- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
العقدة الكبرى والعقد الصغرى
الحلقة العشرون
سابعاً: عقدة الخوف على الرزق
من أهم العقد التي تواجه الإنسان في حياته خوفه على رزقه، فهو يخاف من الفقر، ويخاف في قابل الأيام أن يقل الرزق الذي يأتيه، ويخاف أن يفقد عمله ووظيفته خوفاً من فقدان رزقه كما يظن، بل إنه مستعد لأن يخالف أحكام شرع ربه ويقع في الحرام بحجة أنه لا يريد سد باب الرزق الذي يأتيه منه، ويخاف من قول الحق حتى لا يفقد عمله ووظيفته، ظانّاً أن عمله هو سبب رزقه.
وهذه عقدة تجعل الإنسان يعيش في قلق دائم، ويقضي حياته وهو في عمله يتوجّس خيفةً أن يطرأ أي طارئ يجعله يفقد عمله، أو يخشى أن يفصَلَ من عمله، أو يطرد منه، فيظن أن أبواب الرزق قد سُدّت في وجهه.
ومع ذلك فإنك لو سألت أي مسلم: من الذي يرزقك؟ لكان الجواب فوراً: الله، وإن راجعته في الأمر، وسألته لماذا تخاف على رزقك إذن؟ فيكون جوابه فوراً أيضاً: لكن الأخذ بالأسباب واجب، فهو يظن أنه بخوفه وجبنه ونكوصه عن قول الحق، وعدم حرصه على التزام أوامر الله تعالى يعدُّها من قبيل الأخذ بالأسباب التي تحفظ عليه رزقه، وينسى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَلاَ لاَ يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ رَهْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا رَآهُ أَوْ شَهِدَهُ فَإِنَّهُ لاَ يُقَرِّبُ مِنْ أَجَلٍ وَلاَ يُبَاعِدُ مِنْ رِزْقٍ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ أَوْ يُذَكِّرَ بِعَظِيمٍ).
بل إنه يعمل ويخطط طوال حياته ليؤمن لأولاده مستقبلاً مناسباً في ظنه، ليتمكن من إحسان تربيتهم وإطعامهم وإحضار ما يحتاجون إليه من الطعام والشراب، وليعلمهم في المدارس ثم في الجامعات، يخطط لرزق أولاده من بعده أيضاً، وينسى قول الله تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءًا كَبِيرًا).
لقد اعتنى الإسلام بمسألة الرزق عناية خاصة، واعتنى بحلها حلاّ شافياً يوجِدُ الراحةَ والطمأنينة لمن يأخذ بهذا الحل، وليس للمسلم خيار آخر، فعليه أن يأخذ هذا الحل ما دام قد أخذ أساسه، الحلَّ العقلي الصحيح للعقدة الكبرى، يقول الحق جل وعلا: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)،فالله هو الذي خلقنا ورزقنا ويميتنا ويحيينا، وهذا هو حل العقدة الكبرى، ولقد أضاف إليه سبحانه هنا حل عقدة الرزق، نظراً لأهميتها في نفوس الناس وسلوكاتهم ومواقفهم، ولأهميتها عندهم ضربوا لها أمثالاً للتعبير عن ذلك، فقالوا: (قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق)، ظانين أنه يمكن لأحد غير الله تعالى أن يقطع رزق أحد من البشر!!
ويتلخص حل الإسلام لعقدة الرزق في أن سبب الرزق الوحيد هو تقدير الله سبحانه وإرادته، وليس هناك من سبب آخر للرزق، هذا قول الله سبحانه وتعالى: (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ)، وكذلك قوله: (وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) فكل دابة تدِبُّ على هذه الأرض رزقُها على الله تعالى، وليس على غيره، وليس عليها هي، وليس بجهدها ولا بعملها. واقرأ قول الله تعالى: (وَاللّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ) وقوله تعالى: (اللّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاء وَيَقَدِرُ وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ)، وقوله تعالى: (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) وقوله تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا). والله سبحانه وتعالى أيضاً فضّلَ بعض الناس على بعض في الرزق: (وَاللّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاء أَفَبِنِعْمَةِ اللّهِ يَجْحَدُونَ)، وأخبرنا سبحانه وتعالى أنه هو الذي قسم بين الناس معيشتهم، ورفع بعضَهم فوق بعضٍ درجات، ليتخذَ بعضُهم بعضاً سُخرياً، أي لكي يعمل بعض الناس عند بعض ويأخذون أجرهم منهم.
كما أنه سبحانه نفى أن يكون هناك أحدٌ غيرُهُ يملك أن يرزقَ أحداً، يقول سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)، فعليه فمن أراد أن يطلب الرزق فليطلبه من الله سبحانه وحده، لأنه هو المالك الحقيقي له، من جهة الخلق، ومن جهة التوزيع والتقدير، بقدرته المطلقة، وبعلمه المطلق، وبحكمته المطلقة، (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاء إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ).
كتبها لإذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير
أبو محمد – خليفة محمد - الأردن
لمتابعة باقي حلقات السلسلة