لواحد من أكبر ملوك الأرض آنذاك، ملك الأرض تحت قدمه، أخذ منها ما شاء من بهرجها وزخرفها، وهو يرتدي ثياباً رثّةً بالية، يقضي يومه على تمرة أو تمرات يقمن صلبه، ولكنه كان يخاطب ذلك الملك كما لو كان الملك عبداً عنده، أو يخاطب شخصاً عادياً لا يعني له الشيء الكثير، نعم لقد اتسعت الدنيا أمام ناظريه، بينما ضاقت أمام من ملكها بحذافيرها، والفرق واضح بين، إنه الإسلام.
إن من اعتنق عقيدة الإسلام والتزم بما انبثق عنها من أحكام وأفكار ومقاييس وأنظمة نظر إلى الدنيا من علٍ، بنظرة شاملة ثاقبة، يراها واسعة على قلة ما يناله منها، استقلالية الإنسان عن خالقه توقعه في ضيق الدنيا، فلا يراها إلا بمقدار ما يتحقق له منها من مصالح ومنافع زائلة فانية.
والنظرة الشاملة الثاقبة للحياة الدنيا لا تتأتى إلا لمن آمن بالله سبحانه وتعالى وبرسله،وبأركان الإيمان، وامتثل أمر الله تعالى، اسمع قول الله تعالى: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ).
إن من ابتعد عن الله تعالى وعن هداه كان غافلاً، فمن لا يجب عن أسئلة العقدة الكبرى الإجابة الصحيحة المقنعة، والتي هي في الإسلام والإسلام وحده يكنْ غافلاً، ويفقد وظيفة السمع الذي أوتيه، ويفقد وظيفة البصر الذي أوتيه، ويكنْ بعيداً عن الفهم الصحيح وعن الرؤية الثاقبة، وقد شبههم الله تعالى بالأنعام، بل بأضلّ من الأنعام، لأن الأنعام تسير بحسب نظام مفروض عليها لا تستطيع تجاوزه، بخلاف الإنسان الذي ترك الله سبحانه له أن يختار نظامه، فمن لا يختر النظام الذي ارتضاه الله سبحانه فقد ضل وشقي وكان غافلاً، ومن اختاره اهتدى وسعد وفاز.
إن واقع الإنسان أنه ليس لنفسه، ليسأل كل إنسان نفسه: من أنا؟ ولمن أنا؟ هل أنا لنفسي؟ إن كان جوابه بالإيجاب فليسأل نفسه عن كل خلية في جسمه ماذا يعرف عنها وعن علاقاتها مع الخلايا الأخرى ومع بقية جسمه؟ وماذا يملك من هذه الخلايا؟ إن رأى نفسه ضمن مساحة ضيقة قليلة من الإرادة جعل من نفسه إلهاً، ولكنه لا يملك أن يجلب لنفسه نفعاً، أو يدفع عنها ضراً.. (كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى).
فمن نحن؟ نحن: (إنا لله وإنا إليه راجعون)، فمن كانت هذه بدايته وتلك نهايته، فماذا يملك من أمره؟ وماذا يملك من شأنه؟ فليعد الإنسان إلى صوابه، وليعرف حقيقته، وليعرف أنه ليس لنفسه، وليضع ذاته ونفسَه تحت أمرِ الله تعالى، وليعرف مكر الشيطان به ليجتنبه ويبتعد عنه. فليدرك الجزء الأول من جزء الآية: (إنا لله) ليعرف ذاته، وليدرك الجزء الثاني ليقرر مصيره، ونوع مصيره، وينجو بنفسه. (فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور).
كتبها لإذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير
أبو محمد – خليفة محمد - الأردن
لمتابعة باقي حلقات السلسلة